العالمية الأخلاقية والاعتراف بإنسانية الآخرين

العالمية الأخلاقية والاعتراف بإنسانية الآخرين
لا يجب أن نتخلى عن الحدس الأخلاقي الذي تقوم عليه حقوق الإنسان.
العالمية الأخلاقية والاعتراف بإنسانية الآخرين
يبدو أن الهيكل القانوني الذي بُني بعد عام 1945 لمنع تكرار ماضينا الهمجي أصبح في حالة خراب.

إن العالمية الأخلاقية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تلزمنا بالاعتراف بإنسانية الآخرين وحقيقة معاناتهم. وإذا كانت هذه العقيدة تبدو ساذجة في عالم اليوم، فذلك لأننا سمحنا للمفسدين الخبيثين بخنق هذا الحدس التأسيسي، بحسب ما يطرحه مايكل إجناتيف، أستاذ التاريخ والرئيس الفخري لجامعة أوروبا الوسطى في فيينا، هو سياسي كندي سابق ومؤلف كتاب: البحث عن العزاء في الأوقات المظلمة (متروبوليتان بوكس، 2021).
في مثل هذا الأسبوع قبل 75 عاما، اعتمدت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في اجتماعها في باريس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ولم يكن قانونا ملزما، بل مجرد بيان مبدأ. لكنه كان الإعلان الأول الذي يدمج المثل الأخلاقي القديم للمساواة بين البشر في البنية الجديدة للقانون الدولي، التي أنشئت ردا على النزعة القومية التي ارتكبت الإبادة الجماعية التي تركت قسما كبيرا من العالم في حالة خراب بعد الحرب العالمية الثانية.
طلبت منا هذه العالمية الأخلاقية الجديدة أن ندير ظهورنا لتحيزنا الغريزي لأفراد قبيلتنا، لقد طلب منا أن ننظر إلى ما وراء الاختلافات البارزة -العرق، والعقيدة، والجنس، والطبقة، والأصل القومي، واللغة- والتأمل في إنسانيتنا المشتركة. لكن كثيرين في ذلك الوقت تساءلوا عما إذا كنا قادرين على إجراء مثل هذه التجربة الجذرية.
لقد اكتشف السجناء العزل في أوشفيتز-بيركيناو أن مطالباتهم كبشر بالشفقة واللياقة، ناهيك عن الحقوق، لا تعني شيئا بالنسبة لمعذبيهم. وقالت أرندت إنه فقط إذا كان لدى هؤلاء الأشخاص العزل دولة تحميهم، فسيكونون آمنين، لن يكون للإنسان العالمي الموجود فينا جميعا "الحق في التمتع بالحقوق" إلا إذا تمتعنا جميعا بحماية المواطنة.
وحتى عام 1989، كانت الآمال الطوباوية للإعلان مقتصرة إلى حد كبير على الغرب. ولم تكن الشعوب المستعمرة السابقة أبدا جزءا من المفاوضات الأصلية، التي أدت إلى الإعلان، وفي العقود الأولى لحركة عدم الانحياز، كانت هذه الشعوب مستاءة بشكل عام من الانتقادات الغربية لأنظمتها الجديدة.
ومن ناحية أخرى، عارضت الدول القومية في مختلف أنحاء الإمبراطورية السوفيتية شرعية إعلان الأمم المتحدة بشكل صريح. لقد امتنع الاتحاد السوفيتي والدول التابعة له عن التصويت الأصلي، معتقدين أن الحقوق الاشتراكية التي دافعوا عنها كانت أعلى من الحقوق الفردية المنصوص عليها في الإعلان. ولم يصبح من الممكن إلا بعد سقوط سور برلين في عام 1989 أن نعتقد أن العالم أجمع قد اعتنق أخيرا النزعة العالمية الأخلاقية.
بطبيعة الحال، يبدو مثل هذا التفاؤل ساذجا إلى حد ميؤوس منه اليوم، نظرا للموقف في أوكرانيا، والشرق الأوسط، والسودان، وميانمار، وأماكن أخرى من العالم. ويبدو أن الهيكل القانوني الذي بني بعد عام 1945 لمنع تكرار الماضي، أصبح في حالة خراب. إن حرب روسيا على أوكرانيا تنتهك ميثاق الأمم المتحدة نفسه... ويبدو أن القصف الإسرائيلي لغزة يبدو وحشيا وغير حكيم - حتى لو كان يتجنب الاتهامات بارتكاب جرائم حرب بموجب اتفاقيات جنيف.
ولكن إلقاء اللوم على الزعماء السابقين والحاليين في هذا الوضع قد يخفي حقيقة أكبر: وهي أن العالمية الأخلاقية لحقوق الإنسان تتطلب من أغلب البشر أكثر مما يستطيعون إدارته. ينبغي لأي شخص أن يجد في العالمية الأخلاقية نظاما سهلا نسبيا، ولكن لنتأمل هنا كيف انقسم العالم إلى معسكرات جامدة مع تكشف كارثة غزة.
بالنسبة لأولئك الذين يعيشون في الكابوس الحالي، فإن إظهار التعاطف العالمي يبدو كأنه أمر غير موفق... إن السعي إلى الانتقام -أو على الأقل إعادة ترسيخ الردع من خلال رد عسكري ساحق- ليس أمرا سهلا. على الجانب الآخر، فإن الشعب الذي ينحدر من نسل اللاجئين، الذين طردوا من فلسطين الانتدابية عام 1948، والذين ظلوا الآن تحت القصف المستمر لأسابيع، لا يمكن أن نتوقع منهم أن يشعروا بأي ألم أو غضب غير ألمهم أو غضبهم.
إذا كان هناك درس في كل هذا، فهو ألا نتخلى عن الحدس الأخلاقي الذي تقوم عليه حقوق الإنسان. انظر عن كثب وستجد أن الرحمة والتعاطف لا تقل مرونة عن القسوة والانتقام، حتى بين أولئك المحاصرين في مرجل الحرب. سترون أن الأخلاقيين الإسرائيليين والفلسطينيين ما زالوا ملتزمين بالسلام والعدالة. وهم الذين يدافعون عن المشاعر التي يقوم عليها الإعلان العالمي.
من السمات البارزة لهذا الصراع الكارثي، الذي يعود تاريخه إلى عام 1948، أنه لم يكن هناك قط نقص في النزعة العالمية الأخلاقية على أي من الجانبين. والمشكلة الحقيقية لا تكمن في غياب التعاطف والرحمة بين هؤلاء العالقين في الصراع (رغم أن الأحداث الأخيرة استنزفت هذه الموارد الأخلاقية بكل تأكيد).
وما لم نسلم بأن الرؤية المشتركة لرابين والسادات ماتت معهما، فإن النص الأخلاقي للإعلان العالمي يظل صالحا في إصراره على أن جميع البشر يعانون على حد سواء. لا يزال من الممكن تحقيق السلام من خلال الاعتراف المتبادل بالألم والخسارة، ولكن ليس قبل المفسدين على كلا الجانبين، المستوطنون الذين يعيثون فسادا في الضفة الغربية ويدفعون حكومة بنيامين نتنياهو نحو الضم والمصادرة، والمتشددون المسلحون الذين لا يريدون شيئا سوى التدمير.
إن العالمية الأخلاقية في حد ذاتها تلزمنا ببساطة بالاعتراف بإنسانية الآخرين وحقيقة معاناتهم، يخبرنا الإعلان العالمي أنه ينبغي لنا أن نحترم حقوق الآخرين ونضمن عدم انتهاكها. لكنه لا يخبرنا كيف. ولتحقيق ذلك، يتعين علينا أن ننخرط في السياسة، حيث تفرض الاختيارات الصعبة نفسها.
ويعيدنا هذا إلى نقد أرندت للعالمية الأخلاقية، أنه في غياب دولة تتمتع بسلطة الاعتراف بالحقوق ودعمها، فإن الشخص "ليس سوى" إنسان. وبهذا المنطق، فإن حل الدولتين في الشرق الأوسط يشكل السبيل الوحيد إلى السلام والعدالة، لأن إقامة الدولة هي الضامن الوحيد لحقوق الإنسان العالمية. ولن يتسنى هزيمة المفسدين إلا من خلال حل الدولتين، وستنتصر النزعة العالمية الأخلاقية التي تضمنها إعلان الأمم المتحدة في نهاية المطاف.

الأكثر قراءة