ما يجمع السويد والثقافة العربية وما يفرقهما

ونحن نتحدث في موضوع الثقافة دعنا في هذه الرسالة نجري مقاربة بسيطة بين الثقافة العربية الإسلامية والسويد كممثل للثقافة الغربية «المسيحية». وقبل الدخول في الموضوع علينا مراعاة نقطتين أساسيتين ذات علاقة مباشرة بالثقافة كمفهوم.
النقطة الأولى: تخص الطريق أو الأسلوب الذي من خلاله نتوصل إلى معرفة مكونات الثقافة. هنا يستند الباحثون عادة إلى الممارسات، ولا سيما الظاهرية منها عند إجراء تقييماتهم لثقافة الآخرين ومقارنتها بما لديهم. فالطالح والصالح والخبيث والحميد والسيئ والجيد والخطأ والصواب في الممارسة الثقافية غالبا ما يستند إلى نظرتنا إلى ثقافتنا التي قلما نرى فيها ما هو طالح وخبيث وسيئ وخاطئ.
النقطة الثانية: تتعلق بفكرة التعميم، هذه ميزة غير حميدة وغير علمية لا بل سيئة للغاية وذات أبعاد خطيرة على العلاقات الإنسانية بين المجموعات الثقافية المختلفة طفت على سطح كوكبنا بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 وأكثر ما عانى منها هم العرب المسلمون.
التعميم في الثقافة مفهوم أعمى، ومريدوه لا يبحثون عن الإيواء الإنساني، بل إلى رفض الآخر والانتقاص منه لغايات استراتيجية، سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية أو دينية أو عسكرية أو غيرها. وتستخدم اللغة كواسطة مؤثرة للغاية لتمرير التعميم وغرسه في أذهان الناس من خلال التكرار الممل في وسائل الإعلام.
وخير مثال للتعميم الثقافي هو ما يمكن أن نصطلح عليه بـ «التصنيم اللغوي» الذي يستخدم فقط لتوصيف الثقافة العربية الإسلامية ولا يستخدم على الإطلاق لتوصيف الثقافة الغربية «المسيحية» أو الإسرائيلية «اليهودية» حتى ولو اقترف أفراد أو مجموعات منها أعمالا أو ممارسات يندى لها الجبين وتفوق في خبثها وشرها وأذيتها أضعاف ما تقترفه كل المجموعات العربية الإسلامية قاطبة. انظر كيف أقنعوا أنفسهم وأقنعوا كثيرين من العرب المسلمين أن هناك على الأقل صنفان من الجهاد والمجاهد واخترعوا jihadism and jihadists وترجموها إلى «الجهادية والجهادي» ودخلت المنجد لا بل «تصنمت» وأخذ العرب المسلمون يستخدمونها في خطابهم عن وعي أو غيره رغم سلبيتها البالغة. غير أن الغرب «يصنم» ممارساته لغويا تحت مسميات إيجابية براقة. فحروبه وتجيشه للجيوش لاحتلال أرض العرب والمسلمين وفي القرن 21 هي من أجل «التحرير والحرية والديمقراطية». انظر مثلا «التصنيم اللغوي» لجيوش الاحتلال الغربية في أفغانستان في الإنجليزية (International Security and Assistance Force ISAF)
وكيف وقع العرب ضحية هذا التصنيم عند تعريبها حرفيا إلى «القوات الدولية للمساعدة على إرساء الأمن (ايساف)» والبعض يعربها إلى «قوات المجتمع الدولي العاملة في أفغانستان» وكأنها توزع الشكولاتة للأفغان المغلوبين على أمرهم. والأسوأ من ذلك هو تصنيمهم اللغوي لكلمة الإسلام والمسلمين الذين يقاومون احتلال وتدمير بلدانهم وشعوبهم فحوروهما إلى Islamism and Islamists وترجمت إلى «الإسلامية والإسلامي». وفتح الخطاب العربي لها ذراعيه ودخلته من أوسع الأبواب. وكي نعرف مقدار الإجحاف في هذا التصنيم، والذي مع الأسف الشديد صار مقبولا في الخطاب العربي، هو خلو الخطاب الإنجليزي والعربي من مسميات تصنيمية كهذه عند الحديث عن المسيحية والمسيحيين أو اليهودية واليهود. وهناك مرادفات وعبارات أخرى كثيرة تحاول فيها الثقافة الغربية التشويش واختراق الحضارة العربية الإسلامية من باب نظرتها هي لما يجب أن تكون عليه ثقافة الآخرين دون السماح للآخرين المس، ولو من بعيد لما يجب أن تكون عليه نظرتهم للعالم. وسنأتي إلى ذلك بالتفصيل في إحدى الرسائل بعون الله. الدراسات الأكاديمية تجمع على أنه ليس بالضرورة أن يفكر أو يتصرف الأفراد التابعون لثقافة معينة بصورة واحدة. الاختلافات ضمن ثقافة واحدة مقبولة وواردة ويجب أن تكون موجودة في مجتمع مثل المجتمع السويدي أو العربي. التعميم في كلتا الحالتين مضر لاستيعاب ثقافتنا وثقافة الآخرين.
لذا يجب الحذر عند المقاربة الثقافية وتجنب التعميم. واللغة، أية لغة، لها القابلية والمرونة كي تساعدنا على القيام بذلك إن لم تكن لنا غاية أو قصد لجرح وإيذاء الآخر عن عمد. ولننظر سوية إلى الممارسات أدناه والتي ينظر إليها غالبية السويديين من منظار صالح وحميد وإيجابي وحضاري، بينما ينظر إليها غالبية العرب من منظار طالح وغير حميد وسلبي:
1. لا يجوز في السويد ضرب الأولاد من قبل الوالدين أو في المدرسة ولكن يجوز للأولاد ترك الوالدين وحيدين عندما يبلغ بهما الكبر يلقيان مصيرهما في دهاليز بيوت المسنين تقضم الكآبة جسديهما وعقليهما. إنها دهاليز رغم كونها أفضل من أي فندق في الوطن العربي وذلك لعزلتها المريعة عن الدفء الإنساني.
2. يجوز للمرأة البالغة أن تمارس الجنس مع من تشأ دون محاسبة وأن تحبل ولا تعرف الأب الحقيقي وأن تلد في المستشفى. المجتمع السويدي يقبل الوليد الجديد كما يقبل الوليد الشرعي.
3. يجوز لمثليي الجنس الزواج الشرعي لا بل تسمح الكنيسة السويدية لكهنتها وكاهناتها بذلك.
وهاكم بعض الممارسات التي غالبا ما ينظر إليها على أنها ممارسات حميدة في المجتمع العربي وغير حميدة في السويد.
1. لا حقوق شرعية أو تشريعية لمثيلي الجنس.
2. بإمكان الرجل أن يضرب أولاده أو زوجته أو زوجاته.
3. تُنبذ المرأة التي تلد طفلا غير شرعي وغالبا ما يلقى الطفل هذا مصيرا غامضا أسود.
من هو على حق ومن هو على باطل؟ بالطبع من غير الممكن أن يفكر العربي أن ممارساته الثقافية باطلة. وهذا ينطبق على السويدي أيضا. فكيف لنا أن نحل هذه المعضلة الثقافية والبون الحضاري الشاسع بين الاثنين؟ هل في الإمكان مقاربته؟ هل يجب ترك هذا الإشكال للزمان والمكان؟ هل أن العولمة، التي تدعي أنها فوق الزمان والمكان، ستقارب بين الاثنين أم ستزيدهما بعدا؟ وأين نضع الإسلام وقرآنه في الخطاب الذي يحاول إجراء مقاربة كهذه؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي