اليوم العالمي للغة العربية .. 2023 عام الفنون والشعر

اليوم العالمي للغة العربية .. 2023 عام الفنون والشعر

تعد الفنون من أهم الجوانب التي تميز الإنسان وتعكس حضارته وتاريخه. قديما وحديثا، لعبت الفنون دورا حيويا في حياة البشر والمجتمعات في التعبير عن الثقافة والهوية، ويمكن للفن أن ينقلنا إلى عوالم جديدة ويوفر لنا فرصة للاستمتاع والترويح عن أنفسنا. وأهم أنواع الفنون عند الإنسان تعتمد بشكل أساس على اللغة التي يصنع منها محتوى تلك الفنون، كالسينما والشعر والرواية والقصة والمسرح، وفنون الخط العربي في القطع الفنية والهندسة المعمارية.
نحتفل اليوم باللغة العربية في يومها العالمي احتفاء للناطقين بها الذين يبلغ عددهم زهاء 450 مليون نسمة حول العالم. فاللغة العربية فضلا عن أنها وسيلة تواصل بين البشر، تستخدم للتعبير عن الثقافة والهوية وتبادل المعرفة، فهي واحدة من أكثر اللغات تأثيرا في الفنون والأدب، إنها لغة الشعر والعمارة والفنون التشكيلية والموسيقى.
الاحتفال السنوي باليوم العالمي للغة العربية لهذا العام جاء تحت عنوان "العربية لغة الفنون والشعر" لتسليط الضوء على جانب مهم وحيوي من اللغة العربية وهو الجانب الإبداعي من اللغة العربية بدءا بموسيقى أصواتها في كلمات الشعر والغناء، وانتهاء برسمها فنا تشكيليا في الهندسة المعمارية، حيث يتميز الحرف العربي بشكله الجمالي الذي يجعله مكونا فنيا بارزا في الفنون التشكيلية التي تشمل الرسم والنحت والهندسة المعمارية والفنون الزخرفية.

فنون الشعر

لقد عرف العرب الكتابة فنا شعريا قبل أن تكون تدوينا وتوثيقا، فالفنون في اللغة العربية أصالة تشكلت منها اللغة، إذ اشتهرت اللغة العربية بالشعر والأدب الغني والمتنوع تاريخيا قبل ظهور الدواوين، وازدهر الشعر العربي القديم من المعلقات والمذهبات إلى الموشحات والزجل، وفي الشعر العربي الحديث من الشعر العمودي إلى شعر التفعيلة. منذ "آذنتنا ببينها أسماء" في معلقة الحارث بن حلزة، حتى "وعلمني السقوط ببئر نفسي، بأن الماء في الأعماق أحلى" في قصيدة الشاعر السعودي جاسم الصحيح.
حظي الشعر العربي في الثقافة العربية على مدى عقود مضت بمكانة مرموقة في المحافل الأدبية والثقافية. ويعد أحد أهم المكونات الحضارية التي تشكل الثقافة العربية. وتسعى المملكة العربية السعودية إلى تعزيز وترسيخ هذا المكون الحضاري المهم في الحياة اليومية للثقافة السعودية والعربية، ومن أجل المكانة العالية التي يحتلها الشعر العربي في العصر الحديث قررت وزارة الثقافة تسمية عام 2023 بـ"عام الشعر العربي". هذا القرار يهدف إلى التركيز على الشعر العربي وتعزيز حضوره وتأكيد أهميته في الحياة الثقافية والأدبية.
تأتي هذه الخطوة استجابة للرغبة في تعزيز الثقافة العربية وتعزيز الوعي بقيمة الشعر العربي ودوره المهم في تشكيل الهوية الثقافية الوطنية. فقد أسهم الشعر العربي على مر العصور في تشكيل الهوية الحضارية للجزيرة العربية بوصفه عنصرا ثقافيا يحمل في طياته إرثا تاريخيا عريقا. وتعزيز حضور الشعر العربي المعاصر بمختلف أنواعه وشعرائه يبرز قوة اللغة العربية، وقيمتها الثقافية في الحضارة العربية.

فنون الخط العربي في الهندسة المعمارية

يتصل الخط العربي بالفنون التشكيلية الأخرى، حيث مرونة رسم الحرف العربي وطواعيته للتشكيل والتلوين واستخدامه لزخرفة العمارة في القصور والمساجد. فالخط العربي يعتمد على المفهوم الجمالي لرسم الحروف سواء كان ذلك للتواصل، أو للنقوش والزخرفة. ويعد استعمال الخط العربي أداة للنقوش الفنية والزخرفة أمرا مهما لإنجاز أي عمل فني في مجال صناعة الفنون العربية والإسلامية المميزة، وقد تطور الخط العربي ليبلغ درجة عالية من الإبداع الفني التي جعلت منه عنصرا أساسا يتمحور حوله الفن العربي والإسلامي، فقد ابتكرت فنون الخطوط العربية في عصر صدر الإسلام بدءا لمنح النص القرآني العظمة والجلال والجمال لهذا الكتاب المقدس، ثم أصبح فيما بعد فنا رئيسا من بين فنون الحضارة العربية الإسلامية. ويقال إن الفنانين المسلمين تفوقوا على غيرهم في النقش بالحروف والنبات بسبب النهي الإسلامي عن رسم البشر والحيوانات، خاصة في الأماكن المقدسة والمصاحف.
يتطلب تعلم فنون الخط العربي مهارات عالية الدقة وروحا متشبعة بحب الحرف العربي. يصف أبو حيان التوحيدي في رسالة علم الكتابة شروط إجادة فن الخط العربي بلغة فنية شعرية في سياق تنغيمي موسيقي نحو: التحويق، والتحديق، والتدقيق...، وهي مسالك خطية تمنح الخط وظيفة جمالية تحصل بهندسة روحانية ترسم الحرف العربي في لوحة فنية مستوحاة من الطبيعة الحية المزهرة. والخط العربي أنواع متعددة، ولكل نوع منه قواعده وأشكاله ورسومه وصوره التي يحتاج إتقانها إلى تدريب دقيق ومستمر، وتكمن موهبة الخطاط وتفننه وإبداعه في كتابة الخط العربي مواكبة فنون الخط العربي المعاصرة سواء بالرسم أو التشكيل.
وكان العرب يميلون إلى تسمية الخطوط بأسماء إقليمية مثلما تنسب السلع إلى أماكنها، لذلك عرف الخط العربي قبل عصر النبوة بالنبطي والأنباري لأنه جاء مع التجارة من هذه الأقاليم، وعندما استقر الخط العربي في مكة والمدينة وبدأ ينتشر منها إلى جهات أخرى عرف باسميهما المكي والمدني. وتسمى الخطوط العربية أيضا بمقادير الأقلام التي تكتب بها كالثلث والنصف والثلثين، كما كانت تنسب إلى الأغراض التي تؤديها كخط التوقيع.
يمثل الخط العربي ركيزة مهمة في العمارة الإسلامية، التي اتسمت بعلاقتها المميزة بين الخط والعمارة. وبينما يستخدم الخط في العمارة في الثقافات الأخرى عنصرا ثانويا، يتميز الخط العربي بأنه يشكل جزءا أساسا من الزخارف الإسلامية في فنون العمارة.
فضلا عن استخدام فن الخط العربي لتزيين المساجد والقصور، يمكن رؤية تأثيره في الفن الأوروبي خلال عصر النهضة، وقد وجد الفن الإسلامي طريقه إلى الفن الأوروبي عبر التجارة مع دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث استخدم الفنانون الأوروبيون الحرف العربي في لوحاتهم ومنحوتاتهم. وتسمى محاكاة اللغة العربية في الفن الأوروبي بالخط الكوفي المزيف، إشارة إلى نسخة مقلدة للخط العربي تنقل شكل الخطوط المستقيمة والزوايا من رسم الحرف العربي، وتستخدم على نطاق واسع في زخرفة العمارة والفنون. ومن الأمثلة على الخط الكوفي المزيف في الفن الديني الأوروبي من القرن العاشر إلى القرن الـ15، حيث كان يستخدم بوصفه عنصرا زخرفيا في الأقمشة والمنحوتات. ومن ذلك رائعة الفنان الفرنسي ماستر ألبيس/Master Alpais في متحف اللوفر.
ختاما، اللغة العربية كانت وما زالت في خدمة الناطقين بها، أداة للتواصل، وناقلة للمعرفة عبر الزمان والمكان على مر العصور، إضافة إلى وظيفة اللغة للتعبير عن الأفكار، فهي أداة ابتكار الأفكار الجديدة وإبداع الفنون الجميلة، يعبر فيها كل حرف عن تنوع اللغة العربية وقدرتها المدهشة في الإبداع والفنون. فالفنانون لا يستخدمون اللغة وإنما يقدمون لها خدمة جليلة لتزداد بهاء وجمالا وانتشارا في شكلها ومحتواها.

الأكثر قراءة