مهرجان «الوليمة» .. عندما يلتقي العالم لتذوق الثقافة

مهرجان «الوليمة» .. عندما يلتقي العالم لتذوق الثقافة
مهرجان «الوليمة» .. عندما يلتقي العالم لتذوق الثقافة
مهرجان «الوليمة» .. عندما يلتقي العالم لتذوق الثقافة
مهرجان «الوليمة» .. عندما يلتقي العالم لتذوق الثقافة
مهرجان «الوليمة» .. عندما يلتقي العالم لتذوق الثقافة
مهرجان «الوليمة» .. عندما يلتقي العالم لتذوق الثقافة

تذوق الثقافة ليس مجرد شعار رفعه مهرجان الوليمة للطعام السعودي، وإنما تجربة فريدة عاشها الزوار مع الأطباق التقليدية والمتوارثة جيلا بعد جيل، وحضرت في النسخة الثالثة من المهرجان الذي تنظمه هيئة فنون الطهي، إحدى الهيئات التابعة لوزارة الثقافة، وذلك في حرم جامعة الملك سعود.
المهرجان الذي يواصل استقبال زواره ومتذوقي الأطعمة حتى السبت المقبل، ويقدم الثقافة السعودية وتراث الأطعمة، مع تقديم المملكة وجهة عالمية لعشاق الطهي، بالاستفادة من إرث غني بالوصفات الشهية من شتى المناطق.

الأكلات التراثية

عروض الطهي المباشر سمة رئيسة لمهرجان الوليمة، تحفز على الحضور لمتابعة إعداد أشهر الأكلات التراثية التي يتميز بها المطبخ السعودي على مدى تاريخه العريق، ومنها المرقوق، والأرز المديني، والأرز الحساوي، والسليق، وكذلك الحنيذ، والخبز المقناة، والعريكة، وممروس التمر، إضافة إلى البكيلة والمليحية والمقطوطة والصيادية وغيرها من الوصفات الأصيلة التي تزخر بها مناطق المملكة.
ومن العروض الحية مرورا بالعزف الحي الموسيقي والمباشر، وصولا إلى منطقة اليونان التي تشارك لعرض ثقافتها في مجال الطهي، ومنتجاتها وأطباقها التقليدية، وذلك في إطار حرص وزارة الثقافة على تعزيز التبادل الثقافي الدولي، تماشيا مع مستهدفاتها الاستراتيجية ضمن رؤية السعودية 2030، حيث تقدم اليونان عروضا فلكلورية يونانية، وتجربة الأكل اليوناني، إضافة إلى حضور الشيف العالمي شيف ستام، في مطعم مصمم بهوية الدولة الصديقة لإبراز ثقافتها، وعرض منتجاتها وأطباقها التقليدية للتعريف في الدولة المشاركة وثقافة الطهي لديها.
ويزدان مهرجان الوليمة بمعرض الزيتون، ويعرض تاريخ هذه الشجرة، ويوثق علاقتها مع الثقافة السعودية، في تجربة غنية بالتذوق والأصالة، إلى جانب عرض منتجات مختارة ومبتكرة من مشتقات الزيتون، في تجربة لا تخلو من التذوق، ليكشف المعرض في ثناياه عن تنوع محصول الزيتون في المملكة.
ويلفت الزائر منحوتات يدوية على أخشاب من شجر الزيتون، مليئة بالزخارف، لتشكل قطعا فنية ملهمة، يتحدث عنها الفنان راشد الراشد، الذي أشار إلى أنه منذ عشرة أعوام وهو يعمل في مجال الحرف اليدوية باستخدام أخشاب الزيتون، لما لها من شكل جمالي باختلاف تعرقاته، وينتج أعمالا يدوية تتضمن السبح، والأقلام، والمباخر، والتحف.
ومن الزيتون ذاته، تستخرج أم سلطان الشمري منتجات للبشرة، مثل الصابون والمقشرات والزيوت العطرية وكريمات الجلد والأكزيما وغيرها ضمن 20 منتجا مستخلصا من زيت الزيتون، تعمل عليها منذ أعوام لتعكس النمط السائد عن الزيتون بأنه منتج خاص بالمائدة فقط.

وجهة عالمية للطهاة

يرسخ مهرجان الوليمة ذو الطابع الثقافي مكانة الرياض كوجهة عالمية لفعاليات الطهي، عبر ورش تخرج جيلا من الطهاة المحترفين، تصل إلى 30 ورشة، وذلك في ثلاث محطات مختلفة، تشمل المخبوزات، وتحضير المشروبات، والطهي العام، التي جهزت جميعها بجميع أدوات الطهي والمواد اللازمة.
تنوع كبير يشهده "الوليمة" في المطاعم وعربات الطعام المشاركة، ويلفت الزائر كذلك الأكشاك المختصة، مثل كشك "حليب النوق" بنكهاته المختلفة، إذ يوضح سيف العنزي أنهم يحيون التراث والهوية السعودية، ويقدمون حليب الإبل ومشتقات الحليب بثلاث نكهات مختلفة، هي: الهيل والبرتقال واللافندر، إلى جانب أجبان مشتقة من حليب الإبل، وعصائر باردة ممزوجة بحليب الإبل، وكذلك القهوة بحليب الإبل.
إلى جانب ذلك، تسجل منطقة الطفل حضورا واسعا، إذ تحتضن مزرعة تفاعلية وفعاليات تعليمية، بهدف تأصيل تراث الطهي لدى الأجيال الصاعدة، وتعزيز انتمائهم لهويتهم المحلية، وتسهم في تنمية قدراتهم الحسية، وتعزيز الوعي والمعرفة عن تحضير الأطباق السعودية.
ومما تشتمل عليه المنطقة دكان التاجر، الذي يقدم للأطفال تجربة حية لشراء البضائع الصحية، ومصنع الحلوى لتحضير أطباق وحلويات باستخدام منتجات محلية، والفنون والحرف التي تساعد الأطفال على تعلم الحرف اليدوية باستخدام الصلصال والشموع، إضافة إلى دكان الوليمة لتوضيح تراث المملكة من الأطباق، واللعب الحسي، ومتاهة المطبخ لتعليم الأطفال فنون المطبخ السعودي من خلال حل الألغاز.
فيما تتيح المزرعة التفاعلية للأطفال تجربة تعليمية، تحاكي ممارسة عدد من المهن الشعبية التراثية والحرف اليدوية التقليدية، كزراعة النباتات والزهور، وصناعة منتجات حليب الأبقار، وبيض الدجاج، وكذلك صناعة التمر والورد الطائفي.

أطباق تاريخية

من القرون الوسطى، قبل نحو 500 عام، استدعى البروفيسور البريطاني دانيال نيومان تاريخ المطبخ العربي بإعداد "كيكة القاضي" الشهيرة، ليؤكد على جذور إرث الطهي وامتداده، مبينا أن ثقافة الطهي العربي في العصور الوسطى لا تختلف كثيرا عن الفترة الحالية، مع استمرار عمل عديد من الوصفات، وإن كان فيها بعض التعديلات والإضافات.
أما منطقة تراث الطهي، فتحتفي بـ13 منطقة تمثل مناطق المملكة بأطباقها ومأكولاتها، وأشهى الوصفات التي تطبخها طاهيات سعوديات، ومنهن أم يوسف التي تعرف بأبرز الأكلات الجنوبية القادمة من منطقة عسير، حيث تطهو الأكلات التي تشتهر بها المنطقة، من بينها العريكة وخبز التنور، والمشغوثة، والتصابيع، وغيرها من الأكلات التي تطهوها منذ أكثر من 15 عاما.
وحول هذا الشغف لدى الطاهيات، تتحدث الطاهية فاطمة القاسم، التي تقول إنها وجدت مورد رزق في طهي المرقوق، وأكلات شعبية أخرى، واستمرت في مشوارها حتى بعد حصولها على الوظيفة، حيث تعمل معلمة وتحمل مؤهل الماجستير في إدارة الأعمال.
ومن منطقة جازان، تذكر الشيف ليلى مسرحي أن أبرز أكلة تقدمها هي المرسى الجيزانية، وهي عبارة عن دخن وموز وعسل وقشطة، وأيضا "المغش"، وهو لحم وخضار يطبخان في وعاء حجر، مع البهارات ويوضع في التنور.

شعب متذوق للأطعمة

جلسات مهرجان الوليمة حفلت بنقاشات ثرية، منها جلسة حملت عنوان (جولة المذاق السعودي)، وتحدث خلالها الدكتورة عواطف القنيبط رئيس مجلس إدارة الجمعية التعاونية للخزف عن المذاق كونه يختلف من شخص لآخر، ويعتمد على تنوع الثقافة والبيئة، فالمذاق السعودي قديما كان مرتبطا بكل منطقة، ويرتبط بالعادات والتقاليد المحلية، ولكن المذاق السعودي الآن اختلف وأصبح هناك تشابه بين عديد من المناطق، مع التطور التقني والحداثة، والاطلاع والانفتاح على العالم، وذكرت أن المذاق السعودي يرتكز على التراث المحلي المتنوع من البهارات الخاصة بكل منطقة، فيما أشار الشيف أحمد كياري إلى أن الشعب السعودي محب ومتذوق للأطعمة.
أما جلسة (مفهوم الطعام السعودي)، أشار فيها المختص إبراهيم هاشم إلى أن إنشاء وزارة الثقافة وهيئة فنون الطهي عزز من تصدير الأطباق السعودية عالميا، فضلا عن زيادة الوعي والثقافة بالمطبخ السعودي وما يتميز به من مأكولات، إلى جانب الابتكار والتجديد في الأطباق واستغلال منتجات الأرض وتوظيفها، مبينا أن تلاقي الأفكار والرؤى بين الطهاة والمستثمرين مع الهيئة أدى إلى نجاح توثيق ألفي طبق سعودي كأطباق رسمية عالمية.

طاهيات يتبعن شغفهن

تنسج الطاهيات في مهرجان الوليمة قصصا مميزة عن تفتق موهبتهن في عالم الطهي، منها قصة الهنوف العيسى، الطاهية التي تصف علاقتها بالطعام بـ"العشق"، فهي تحمل شهادة في اللغة الإنجليزية، لكنها اتبعت شغفها، ووجدت في أطباقها، ولا سيما الجريش -الطبق الوطني السعودي- ملاذا، إذ تتقنه بالوصفة الدقيقة لطريقة الأمهات قديما، بما تتضمنه من بهارات خاصة.
ومثلها حلا الخالدي، الطاهية السعودية التي تتفنن بالمأكولات البحرية بوصفات الجدات، رغم إدخال عنصر التطور والحداثة، وتقدم أطباقها بخلطة بهارات مصنوعة بناء على وصفات تراثية شعبية، كمزج الكمون والكركم بطريقة الزمن الماضي، ويضاف إلى هذا سر آخر يتجلى في تحضير الزبدة قبل استخدامها في عملية الطهي وتحضير الكشنة.
وفي الحدث الأكبر من نوعه على مستوى الشرق الأوسط، تبرز مسابقة "سفرة" التي تشهد عروضا حية يومية لمهارات إعداد أصناف متنوعة ولذيذة من الأكلات والحلويات والمشروبات السعودية، فيما يتوج الفائزين بجوائز قيمتها 40 ألف ريال.
وفي منطقة الأعمال، إحدى أهم مناطق المهرجان، جلسات التواصل واستقطاب للجامعات وتوقيع اتفاقيات وشراكات، دعما لقطاع الطهي على المستوى الوطني، واستكشاف للمشاريع وتعزيز للعلاقات بين الشركات المحلية والدولية في المملكة، حيث تقدم المنطقة استشارات في قطاع فنون الطهي بالشراكة مع الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة (منشآت)، وكذلك بعض الخدمات في المهرجان المقدمة من قبل المركز السعودي للأعمال، لتعزز هذه الخطوات مجتمعة من مكانة الطهي كإرث ثقافي للسعوديين.