لا معايير ثابتة للرقيب .. والمسرح مريض بداء «الجمهور اللاواعي»

لا معايير ثابتة للرقيب .. والمسرح مريض بداء «الجمهور اللاواعي»

استعار من (كونديرا) عبارته : ليس ثمة طهر كحبات المطر، ونسج من المطر الذي لم يتعر له حكاياته .. خرج عن الخريطة بحثا عن دهشته التي طالت أسفاره ليجدها وانتهت دون أن ينال منها. عاد من أسفاره مثقلا يردد (ليتني تعريت للمطر) وهكذا كانت حكايته ..إنه بالتأكيد مالك القلاف.

فتنة البوح , خط البداية , الإصدار الأول .. حدثنا قليلا عن المبتدأ .. أين كان مالك ولماذا اختار السرد ؟

كان ولعي الأول هو المسرح. ولكن مع تعثر المنظومة المسرحية محلياً, أصبح واضحاً للعيان استحالة إنشاء مسرح سعودي يؤدي رسالته الحقيقية في تربة غير خصبة, خصوصا إن كان مثقلاً بالإشكالات الأيديولوجية والإرهاصات العُرفية والاجتماعية, وحسبنا أن المسرح السعودي مازال مريضاً بداء (الجمهور اللاواعي).

لذلك كان اتجاهي للسرد كونه سجل طفرة سعودية غير مسبوقة في السنوات الأخيرة كما أن تنامي الاهتمام به من قبل الطبقة النخبوية سجل تصاعداً ملحوظاً في وعي الذات الفاعلة السعودية بشكلها العام, وهذا ما يثبت أن السرد كائن (إمبريالي). وجدت نفسي منساقاً معه كفن أولاً ثم كأدب, وحاولت التمرد قليلاً على السائد من حيث الخروج على بيروقراطية الأدوات التقليدية للسرد, ومزجت الفن القصصي بالسينوغرافيا المسرحية, ومن هنا خرج إصداري البكر (ليتني تعريت للمطر).

القومية والانتماء  بلون آخر وفي زمن آخر .. لماذا اختلف مالك في قوميته المطروحة البعيدة عن الحدود المتداولة؟!

لا أؤمن بوجود قومية محدودة اللون أو الزمن, فالقدرة على ولوج فضاءات مختلفة هي من أهم سمات السارد البارع, دون التقيد بالمعطيات المطروحة فكرياً, ولا أخفي أني اخترت هذا الجانب القومي بالذات لإيماني به كقضية, وإن كان بعيداً عن المتداول فلقلة الوعي به كونه يتعارض والأفكار المعدة والمفروضة سلفاً من قِبل صناع القرار. في نهاية المطاف أعتقد أنه إن لم يستطع المتلقي استنباط ثيمة فكرية مختلفة عن السائد والمتداول فيما أكتبه, فأنا مكرور ولا حاجة لقلمي.

بعد نفاد الطبعة الأولى ما مستقبل المجموعة في ظل عدم فسحها للطبعة الثانية ؟!
ولماذا فسحت في الطبعة الأولى ومنعت في الثانية ؟ هل يعامل الإعلام مجموعتك بازدواجية؟

فوجئتُ بقرار إيقاف إصدار الطبعة الثانية, ولا أعلم السبب الحقيقي بالضبط, إلا أن كل ما أعرفه هو رفض الجهة الرقابية لثلاث قصص من المجموعة, ويجب استبعادها حتى يتسنى لي إصدار طبعة ثانية, أما عن سبب فسحهم للطبعة الأولى دون الثانية فهذا السؤال أنا من أوجهه للقائمين على الدائرة الرقابية في وزارة الإعلام، لماذا تفسح الطبعة الأولى ولا تجاز نفسها بلا تغيير كطبعة ثانية؟ أعتقد أن ذلك يدل على عدم وجود معيارية ثابتة للمقص الرقابي السعودي. ولا أخفي قلقي إزاء مستقبل المجموعة .

ستة أسفار للدهشة في مجموعتك .. هل أردتها ظلا لصوت الحكمة أم مسكنا بعد نصوص مفعمة بالانكسار؟

أسفار الدهشة في مجموعتي هي مزيج من تأنيث صاخب وعروبة طالها الوأد, مُصاغة كترنيمة قصيرة, هي أشبه بالواحات يأتيها القارئ بعد نصوص ضارية التصحر, لا يلبث أن يتلبس الدهشة فيها ليمضي باتجاه نص متصحر آخر. اخترت خلقها هكذا لتشي بشيء من البياض, رغم موت الدهشات في آخر سِفْر.

شخوص مرهقة وأماكن مبهمة قليلا .. هل كانت تقنيتك السردية تتطلب تعميم الحالة الإنسانية بعيدا عن الارتباط المكاني؟

تحضرني مقولة للروائي عبد الرحمن منيف: ''الناس بالضرورة هي الأماكن''. ومن وجهة نظري فإن الحالة الإنسانية في النص إن لم تشِ بارتباط مكاني أو بقيمة زمنية, فلا خير فيها, ومن هنا فليس على السارد حصر رسالته ببيئة مكانية معينة إن كانت رسالته لا تعترف بالفوارق الديموغرافية ولا تقف عند حدٍ جغرافي, وإن فعل فقد حكم على عفوية نصه بالموت وانتحرت إنسانيته كنص هادف.

تتناول في مجموعتك قضايا بعيدة عن الاهتمامات المباشرة للمجتمع السعودي المحيط بك, هل تحاول فتح نافذة أخرى للقارئ المحلي ؟ ألم تخش أن هذا سيضر مستوى قبول المجموعة؟

 بالعكس .. كما أسلفت لك، فإن ازدياد كمية المنجز السردي السعودي أخيرا أوجد وعياً تجاه ثقافة الفن السردي, أصبح المتلقي السعودي يبحث عن الجيد ويفتش تلقائياً عن المختلف والذي يضيف إلى رصيده المعرفي, بالتالي فقد أصبح ينفر من المألوف ويعتبره استغفالا لعقليته, وكوني أبحرت في فضاءات بعيدة عن هموم المجتمع السعودي فلإيماني كعربي بوجود قضية أسمى من واجبنا ككتاب عرب, مهما اختلفت ألواننا أو عقائدنا, الالتفات إليها وتبنيها كقضية أساسية. وكما تصورت، فإن المجموعة لاقت رواجاً لافتا خصوصاً في معرض الكتاب في الرياض, وقد نفدت الطبعة الأولى في فترة قياسية.

حظيت المجموعة بشهادات من مجموعة من الكتاب العرب وقراءة مطولة من القاص سمير الفيل , ماذا تعني لك هذه الشهادات وهل تجدها مهمة في الإصدار الأول كدعم للكاتب أو تعريف له بين القراء؟

طالتني بعض الانتقادات التي استنكرت وجود شهادات في المجموعة رغم أنها الطبعة الأولى حتى على صعيد مقدمة الصديق سمير الفيل، فالبعض لم يستسغ وجود قراءة عن المجموعة في بدايتها، ما يولد انطباعاً مسبقاً لدى القارئ تجاه المجموعة ككل. ومن وجهة نظري، فإن الشهادات هي لكتاب تشرفني شهاداتهم ووثقتُ هذا الشرف كوسام على ظهر الغلاف. أما عن مقدمة الناقد والروائي المصري سمير الفيل فليست قراءة تحليلية للمجموعة بقدر ما هي وصف شخصي للأدوات السردية لدى مالك القلاف بشكل عام. ولا أعتقد أن مثل هذه الاشتغالات والتي عادة ما تكون أشبه بالمقالة من شأنها أن تولد انطباعات مسبقة لدى القارئ.

وماذا بعد (ليتني تعريت للمطر)؟

أحاول ألا أكون تقليدياً حتى في المدة التي تكفي لإصدار منجز آخر .. ولا أريد أن أستعجل في طرح إصدار آخر خصوصاً بعد نجاح «ليتني تعريت للمطر» كمنجز أدبي, انتهيت قبل فترة من مخطوطة نقدية بعنوان (تجذرات محض صفصافة), وهي مشروع كتاب يتناول الخطاب النسوي في الرواية السعودية بشكل عام, إلا أن ثمة عوامل تجعلني أؤجل هذه الخطوة قليلاً, أما حالياً فأنا أعكف على كتابة رواية, وإن أسعفني الحظ فسوف تكون متوافرة على رفوف المكتبات قبل انتهاء عام 2009, هذه الرواية ستكون نقلة نوعية على مستوى السرد السعودي وقد أجزم بذلك .

الأكثر قراءة