"أول بيت".. بينالي للفنون الإسلامية يمزج الحكمة بالفن

"أول بيت".. بينالي للفنون الإسلامية يمزج الحكمة بالفن
وزيرا الداخلية والثقافة في زيارة للبينالي قبل أيام.
"أول بيت".. بينالي للفنون الإسلامية يمزج الحكمة بالفن
"أول بيت".. بينالي للفنون الإسلامية يمزج الحكمة بالفن
محراب من منتصف القرن 14.
"أول بيت".. بينالي للفنون الإسلامية يمزج الحكمة بالفن
مفتاح مقام إبراهيم.
"أول بيت".. بينالي للفنون الإسلامية يمزج الحكمة بالفن
"أول بيت".. بينالي للفنون الإسلامية يمزج الحكمة بالفن

من الصعب أن تدخل بينالي الفنون الإسلامية المقام في جدة دون أن تلفتك المعاني الروحية الكامنة فيه، والنفائس الأثرية الإسلامية، منها قطع جلبت من جوف الكعبة المشرفة.
تحت عنوان "أول بيت"، أقيم البينالي الذي يتمحور حول موضوعي القبلة والهجرة، ويجمع إبداعات الفن المعاصر والآثار والمقتنيات القديمة في مكان واحد، لتعبر عن العبادة والتاريخ والفن من منظور حسي جديد، تتيح للزوار تأملها والتمعن في دلالاتها ورمزياتها، وذلك حتى 23 أيار (مايو)، ملبيا طلبات زواره بتمديد أوقاته، بعد أن كان الأحد 23 نيسان (أبريل) موعدا أخيرا لاستقبال الزوار.

متعة ودهشة
لا نبالغ حين نقول إن التجول في بينالي الفنون الإسلامية هو متعة ودهشة في آن واحد، حيث تقف قطع وتحف وفنون لتمس الوجدان، وتستحضر الذكريات والتاريخ، في تجربة تدعو إلى البحث والتأمل واستشعار عظمة الدين الإسلامي.
ماذا يقدم البينالي؟ لن نتوقف الآن عند ذلك السؤال الكلاسيكي، فبحسب القائمين على البينالي، فإنه يستكشف المعاني التعبدية التي شكلت الهوية الإسلامية وصقلتها منذ نشأتها حتى هذا اليوم، وتتلخص هذه المعاني في رمزيات الحركة والصوت والوجهات غير المرئية، حيث يشارك أكثر من 50 فنانا من شتى دول العالم بأثمن أعمالهم.
وتشير عبارة "أول بيت" - التي اتخذ منها البينالي شعارا - إلى الكعبة المشرفة "أول بيت وضع للناس"، ويقام في صالة الحجاج في مطار الملك عبدالعزيز الدولي في جدة، البوابة التي تقود ضيوف الرحمن إلى مكة المكرمة، وتعد تحفة معمارية حصدت جائزة آغا خان للعمارة في 1983، واختيرت موطنا للبينالي لتتوج التعاون بين وزارة الثقافة ووزارة النقل والخدمات اللوجستية والهيئة العامة للطيران المدني.
وعبر صالات متتالية، تتناول المقتنيات الأثرية والأعمال الفنية المعاصرة لحظات العبادة، والتأمل في معاني الحكمة، وتبحث في اللحظات الأخيرة من حياة الإنسان، كما تشير إلى هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، منها أعمال صنعت بتكليف خاص من مؤسسة بينالي الدرعية، كما تعرض قطعا أثرية نادرة من مكة المكرمة والمدينة المنورة.

280 قطعة
في أول بينالي للفنون الإسلامية في العالم توجد أكثر من 280 قطعة فنية وتاريخية مختارة من قبل مؤسسات وهيئات ثقافية، منها 239 قطعة أثرية سعودية، ونحو 40 قطعة عالمية، وأكثر من 50 عملا معاصرا، إلى جانب 60 أخرى صممت بتكليف خاص، و15 عملا لم تعرض من قبل، تضم الأعمال التركيبية، والتصوير الفوتوغرافي، والفيديو، والرسم، والنحت، وأعمال النسيج.
المعرض الذي دشنته مؤسسة بينالي الدرعية، وهي منظمة غير ربحية أسستها وزارة الثقافة، يعرض باب ومفتاح الكعبة المشرفة، ومقتنيات أثرية من المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، ومخطوطات قرآنية، كأحد أقدم المصاحف التي كان لها تاريخ قريب جدا من عصر النبوة، حيث يرجح أن النسخة التي يحتضنها البينالي هي النسخة الأصلية الكاملة من المصحف الشريف، التي ضمت نحو ألفي ورقة في 28 مجلدا.
ليس هذا فحسب، فالقطع التي يزدان بها البينالي نادرة، منها نموذج مخطوط للمصحف الشريف من الذهب الخالص، ونموذج آخر من أقدم القطع الموجودة في العالم من ناحية التاريخ الإسلامي، كالعمود الداخلي للكعبة المشرفة الذي يعود تاريخه إلى زمن الصحابي عبدالله بن الزبير رضي الله عنه والأعمال الخشبية والمعدنية، وقطع أثرية وتحف ومجسمات تاريخية جلبت من متاحف عالمية، كمتحف "بيناكي" في أثينا، ومتحف "تاريخ العلوم" في أكسفورد، ومتحف "اللوفر" في باريس، ومتحف " فيكتوريا وألبرت" في لندن.

شواهد تاريخية
يحمل البينالي هوية بصرية مميزة على مساحة 118 ألف متر مربع، ومبانيه مستوحاة من مظلات صالة الحجاج، تشمل منطقتين رئيستين لعرض الأعمال الفنية والتحف، تتشكل المساحة الأولى من معارض متواصلة على خط واحد، أما المساحة الثانية فتتكون من جناحين مخصصين لخير بقاع الأرض، مكة المكرمة والمدينة المنورة، ومنطقة خارجية تحت مظلات صالة الحجاج لعرض اللوحات والأعمال الفنية التركيبية.
في الصالات غرف تتناول نسك الوضوء والصلاة وتجهيز الكفن، وغرفة فيها باب الكعبة المشرفة الذي أمر الملك عبدالعزيز بصنعه في 1940، ليكون مكان باب آخر للكعبة يعود إلى 1630، وظل نحو 300 عام، وأيضا ميزاب الكعبة، وشواهد أثرية من مقبرة المعلاة في مكة المكرمة.
وفي المعرض أسطرلابات قديمة استخدمت لتحديد أوقات الصلاة في النهار وتحديد اتجاه الكعبة في الليل، وذلك بحسب ما تشير إليه حركة النجوم.
ومن بين أهم الأعمال، عمل صوتي حمل اسم "نسمة كونية"، يتضمن ما يعد أول تسجيل للأذان من المسجد الحرام في مكة المكرمة في أواخر القرن الـ19، من بين تسجيلات عدة لأصوات الأذان من دول متعددة في أوقات مختلفة، منها تسجيل للأذان في الفلبين، ونداءات من المغرب واليابان وألمانيا وأمريكا وسنغافورة، والمسجد الأقصى، تتسامى وتنسجم في مشهد صوتي واحد.
ويشارك بدوره مركز "إثراء" في عرض الفيلم الوثائقي العالمي "على خطى الرسول"، الذي يستند إلى بحث أكاديمي عميق، ودراسات ميدانية متواصلة في الهجرة النبوية الشريفة، تستحضر تأثير الهجرة الإنساني والحضاري في العالم.

مستودع لأفضل الممارسات الفنية
استقطب بينالي الفنون الإسلامية خلال شهوره الثلاثة الماضية نحو نصف مليون زائر، فضلا عن أمراء وسفراء ووزراء ومسؤولين، من أبرزهم الملكة الأردنية رانيا العبدالله، وسلطان بروناي دار السلام الحاج حسن البلقيه.
وضم البينالي في جنباته معرضا متنقلا حمل اسم "المدار"، يفتح الأبواب أمام الشراكات والمشاريع التعاونية في المستقبل، إذ يدعو الأفراد والمؤسسات من المملكة وجميع أنحاء العالم لعرض مجموعاتهم في مساحة عرض مخصصة، ويتطلع ليصبح مرجعا عالميا ومستودعا لأبرز الحوارات الفكرية، وهمزة وصل لمشاركة أفضل الممارسات الفنية والبحوث المبتكرة حول التقاليد الفنية والثقافية الملموسة وغير الملموسة في العالم الإسلامي.
وعلى هامش المعرض، هناك مساحة للجلسات الحوارية تتضمن 25 جلسة ونحو 117 ورشة تثقيفية، ومنطقة ترفيهية للأطفال، وعروض سينمائية، ومسرح ومكتبة، ومنافذ لبيع المأكولات والمشروبات، لتجعل من زيارة البينالي رحلة ثرية لكل العائلة.
البينالي الذي افتتح أبوابه في 23 كانون الثاني (يناير) الماضي، يقف وراءه مجموعة من القيمين الفنيين والإبداعيين، يجمعون بين علم الآثار وفنون العمارة والترميم، وهم المعمارية سمية فالي المديرة الفنية لهذه النسخة من بينالي الفنون الإسلامية، والمهندسة المعمارية والمؤرخة في مجال الفنون والعمارة الإسلامية الدكتور أمنية عبدالبر، وعالم الآثار السعودي الدكتور سعد الراشد الذي ألف مجلدا شاملا يؤرخ لدرب زبيدة أحد أهم طرق الحج في شبه جزيرة العرب منذ عصر صدر الإسلام، والدكتور جوليان رابي المدير الفخري للمتحف الوطني للفنون الآسيوية التابع لمؤسسة سميثسونيان في واشنطن.

سمات