رحلة البنوك الإسلامية في اليمن.. أسباب تميزها وإخفاقاتها

رحلة البنوك الإسلامية في اليمن.. أسباب تميزها وإخفاقاتها
رحلة البنوك الإسلامية في اليمن.. أسباب تميزها وإخفاقاتها

*بدأت فكرة إطلاق بنوك إسلامية يمنية تلوح في الأفق عام 1980م، وتحولت الفكرة إلى مشروع قانون في عام 1987م، لكن المشروع لم يترجم إلى أفعال، بل أجهض عند الولادة، ثم جمد تماما. وظل ميلاد بنوك إسلامية يمنية، حلما يراود عددا من رجال الأعمال، الذين ظلوا يتحدثون عنها في مقيلهم اليومي، وكانت هناك محاولات تلو المحاولات لإطلاق بنك إسلامي، لكنها فشلت. ويرجع محللون اقتصاديون فشلها إلى عجز المشرع اليمني إلى إصدار قانون واضح يجيز إنشاء بنوك إسلامية، ويحدد مهامها، والشروط والمعايير التي من المفترض أن تلتزم بها.
#2#
أظهرت دراسة أكاديمية في جامعة صنعاء عن المصارف الإسلامية أن مشروع القانون الذي أصدر عام1987 م، كان سببا في إعاقة ميلاد البنوك الإسلامية في اليمن.
الدراسة التي نفذها ياسر اليافعي في رسالته لنيل الماجستير بعنوان «مصارف إسلامية» في الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية بصنعاء» أرجعت الفشل إلى أن القانون اشترط إنشاء بنك إسلامي واحد، وليس عددا من البنوك الإسلامية، بل إنه ـ أي القانون ـ كان يشترط عدم وصف البنك المنشأ بالإسلامي، وهذا ساعد على تعثر إنشاء أي بنك إسلامي حينها.
استمر الوضع كما هو منذ مطلع الثمانينيات إلى منتصف التسعينيات، حتى تم إٌصدار أول قانون لإنشاء المصارف الإسلامية في عام 1996م، بعد الاطلاع على التجارب الخليجية.
يقول الدكتور سيف العسلي أستاذ الاقتصاد ووزير المالية الأسبق لـمجلة «المصرفية الإسلامية» إن خروج قانون إصدار المصارف الإسلامية، إلى النور في عام 1996م، يعود إلى أسباب سياسية، منها تغير النظام السياسي، بفضل وحدة اليمن، حيث كان جنوب البلاد يحكمها، حكما ماركسيا، بينما كان الجزء الشمالي من البلاد غارقا في البنوك التجارية التي كانت حديثة التأسيس.
وبدأت البنوك الإسلامية اليمنية، عملها في الساحة اليمنية بصعوبة بالغة، حيث لم يكن هناك إعلام يوضح دورها ومميزاتها، وكانت البنوك التجارية وخاصة الحكومية هي المسيطر على سوق الصيرفة الإسلامية والتجارية اليمنية، حيث كان الموطن اليمني يؤمن بوضع أمواله في حماية الحكومة أفضل من القطاع الخاص، عملا بالمثل اليمني العامي: (شبر مع الدولة ولا ذراع مع القبيلي).
ومنذ مطلع العام 2000م استغلت البنوك الإسلامية إصدار العدد الهائل من الصحف الخاصة، والحزبية والأهلية، لنقل فكرتها، للمواطن اليمني، والتسابق في نشر أرباحها للمودعين.

مصائب قوم عند قوم فوائد
انطبق المثل القائل «مصائب قوم عند قوم فوائد» على البنوك الإسلامية اليمنية، حينما تم إعلان إفلاس أول بنك تجاري يمني هو «البنك الوطني، في عام 2005م، وما ترتب بعده من إشاعات حول أسباب الإفلاس، منها أسباب تناقض عادات وتقاليد المجتمع اليمني المحافظ، وعلاقة الإفلاس بالربا.. إلخ.
وفتح إفلاس البنك الوطني المجال للبنوك الإسلامية للعب دور مهم في السوق المصرفية اليمنية بين 17 بنكا يمنيا وعربيا عاملا في اليمن.
يقول الدكتور طه الفسيل أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء لـ»المصرفية الإسلامية» إن حداثة إفلاس البنك الوطني أظهرت أصواتا عديدة تدعو إلى «أسلمة النظام المصرفي» وليس السماح بإنشاء بنوك إسلامية فقط،، بل تحويل كل البنوك العاملة في اليمن، وعلى رأسها البنك المركزي اليمني إلى نظام الصيرفة الإسلامية التي أثبتت بحق أنها أنفع وأجدى للفرد والمجتمع.
وأكد أن البنوك الإسلامية في اليمن صارت تقدم تجربة فريدة وثرية ونماذج متميزة في التعامل المالي والمصرفي, وحققت نجاحات على كل المستويات لتعكس أصالة التجربة.
وأضاف أنه رغم قصر عمر البنوك الإسلامية في اليمن منذ عام 1996م، فقد شهدت تطورات كبيرة سواء من حيث حجمها أو أنشطتها أو التوسع في عدد فروعها.
وأوضح أن حادث إفلاس البنك الوطني أكسب البنوك الإسلامية اليمنية ثقة بين أفراد شريحة واسعة من الناس؛ ما أدى إلى اتساع دورها التنموي, واستطاعت أن تواكب مختلف التطورات خصوصاً المرتبطة بتقديم وتسهيل العمل المصرفي، وصارت معظم البنوك الإسلامية مرتبطة بالعشرات من الشبكات الدولية.
دور الشركات العائلية والأحزاب
وتتفوق بعض البنوك الإسلامية اليمنية عن بعضها من حيث نسبة الإيداع والمستثمرين، والأرباح والأصول.
ويشار إلى أن أغلب تلك البنوك استفادت بعضها من محورين مهمين في اليمن، الأول ارتباط بعضها بشركات عائلية ذات سمعة طيبة في اليمن، والثاني ارتباط أصحاب بعضها بأحزاب إسلامية، ذات ثقل في الساحة اليمنية، وهذه البنوك تتصدر أفضل البنوك اليمنية عامة، من حيث الأصول والأرباح حتى خلال العام الماضي رغم الأزمة المالية العالمية.
الأزمة المالية والبنوك الإسلامية
رغم تراجع استثمارات البنوك الإسلامية اليمنية في مجال العقارات خلال العام الماضي إلى .14.295مليارريال يمني نحو(71,475 مليون دولار) بينما بلغت في عام 2007م 14,522 مليار ريا ل (نحو72.610 مليون دولار)، وبتراجع قدره 227 مليون ريال نحو (1.135مليون دولار)، إلا أن خبراء الاقتصاد يؤكدون أن آثار الأزمة المالية العالمية لم تتضح على كافة البنوك الإسلامية والتجارية عامة حاليا.
ويتوقع خبراء المال أن تظهر تداعيات الأزمة المالية على البنوك اليمنية كافة خلال العام الحالي، ومطلع العام 2010م.
وقال أحمد محمد علي الخاوي رئيس مجلس إدارة جمعية البنوك اليمنية لمجلة (المصرفية الإسلامية)، إن الأزمة المالية ما زالت تتضح يوما بعد يوم، وسيكون العام الحالي 2009، عاما قاسيا على كل المؤسسات المصرفية والمالية.
لكن محللين ماليين أكدوا أن البنوك الإسلامية اليمنية لم تتأثر بالأزمة المالية العالمية كما تأثرت البنوك التجارية، حيث استفادت البنوك الإسلامية من عدم وجود استثمارات لها خارج اليمن، كونها كانت تحاط من قانون مكافحة الإرهاب، عقب أحداث 11 (أيلول) سبتمبر.
وأكدت الحكومة اليمنية في تقريرها المالية أن الرساميل الإسلامية كانت تواجه ضغوطاً من قبل مراكز صناعة القرار في الغرب، بعد أحداث 11 سبتمبر، وأن هناك محاولات تربط الكثير من المؤسسات الإسلامية والمالية، بما يسمى شبكات الإرهاب، واستفادت من تلك الضغوط، حيث أحجمت عن الاستثمار خارج اليمن، وساعده ذلك في تحقيق أرباح كبيرة، وخاصة ثلاثة منها من إجمالي أربعة بنوك إسلامية.
وقال أحمد السماوي محافظ البنك المركزي اليمني لـ»المصرفية الإسلامية» إن الأزمة المالية العالمية أثبتت أن المصرفية الإسلامية اليمنية خاصة والعربية عامة، أكثر مقاومة وصلابة في تعاملها، وتكاد خسائرها معدومة وخاصة تلك المصارف التي لم تستثمر في الأنشطة العقارية.
وأضاف أن نشاط البنوك الإسلامية في اليمن ينمو بمعدل يزيد على معدل النمو العالمي المقدر بنحو 10-15 في المئة على مستوى حجم الأصول والودائع. وأوضح أن البنوك الإسلامية في اليمن رغم حداثة نشأتها إلا أنها تمتلك 44 فرعا في المحافظات اليمنية، كما تستأثر بأكثر من 30 في المئة من إجمالي أصول القطاع المصرفي، و27 في المئة من إجمالي الودائع.
وبلغت التسهيلات والتمويلات التي قدمتها البنوك الإسلامية نحو 40 في المئة من إجمالي التسهيلات والتمويلات للقطاع المصرفي ككل، وهي رائدة في تخصيص مبالغ لأغراض القروض الصغيرة والأصغر، ووصلت حقوق الملكية في المصارف الإسلامية إلى 35 في المئة من إجمالي حقوق الملكية للقطاع المصرفي حتى نهاية عام 2008م». وكشف عن وجود خطوات حثيثة في البنك المركزي اليمني لإدخال نظام الصكوك الإسلامية، بما يفتح نافذة للبنوك الإسلامية لاستخدام فوائض سيولتها وفي نفس الوقت توفير أموال لتمويل مشاريع الخطة الاقتصادية والاجتماعية في اليمن، موضحا أن البنوك اليمنية التي تعمل وفقا للشريعة الإسلامية بدأت تمد أنشطتها إلى الدول العربية الشقيقة.

زيادة رأس المال
جدد البنك المركزي اليمني مؤخرا تحذيره لكافة البنوك اليمنية من عدم تنفيذ قرار رفع رأسمالها إلى 30 مليون دولار، خلال العام الحالي، حسب قرار البنك عام 2005م، القاضي برفع رأسمال البنوك اليمنية حتى أواخر العام 2009م.
ووصف محافظ البنك اليمني المركزي البنوك التي «تحتج» بتأثرها بالأزمة المالية، بأنها تعاني من سوء الإدارة، على اعتبار أن استثمارات تلك البنوك في حدود آمنة، وبعيدة عن الاستثمارات الضخمة العقارية، أو في البورصات المالية.
وتشير مصادر خاصة لـ «المصرفية الإسلامية» إلى أن البنوك الإسلامية اليمنية لم تتقدم بأي حجج لأجل تأجيل رفع رأسمالها، ولم تنتظر انتهاء موعد قرار البنك المركزي اليمني في أواخر العام الحالي، بل إنها سارعت إلى رفع رأسمالها، منها بنك التضامن الإسلامي التابع لمجموعة هائل سعيد أنعم «كبرى المجموعات اليمنية، وكذلك بنك سبأ الإسلامي التابع لمجموعة الأحمر، حيث أعلن البنكان رفع رأس مال كل واحد منهما إلى مبالغ تزيد على ما قرره المركزي اليمني، حيث رفعتها إلى 50 مليون دولار، وبنك اليمن و البحرين الشامل، لمجموعة بازرعه ومستثمرين سعوديين، .يليهم البنك الإسلامي اليمني للاستثمار وهذا الأخير رفع رأسماله من خلال رفع حصة بنك البحرين الإسلامي.

استغلالها لجذب الاستثمارات
تسعى الحكومة اليمنية حالياً لجذب الاستثمارات والرساميل الإسلامية، من خلال تشجيع البنوك والمؤسسات الاستثمارية الإسلامية، للاستثمار في مختلف المجالات، خاصة مشروعات البنية الأساسية، والمؤسسات المزمع تخصيصها في إطار برنامج الإصلاحات الاقتصادية، إلى جانب القطاعات الاقتصادية الواعدة كالزراعة والسياحة والأسماك، وذلك عبر تقديم حوافز وتسهيلات استثنائية لاجتذاب هذه الرساميل.
وأرجعت الحكومة اليمنية اهتمامها بالبنوك الإسلامية، نتيجة الاختلالات التي رافقت تجربة البنوك التقليدية، خاصة قضية الديون المتعثرة التي تعادل ضعف رأس مال هذه البنوك مجتمعة، وإن البنوك الإسلامية اليمنية تتطلع بدورها للقيام بدور أكثر فعالية في الاقتصاد اليمني. كما بينت تجربة البنوك الإسلامية، على رغم حداثتها، قدرتها أيضا على التوزيع الكفوء للموارد والاستخدام الأمثل لها، وعلى الحد من ارتفاع معدلات التضخم عبر استيعاب السيولة المتداولة خارج الجهاز المصرفي وتشغيلها في قطاعات إنتاجية.
كما تعول الحكومة على البنوك الإسلامية الأربعة العاملة في البلاد حالياً، لتلعب دور الوسيط في جذب الاستثمارات الإسلامية العالمية، من خلال خطط فاعلة للترويج للفرص الاستثمارية المتاحة في مختلف القطاعات الاقتصادية، وإعداد دراسات الجدوى للمشروعات الاستثمارية، وإبراز الحوافز والتسهيلات التي يمنحها قانون الاستثمار اليمني.
وتسعى الحكومة بالتعاون مع البنوك الإسلامية حاليا لتشكيل لجنة مشتركة تتولى الإعداد لعقد مؤتمر عالمي للبنوك والصناديق الإسلامية في صنعاء، يتيح فرصة الوقوف على الفرص الاستثمارية والمجالات المتاحة، خاصة أن البنوك الإسلامية اليمنية نجحت عام 1997 في عقد مؤتمر عالمي للبنوك الإسلامية في صنعاء.
ونظرا لاستمرار تميز البنوك الإسلامية اليمنية جعل البنوك التجارية اليمنية تطالب المركزي اليمني بفتح نوافذ إسلامية لها، بينما هناك أكثر من عشرة مطالب لفتح بنوك إسلامية منها سعودية يمنية مشتركة. وتوجد في اليمن أربعة بنوك إسلامية هي بنك التضامن الإسلامي الدولي، بنك سبأ الإسلامي، بنك اليمن والبحرين الشامل، البنك اليمني الإسلامي للاستثمار.

الأكثر قراءة