FINANCIAL TIMES

المنافسة هي التي تحقق التفوق والنتائج

المنافسة هي التي تحقق التفوق والنتائج

في عام 2002 كان بعض الناس على استعداد لاعتبار التسوق على الإنترنت موضوعاً مصيره الزوال. وصف أحد المعلقين في الصحافة الأمريكية هذا التسوق بأنه "هوس رقمي". ووصف آخر المتاجر الكبيرة "سوبر ماركت" على الإنترنت بأنها "مقضي عليها بأن تكون من الأمور المخيبة للآمال في التجارة الإلكترونية". ويبدو أن القائمة الطويلة من محلات البقالة الأمريكية الفاشلة على الإنترنت، وهي "ويب فان" و"ستريم لاين" و"هوم رانز" و"كوزمو"، تدعم هذا الرأي. لم أشعر أبداً بأن التسوق عبر الإنترنت مصدر خيبة أمل بالنسبة لي. قبل أكثر من عشر سنوات اشتركت في برنامج حين أخذت متاجر "تيسكو" في لندن بتوزيع كتيبات صغيرة تشرح كيف تستطيع طلب المواد الغذائية ومعجون الأسنان ومسحوق غسالات الصحون عن طريق جهاز الحاسوب الموجود لديك. كان هذا ما كنت أحتاج إليه بالضبط. أنا لا أتفق مع نظرة جان بول سارتر التي تقول إن "الجحيم هو الناس الآخرون". ولكنني أعتقد فعلاً أن الجحيم هو المتسوقون الآخرون في المتاجر الكبيرة. بعد أن بدأت بالتعامل عن طريق الإنترنت، كنت أتعرض لخيبة الأمل من حين لآخر مع "تيسكو". كانت هناك فترة في عام 1999 حين انهار نظام الحاسوب فيها وبقي لا يعمل لفترة من الوقت. ولكن يجب أن تقر بالحجة للمتاجر الكبيرة البريطانية، فقد أثبتت للمتشككين أن التسوق من محلات البقالة عبر الإنترنت يمكن أن يكون ناجحاً. جهود "تيسكو" الرائدة هي السبب الرئيس الذي يجعل بريطانيا الآن أكثر سوق متطورة في العالم للتسوق من المتاجر الكبيرة عبر الإنترنت. من حيث نسبة عدد المتسوقين إلى عدد السكان، ينفق البريطانيون تقريباً ضعف ما ينفقه الهولنديون على طلبات المتاجر الكبيرة، حيث تعد هولندا ثاني بلد في العالم من البلدان المتحمسة للتسوق عبر الإنترنت، وينفقون تقريباً أربعة أضعاف ما ينفقه الأمريكيون، وفقاً لبيانات شركة داتامونيتور، المتخصصة في تحليل الأعمال. على خلاف شركات الإنترنت الناشئة في الولايات المتحدة، لم تقم "تيسكو" بإنشاء مستودعات ضخمة مخصصة لزبائن الإنترنت. لكن ما قامت به "تيسكو" هو أنها كانت تتلقى الطلبات عن طريق الإنترنت وترسل موظفين لتجميع الطلبات من متاجرها المتفرقة لتلبية طلبات الزبائن. وبذلك لم تتكلف "تيسكو" مبالغ ضخمة لإنشاء فرع لها على الإنترنت كما فعلت الشركات الأمريكية الناشئة. ليس هذا فحسب، ولكن حيث إن اسمها معروف تماماً ولها قاعدة زبائن ضخمة، فإن معنى ذلك أيضاً أنها لم تكن بحاجة إلى تسويق نفسها من الصفر. بعض الشركات الموجودة فقط على الإنترنت سخِرت من "تيسكو" في الأيام الأولى بسبب منهجها الذي لا يستخدم التقنية بصورة مكثفة، ولكن خدمة "تيسكو" على الإنترنت بقيت حية بعد أن قضوا جميعاً. في الولايات المتحدة نلاحظ الآن أن شركات المتاجر الكبيرة، التي من قبيل "سيفوي" و"أهولد"، تتبع نموذج "تيسكو" في مبيعاتها على الإنترنت بصورة وثيقة. لذلك لا بد أن تشعر "تيسكو" بالامتعاض الشديد من كونها جاءت في المرتبة الأخيرة من بين خمس شركات بريطانية للمتاجر الكبيرة على الإنترنت، في استبيان للزبائن أجري في الفترة الأخيرة. في الاستبيان الذي أجرته إحدى منظمات رعاية حقوق المستهلكين في بريطانيا حصلت "تيسكو" على رضا الزبائن بمقدار 58 في المائة فقط، وهو رقم يبعد كثيراً عن الرقم الذي حصلت عليه الشركة بنسبة 82 في المائة وهي شركة أوكادو، وهي خدمة على الإنترنت متخصصة في بيع المنتجات من شركة المتاجر الكبيرة "ويتروز"، المنافسة لشركة تيسكو. ردت "تيسكو" قائلة إن الاستبيان لم يعكس "الحقيقة التي نعرفها ونعايشها من آراء الزبائن من عدد من زبائنها المنتظمين على الإنترنت البالغ عددهم مليون زبون". وقالت الشركة إن الزبائن "يحبون منطقة التسليم التي لا مثيل لها، واقتراحاتنا حول المواد البديلة الأرخص، وتسليم البضاعة دون أكياس، ومواعيد التسليم المناسبة، والخدمة ذات الكفاءة العالية". لكن يبدو أن المستهلكين في الاستبيان قالوا: نحن الذين سنكون الحَكَم بهذا الخصوص، فشكراً لكم. خضع تسوق المتاجر الكبيرة عبر الإنترنت لعدة تغيرات على مدى السنين. أكبر تغير كان في التقنية: فقد جعل الإنترنت السريع عملية التسوق أيسر من ذي قبل، وأسرع وأكثر موثوقية. كذلك فإن المتاجر الكبيرة على الإنترنت حسنت من تصميم مواقعها الإلكترونية. المنافسة ساعدت كذلك في الموضوع. حين لم أستطع العثور على فترة تسليم مناسبة من "تيسكو"، ذهبت بدلاً من ذلك إلى موقع "أوكادو"، وتبين لي هناك، شأني في ذلك شأن الذين شاركوا في الاستبيان المذكور، أن موادهم الغذائية أفضل ومواعيد تسليمهم أكثر راحة بالنسبة لي. يعد متجر "ويتروز" بصورة عامة أغلى من "تيسكو"، ولكن "أوكادو" قامت بجهود ضخمة في الفترة الأخيرة لتكون أسعارها في مستوى أسعار "تيسكو". وفي الوقت الذي تتطور فيه التجارة الإلكترونية من كل حدب وصوب، يصبح من الممكن تقسيمها إلى فئات. هناك قطاعات تتميز بالكفاءة وليس فيها جانب شخصي، مثل موقع "أمازون" للكتب، الذي يسلم الكتب أو المواد الأخرى دون أية ضجة ودون أي اتصال إنساني كذلك. وهناك قطاعات تتسم بانعدام الكفاءة والمرارة والحدة، وهي تشتمل على كثير من المواقع التي لا بد فيها من التعامل مع أحد مراكز الاتصال. المتاجر الكبيرة على الإنترنت هي فئة نسيج وحدها، لأنها تشتمل على أن يطرق شخص باب بيتك كل أسبوع. بعد فترة تتعرف أكثر على سائقي التسليم أكثر مما تفعل الشركات التي يعملون لديها. وهذا كان اختلافاً آخر لاحظته بين "تيسكو" و"أوكادو"، لأن السائقين من الشركتين كانوا ودودين ولكن سائقي "أوكادو" كانوا أكثر سعادة وبهجة. كان سائقو "تيسكو" يسلمون البضاعة ولكنهم كانوا يأخذون بضع دقائق في الشكوى حول ساعات العمل الطويلة وعن الضغط الكبير الذي يتعرضون له أثناء العمل. هذا الفرق ليس بالفرق الحاسم. ولكن حين يكون كل ما يكلفك لتغيير الموردين هو كبسة زر على جهاز الحاسوب، فإن كل الأمور تصبح لها أهميتها (حتى الأمور الصغيرة). لا تزال أمام التسوق على الإنترنت مسافات طويلة. شركة أوكادو، التي تعمل من خلال مستودعات مخصصة لزبائن الإنترنت، تعمل وفق نموذج يختلف عن نموذج "تيسكو"، وهي لم تحقق حتى الآن ربحاً سنوياً قبل الضرائب. ولكن كما تُظهِر تجربة "تيسكو"، فإن كونك الشركة الأولى في هذه السوق لا يضمن لك محبة الزبائن.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES