اليابان تفقد صبرها مع سياسة "كالمعتاد"

اليابان تفقد صبرها مع سياسة "كالمعتاد"

لم يكن هناك حرس ثوري في شوارع شيبا إلى الشرق من طوكيو هذا الأسبوع. وخلافاً لمحمود أحمدي نجاد، لم يسع رئيس وزراء اليابان، ذا الصوت الأجش، تارو آسو، إلى حشو صناديق الاقتراع بأوراق التصويت، ولا إلى ترهيب المعارضة. لكن الناخبين في اليابان، شأنهم في ذلك شأن الناخبين في إيران، أشاروا هذا الأسبوع إلى عدم محبتهم لحزب رجعي قديم، وأعربوا عن رغبتهم في المقامرة بشيء جديد.
الأحداث في شيبا، وهي جزء غريب من حزام الكمبيوتر على طريق مطار ناريتا في منطقة طوكيو، افتقرت إلى الدراما وإراقة الدماء، تلك الأمور التي هزت طهران. غير أن فوز توشيهيتو كوماجي (31 عاماً) مرشح الحزب الديمقراطي المعارض في اليابان في الانتخابات البلدية لهذه المدينة، يشير إلى نهاية استمرار الحزب الليبرالي الديمقراطي في الحكم لـ 50 عاماً دون انقطاع.
طبيعي أن على المرء ألا يبالغ كثيراً في دلالات نتائج انتخابات محلية، لا سيما مثل تلك التي حصل فيها المرشح الفائز على 170 ألف صوت فحسب. 170,000 وحتى أحمدي نجاد، سمح لمتحديه على منصب الرئاسة، مير حسين موسوي، بالحصول على أصوات أكثر من ذلك. غير أن فوز المرشح الياباني الذي دخل الانتخابات في صورة خرقاء "لشاب دون خبرة سياسية، ودون أموال"، تشير إلى عمق عملية التحرر من السحر الانتخابي في سياسة "كالمعتاد".
كان النقاد يتوقعون وفاة الحزب الليبرالي الديمقراطي منذ انفجار الفقاعة الاقتصادية عام 1990. وقد تُركوا مراراً وتكراراً بصورة الفشل على وجهوهم. والحقيقة أن الحزب الليبرالي الديمقراطي تخلى عن السلطة لفترة قصيرة عام 1993. غير أن التحالف الذي حل محله كان أقرب إلى مسعف خفيف منه إلى مغتصب جاد. وعادت الأمور بطريقة أو بأخرى إلى مسارها المعتاد. ومنذ ذلك الحين تشبث الحزب بالسلطة كمطلب حياة عزيز، فلجأ أولاً إلى اختيار أجزاء من الحركة الاشتراكية، وبذلك غذى قوة ذات بديل أيديولوجي ذي صدقية لأجندته المحافظة الخاصة به. ولجأ كذلك إلى استخدام شركائه في الائتلاف لتعزيز مقاعده البرلمانية، لاسيما من خلال حزب كوميتو الذي يدعمه البوذيون، والذي يتمتع بتبعية متجذرة. والأمر الثالث، أنه حين بدت الأمور كئيبة عام 2001، لجأ إلى خفة اليد. وانتخب، كرئيس له، جوينشيروكويزومي الذي أقنع الناخبين، على نحو غير محتمل، بأن مهمته كانت تحطيم حزبه. وثبت أن تلك كانت ومضة من العبقرية عملت على مد فترة حكم الحزب لست سنوات أخرى.
منذ أن ترك كويزومي السلطة عام 2006 خبا ذلك السحر. ولقي الحزب الليبرالي الديمقراطي هزيمة ساحقة في انتخابات مجلس الشيوخ بزعامة خلفه، شينزو آبي، الذي حاول دفع حزبه باتجاه اليمين. وعلى الرغم من أن الحزب مازال يسيطر على مجلس النواب، إلا أن قدرته على تمرير التشريعات المهمة انتهت.
تبعت سنة آبي التي اتصفت بالانفجار الداخلي سنة باهتة تحت حكم ياسو فوكودا الذي كان رئيس وزراء يتصف بالنزاهة، لكنه عديم الإيحاء. وسلم الأمور بغباء إلى آسو ذي القدرات المحدودة، وهو رئيس الوزراء الحالي الضاغط الذي ظلت نسب تأييده تراوح بين 12 و19 في المائة.
إن التراجع العلماني للحزب الليبرالي الديمقراطي يعكس نهاية نظام تقوده الدولة، عمل على خدمة اليابان بصورة مثيرة للإعجاب لمدة 40 عاماً، لكنه خرج عن الطريق. وحافظ الحزب منذ عام 1990 على علامته التجارية المشحوذة جيداً، الخاصة بالسياسة القائمة على المال، دون مكون رئيسي واحد هو المال. ونظراً لافتقاره إلى النمو الاقتصادي اضطر إلى التخلي عن تركيبته الانتخابية الناحجة، المتمثلة في إعادة توزيع الثروة التي يتم جمعها في المدن على الناخبين في مواقعهم الريفية. وعمل كويزومي على تعجيل ذلك التحول من خلال مهاجمته بعض مؤيدي حزبه، بما في ذلك شركات الإنشاءات وعمال البريد. وعمل من خلال القطيعة مع مؤيديه التقليديين على جعل الحزب معتمداً على ناخبي المدن المتقلبين.
كان ذلك الأمر ناجحاً حين تم مزج طاقة التسبب باندهاش الآخرين لدى كويزومي، مع سنوات من النمو الذي قادته الصادرات، الأمر الذي اجتذب الناخبين إلى جانبه. لكن منذ انسحابه من السياسة، فإن الحزب الليبرالي الديمقراطي تُرك وهو يمارس سياسات غير شعبية أمام ناخبين فاض بهم الكيل من النمو الباهت، إضافة إلى السياسة المهلهلة وغير الأخلاقية. وانقلب الناخبون ضد السياسات التي تقودها الأسواق التي كان يسير عليها كويزومي، التي يوجهون إليها اللوم في تأجيج عدم المساواة في مجتمع كان يفاخر في الماضي بممارسات المساواة. وترك كل ذلك الحزب في حالة من الصراع. وتعرث جراحه أخرى في الأسبوع الماضي، حين اضطر وزير الداخلية، كونيو هاتوياما، إلى الاستقالة بعد معركة حول كيفية إدارة تخصيص البريد، وهي القضية الرئيسية والأهم خلال رئاسة كويزومي.
إذا كانت هناك حاجة إلى دليل على أن الحزب الليبرالي الياباني يواجه مشاكل هذه المرة، فإن المرء لا يحتاج إلى النظر إلى ما يتجاوز الحزب الديمقراطي الياباني. فالحزب المعارض يمر بحالة من الفوضى بما لا يقل عن الحالة التي يعيشها الحزب الليبرالي الديمقراطي. فقد زعيماً آخر في أيار (مايو) الماضي بسبب فضيحة مالية. واعتبار وجود معارضة ضعيفة دليلاً على قرب وفاة الحزب الحاكم يمكن أن يكون أمر سخيفاً. لكن هذا هو الأمر المهم. وعلى الرغم من تشتتها الأيديولوجي، وتعافيها من فضيحة على مستوى الزعامة، تستمر المعارضة في الفوز في انتخابات محلية، والتفوق في استطلاعات الرأي. إن الناخبين يمرون بمزاج يؤيد أي جهة ما عدا الحزب الليبرالي الديمقراطي. وهذا أمر سيء بالنسبة إلى آبي الذي يتعين عليه الدعوة إلى انتخابات عامة في أيلول (سبتمبر) المقبل.
من المؤكد أن المعارضة اليابانية تسببت في خيبة الأمل في السابق. كما أن الناقدين السياسيين لا يستبعدون احتمالات عملية تعديل شاملة يمكنها، وفقاً لبعض السيناريوهات، دفع بعض عناصر الحزب الليبرالي الديمقراطي والحزب الديمقراطي الياباني نحو ائتلاف حاكم. ومع ذلك، فإن الحزب الليبرالي الديمقراطي، ذلك الوحش الذي لن يموت، سيكون بحاجة إلى معجزة صغيرة للبقاء هذه المرة. وربما تكون اليابان البلد الوحيد في العالم الذي يستطيع أحمدي نجاد أن يترشح فيه، مع ضمان فرصة جيدة للفوز بأمانة ونزاهة.

الأكثر قراءة