روايات الجيب .. ثقافة عملية للقراءة تحرج الكتب

روايات الجيب .. ثقافة عملية للقراءة تحرج الكتب

حين بدأت الأنماط الثقافية والأدبية بالتجديد وتغير المعالم أو تطويرها ؛لاقت هذه الموجات معارضات وانتشارات أوسع في المقابل. فعلى سبيل المثال بدأ الشعر الحر بنازك الملائكة والسياب لكنه ما لبث أن لاقى رواجا رغم تمسك البعض بالقصيدة الأصيلة التقليدية. وهكذا تابعت الموجات والأنماط الثقافية تناقلها وانتشارها من أمة إلى أمة. ولا نكاد نلحظ أن هناك ما استعصى على النقل أول لنقل ما لم يؤثر في شرائح المتلقين على اختلاف توجهاتهم وردود أفعالهم حول ما يجد. وهذا ما حصل في تأثر المؤشر الإنتاجي السردي الصاعد بعدما اجتاحت (الرواية)العالم. وهذا لا ينطبق بطبيعة الحال على الأنماط الثقافية وحدها فحتى خارج الإطار الثقافي سيلاحظ المتأمل كيف تغيرت الأذواق الموسيقية والفنية وكل الأمور التي لم يمنع البعد المكاني وحتى الزماني في بعض الأحيان من انتقالها,ما لفت نظري في هذا التوارث الثقافي الغياب الواضح والصريح –على مستوى المملكة- للإنتاج الأدبي صغير الحجم أو ما يتعارف عليه بـ(كتب الجيب) أو (روايات الجيب) تحديدا.هذا النوع من الكتب (المتنقلة) والتي ذاعت وانتشرت كثير من سلاسلها المعروفة في مصر ودول الشام وغيرها لا نكاد نرى لها أثرا هنا . وليس المقصود أننا لا نجد تلك السلاسل -كـ (رجل المستحيل, روايات عبير,روايات أحلام.. وغيرها)- بل المقصود أننا لا نجد أو نلحظ أي إنتاج محلي يتشابه (فيزيائيا) على الأقل مع طبيعة الكتب صغيرة الحجم ؛سريعة الانتشار وأدبية المضمون . وفي نظرة إلى المتوفر –حجما- من هذا النوع سنجده منصبا في اتجاهين .. الأول: الكتب صغيرة الحجم المترجمة والتي تعنى بتطوير الذات وثانيها الكتيبات – فهي أقل من الكتب حجما بحيث لا تتجاوز الخمسين صفحة غالبا-. الكتب من هذا الحجم لا علاقة لها بأي أبعاد جمالية؛ لكن سهولة نقلها (في الجيب) من حيث صغر حجمها وخفة وزنها تجعلها مصاحبة للقراء في أوقات بعدهم عن مكتباتهم وكتبهم ذات الأحجام الكبيرة أو المتوسطة. كما أنها تمكنهم من القراءة في الدقائق القصيرة الخالية من الازدحام النهاري في مواضيع بعيدة –غالبا- عن العمق والحاجة إلى التركيز الشديد . كما أن انتشارها بسبب رخص ثمنها حيث تستخدم إخراجا عاديا وأنواع ورق رخيصة نسبيا وإنتاجها بأعداد كبيرة وفترات دورية في بعض السلاسل –حيث تتبناها أو تنشئها بعض المؤسسات الصحفية- كل هذه العوامل تجعلها في متناول يد الجميع من حيث الثمن، كما تجعلها صديقا متنقلا مخلصا من حيث الحجم .
في الواقع ربما لا يكون لهذه الكتب أو الروايات قيمة أدبية عالية,لكنها بالتأكيد ذات قيمة سلوكية عالية جدا. فهي تخلق عادة اصطحاب الكتاب وتناول القراءة كزاد يومي مستمر في أي دقيقة فارغة . وحين نتطلع إلى شريحة المتلقين لهذه الكتب ونجدها من المراهقين غالبا؛ سنكون راضين جدا بما تزرعه فيهم من عادة القراءة المستمرة إلى حد أن تستفزهم لقراءة ما هو أضخم وأقيم في وقت لاحق. (روايات الجيب) قيمة سلوكية . مازلت أسأل نفسي من الملام في عدم انتقال هذا النمط الثقافي إلى الساحة المحلية وتطويره ؟! الكتاب الذين تجاهلوا هذا الحقل؟ الصحف التي لم تنشئ أي سلاسل ولم تستكتب أحدا في هذا الشأن؟ أم دور النشر التي لا تجدد في أنماط إصداراتها أبدا؟ لماذا لا يوجد لدينا روايات جيب محلية المنشأ؟! أم أننا اعتدنا ألا تحمل جيوبنا كتبا أبدا؟!
 

الأكثر قراءة