قوانين الرهن العقاري.. وغياب سوق ثانوية للصكوك

قوانين الرهن العقاري.. وغياب سوق ثانوية للصكوك

فرضت أزمة التمويل العقاري نفسها بقوة على المملكة العربية السعودية، وبات الخبراء أمام إشكالية ضخمة، يستوجب التعامل معها دراية واعية بمتغيرات الأوضاع الاقتصادية، وإعادة النظر في قوانين الرهن العقاري، إضافة إلى البحث عن صكوك ثانوية للصكوك، بما يضمن مضاعفة حجم التمويل العقاري، وزادت الأزمة تفاقماً في ظل الدراسات التي يوضح فحواها أن عدد السعوديين الذين لا يمتلكون منازل خاصة بهم في المملكة قد بلغ 70 في المئة تقريباً، وأن هناك حاجة إلى بناء أكثر من 200 ألف وحدة سكنية سنوياً، فضلاً عن حاجة السوق السعودية إلى ما يربو على 20 شركة تمويل عقاري كبيرة، علاوة على البنوك القائمة، التي تقدم قروضاً عقارية. ويرى الخبراء استناداً إلى تلك المعطيات، أن عدم توافر التمويل اللازم والكافي بالشروط المناسبة والمريحة والمتوافقة مع الشريعة الإسلامية، يتصدر قائمة أسباب عدم تملك المساكن من قبل السعوديين؛ لذا كان من اللازم التعامل مع أزمة التمويل العقاري السعودي، على أنها تحد كبير، لا يقل بحال من الأحوال عن مجابهة الأزمة المالية العالمية. المصرفية: الرياض > يرى المراقبون الاقتصاديون أن قلة التوجه لتأسيس شركات مختصة في التمويل العقاري بالمملكة العربية السعودية، يعود إلى وجود عائقين أساسيين أولهما: عدم توافر القوانين الخاصة بالرهن والتمويل العقاريين، وهي القوانين التي تحفظ حقوق وواجبات شركات التمويل من جهة، والمقترضين من جهة أخرى. بينما يتمثل العائق الآخر في عدم توافر سوق ثانوية للصكوك، بما يضمن استمرارية عمل شركة التمويل، وألا تقتصر فقط في عملها على رأس المال المستثمر. وتشير بعض دراسات الجدوى إلى أن شركة تمويل عقاري برأس مال 2 مليار ريال تقريباً يمكن أن تكون قادرة على توليد إجمالي قروض في نهاية السنة الخامسة من العمل، بقيمة 14 مليار ريال وهي قابلة للزيادة بعد السنة الخامسة، ويتوقع أن تصل إيرادات الشركة السنوية إلى ما يقارب 500 مليون ريال سنوياً في السنة الخامسة وقابلة للزيادة بعد ذلك. انطلاقاً من تلك المعطيات كان تحرك الحكومة السعودية حكيماً، عندما سعت إلى تشجيع مجال الاستثمار في التمويل العقاري وحل أزمة تملك المساكن، وكان من أهم هذه المساعي إقرار مجلس الشورى في العام الماضي لمعظم أنظمة الرهن والتمويل العقاري، ولم يتبق سوى اللائحة التنفيذية. وإسهاماً منه في تفعيل هذا الحراك، جاء تصريح وزير المالية قبل شهر تقريباً، ليعلن توقعه إصدار أنظمة الرهن والتمويل العقاري خلال العام الجاري، إضافة إلى تأكيده بأنه يجري العمل حالياً على إطلاق سوق للسندات والصكوك خلال الأشهر القليلة القادمة، متوقعاً أن تشهد السوق السعودية خلال السنوات القليلة القادمة نمواً كبيراً في سوق التمويل العقاري بعد إتمام هاتين الخطوتين المهمتين. موارد مالية لمعالجة قضية الإسكان إذا كان صندوق التنمية العقارية هو الجهة الوحيدة في المملكة العربية السعودية، التي تمنح القروض العقارية بشروط ميسرة، فإن موارد هذا الصندوق قد عجزت خلال السنوات الأخيرة عن مواكبة الطلب المتزايد على القروض، وأصبحت الفجوة بين الطلبات المقدمة ومعدل استجابة الصندوق لها تزداد اتساعاً، وقُدرت طلبات التمويل التي تنتظر الاستجابة بنحو 400 ألف طلب، بنهاية خطة التنمية السابعة؛ ما يطيل مدة الانتظار للحصول على قروض جديدة. وتم تعليل ذلك بوجود عقابات تواجه صندوق التنمية العقارية في تحصيل ديونه المستحقة، إضافة إلى محدودية الوسائل البديلة أو المكملة لتمويل الإسكان بشكل عام. ولتقليص هذه الفجوة أعلنت الحكومة سعيها لتحويل موارد مالية لمعالجة قضية الإسكان، فضاعفت دعمها لصندوق التنمية العقارية من خلال ضخ ما يقارب 25 مليار ريال (6.6 مليار دولار)، من خلال الميزانية العامة للدولة. في حين طرح في وقت سابق مؤسسة معاشات التقاعد برنامجاً لشراء المساكن، إضافة إلى إعلان مجموعة من شركات التمويل العقاري دخولها هذا المعترك، حيث تم إشهار ما يقارب 6 شركات تمويل عقاري باستثمارات تتجاوز 7 مليارات ريال (1.8 مليار دولار). على صعيد ذي صلة أبلغت هيئة سوق المال، الشركات المالية السعودية، بإمكانية دراسة طرح سوق لتداول وحدات صناديق الاستثمار العقاري، وأشارت الهيئة إلى أن ذلك لن يكون في الوقت القريب، خاصة أن لديها أولويات من خلال دراسة سوق الصكوك والسندات، وتزامن ذلك مع إعلان عديد من مديري شركات التداول السعودية أنهم بصدد إطلاق سوق للسندات والصكوك خلال الأشهر القليلة المقبلة، حيث تتناسق هذه الخطوة الحيوية مع السعي الحثيث نحو زيادة الأدوات المالية المتداولة في السوق السعودية، وتنويع شرائح المستثمرين. سوق مستقلة بالسندات والصكوك أما عن مسألة قيام سوق مستقلة بالسندات والصكوك، فتشير آخر الدراسات الاقتصادية في المملكة إلى أنه تم وضع حجر الأساس لتلك السوق، بما يسمح في المستقبل القريب باتساعها من خلال بعض الشركات، وبالتعاون مع هيئة سوق المال السعودية، إلا أنه ينبغي في المقام الأول من انتهاج الأنظمة الإجرائية، التي تجعل من هذه السوق حقيقة واقعة، وليس ثمة شك في أنها ستمثل في حال قيامها رافدا خصبا لخدمة القطاعات الإنتاجية، ومعاونتها على تعزيز المنظومة الاقتصادية الوطنية، كما أنه ينبغي الاستفادة من التجارب السابقة، من أجل أن تحقق الصكوك أهدافها المنشودة وفقا للتطلعات الاستثمارية، بما يتيح مجال المشاركة أمام أكبر عدد من الشركات. وتعتبر السندات والصكوك وسائل تمويلية أقل تكلفة بكثير من عملية الاقتراض العادية من البنوك، كما يرى ذلك أصحاب الصكوك والسندات ومصدروها، أما من وجهة نظر المستثمرين المتعاملين مع الصكوك، فيرونها وسائل الاستثمار المضمون، بعيداً عن تذبذبات سوق الأسهم ومخاطرها، في إشارة إلى استحواذ المملكة على سيولة عالية، ولعل هذه العوامل تزيد الثقة في أن المستقبل القادم سيكون أفضل بكثير من الماضي، كما أن سوق السندات والصكوك حال قيامها، ستضيف الكثير إلى الاقتصاد الوطني، ويعتبر الوقت مناسباً جداً لقيام السوق، مع ملاحظة أن سوق المال هي المنظمة والمشرعة لقيام هذه السوق، وعليها تقع مسؤولية المبادرة؛ فالشركات لم تبخل، حيث أصدرت صكوكا ولكنها لم تجد الجهة المختصة التي تسهل عليها طرح مثل هذه الصكوك فتضطر إلى طرح هذه الصكوك في أسواق خارجية أو عن طريق بنوك، لتتولى عملية إدارة مثل هذه الصكوك، وهي حتى الآن مقفلة وليست مطروحة في سوق عامة قابلة للتداول بمفهوم السوق؛ فالجهة المشرعة والمقننة لهذا الجانب هي هيئة سوق المال. دراسة الفرص الاستثمارية بعناية أكثر عند النظر إلى أزمة التمويل العقاري في المملكة، من خلال معطيات سوق الاستثمار وانعكاسات ذلك على المستثمر، يتضح أن الأوضاع الحالية تجبر المستثمر على دراسة الفرص الاستثمارية بعناية أكثر، والتركيز على القطاعات الأقل تضرراً، فعلى الرغم من تأثر كافة قطاعات العقار، الإ أن الطلب الحقيقي والمستمر يأتي من قطاع الإسكان، في الوقت الذي تفتقر فيه مدينة الرياض بمفردها سنوياً إلى 30 ألف وحدة سكنية خلال السنوات العشر المقبلة، كما أن انخفاض تكاليف مواد البناء سيعمل على مساعدة الاستثمار في هذا المجال، وفيما يتعلق بالانخفاض الذي تشهده الأسواق العقارية في أسعار العقارات خارج محيط المنتجات السكنية، فإن السوق العقارية تمر بدورات مختلفة، بين الانخفاض والارتفاع على مدى أعوام تراوح ما بين 5 أعوام و 15 عاماً، ومن المقرر أن تشهد الفترة الحالية ركوداً في التداولات على الأراضي التي تقع على أطراف المدن، التي كانت في السابق تشهد تداولات مرتفعة، كما أن الانخفاض الحاصل في أي عقار هو انخفاض مألوف، وأن المواقع التي يزداد عليها الطلب ترتفع فيها أسعار العقار، ويعتبر ذلك أمراً طبيعياً في أي قطاع. ومما يعزز أهمية التمويل العقاري في توفير مساكن خاصة، تأكيد وزارة الاقتصاد والتخطيط وجود مواطنين لا تمكنهم إمكاناتهم من تأمين مساكن خاصة بهم، بدءاً من شراء الأرض وانتهاءً بتوفير المبالغ اللازمة لبناء المسكن، ويزداد الأمر صعوبة لهذه الشريحة من المواطنين نتيجة استمرار ارتفاع أسعار الأراضي وانخفاض مساحة الأراضي السكنية المتاحة ضمن النطاق العمراني للمدن، إضافة إلى انخفاض حجم المعروض من المساكن الواقعة في متناول القدرات المالية للأفراد. هذا في الوقت الذي يستمر فيه انخفاض عدد المساكن التي توفرها بعض الجهات الحكومية، إضافة إلى عدم مواكبة التمويل المتاح للطلب على قروض صندوق التنمية العقارية.>
إنشرها

أضف تعليق