«بريكست» .. خطأ أوروبا التاريخي

«بريكست» .. خطأ أوروبا التاريخي

الاتحاد الأوروبي لعب دورا غير مباشر، لكنه مهم في انتصار رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، في الانتخابات الأخيرة - وفي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
لقد كان خطأ تاريخيا في التقدير من طرف بعض قادة الاتحاد الأوروبي عندما تواطأوا مع مؤيدي البقاء في المملكة المتحدة. بدلا من ذلك، كان ينبغي أن يبذلوا قصارى جهدهم لمساعدة تيريزا ماي، سلف جونسون، في إبرام اتفاق الانسحاب.
قيادة الاتحاد الأوروبي لم تبالغ فقط في ممارسة سلطتها خلال المفاوضات، بل ارتكبت الخطأ الحاسم المتمثل في رفض استبعاد تمديد "بريكست" منذ البداية. وبذلك أسهمت في حالة عدم اليقين التي تلت ذلك والتغيير في قيادة حزب المحافظين. ما تبقى أصبح تاريخا.
نتيجة مباشرة لتلك الأخطاء، سينتهي الاتحاد الأوروبي بعلاقة فاترة مع المملكة المتحدة أكثر مما كان يمكن أن تصبح دونها. صفقة الانسحاب التي قدمتها ماي، رغم أنها بعيدة كل البعد عن المثالية، إلا أنها كانت تنسجم مع اتفاقية شراكة مستقبلية. من خلال المراهنة على استفتاء ثان بعيد المنال بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن ائتلاف قادة الاتحاد الأوروبي وحملة مؤيدي البقاء انتهى به الأمر إلى خسارة تلك الفرصة.
لو أن قادة الاتحاد الأوروبي يتمتعون بأي تفكير استراتيجي، فإنهم سيتوقفون الآن لمدة دقيقة ليقرروا بالضبط ماذا يريدون من علاقة ثنائية جديدة مع المملكة المتحدة.
علامات حدوث ذلك ليست واعدة. شعرت بتشجيع هامشي من تصريحات أنجيلا ميركل بعد انتخابات المملكة المتحدة مباشرة، متطلعا إلى "الصداقة والتعاون الوثيق بين بلدينا". لكن ميت فريدريكسن، رئيسة الوزراء الدنماركية، أثارت على الفور مسألة حقوق الصيد - وهي قضية تنطوي على إمكانية قتل أي صفقة تجارية. أورسولا فون دير لين، رئيسة المفوضية الأوروبية، أعدت جدول محادثات المرحلة الأولى فيه تشمل فقط السلع والصيد. هذا بالضبط النهج نفسه الذي اتبعه الاتحاد الأوروبي في المفاوضات بشأن اتفاق الانسحاب. ستكون المملكة المتحدة حمقاء لو قبلت بذلك.
سيكون من التراخي أن نعتقد أن جونسون سيكون خصما ضعيفا في المرحلة الثانية ـ المفاوضات التجارية المقبلة. ماذا سيحدث لو لعب الاتحاد الأوروبي بعنف ولم يقدم سوى صفقة محدودة، ربما منمقة بمطالب لوصول الاتحاد الأوروبي إلى مياه الصيد في المملكة المتحدة، أو أن المملكة المتحدة تتبع قواعد سوق العمل في الاتحاد الأوروبي؟
إذا كانت بروكسل ستطالب بمثل هذه الأشياء، فإن ذلك سيمنح جونسون سببا منطقيا للانسحاب من المحادثات تماما. الفترة الانتقالية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من المقرر أن تنتهي بنهاية 2020. في تلك المرحلة، سيظل جونسون في منصبه أربعة أعوام أخرى ـ أطول من أي قائد آخر في الاتحاد الأوروبي.
ستكون هناك عواقب اقتصادية كبيرة أيضا بالنسبة لقادة الاتحاد الأوروبي إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق تجاري وينتهي الأمر بالجانبين إلى علاقة تجارية تستند إلى قواعد منظمة التجارة العالمية. هذا من شأنه أن يعرض للخطر جزءا كبيرا من فائض الاتحاد الأوروبي التجاري مع المملكة المتحدة، البالغ 94 مليار جنيه استرليني.
المتشككون يجادلون بأنه لا يمكن إبرام صفقة تجارية بسرعة. لكن السرعة متغير سياسي. إذا قرر الاتحاد الأوروبي إعطاء الأولوية لاتفاق مع المملكة المتحدة، فيمكنه اختيار تعجيل المفاوضات. صحيح أن الاتحاد الأوروبي لن يكون قادرا على التصديق على صفقة تجارية بحلول نهاية العام المقبل. لكن إذا سارت المفاوضات على نحو جيد بما فيه الكفاية بحلول نهاية 2020، يمكن أن يجد الجانبان طريقة لتمديد الفترة الانتقالية.
تاريخ اتفاقية التجارة الحرة للاتحاد الأوروبي مع كندا يقدم أنموذجا آخر. تم تطبيقها مؤقتا منذ 2017، فيما لا تزال في انتظار الموافقة النهائية من قبل الدول الأعضاء. عندما يخبرك شخص ما بأن صفقة تجارية تستغرق سنوات كثيرة للتفاوض، فهو في الواقع يقول إنه لا يريد أن تتحرك الأحداث على نحو أسرع.
اعتبار آخر مهم للاتحاد الأوروبي هو أن من المرجح أن تبدأ المملكة المتحدة محادثات تجارية موازية مع الولايات المتحدة. إذا تم إبرام مثل هذه الصفقة أولا، فربما تحتوي على فقرات يمكن أن تتداخل مع صفقة تجارية مع الاتحاد الأوروبي لم يتم إبرامها بعد. مثلا، ربما يصر المفاوضون الأمريكيون على دخول دجاجهم المعالج بالكلور ومنتجاتهم الزراعية المعدلة وراثيا.
إذا كان الاتحاد الأوروبي يريد حقا شراكة استراتيجية مع المملكة المتحدة، فمن مصلحته إبرام هذا الاتفاق قبل أن تفعل الولايات المتحدة. إذا كان الهدف الاستراتيجي للرئيس الأمريكي دونالد ترمب هو توسيع الفجوة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، فستكون هذه فرصة مثالية.
من الممكن إبرام اتفاقية تجارة كاملة ومتوازنة وعادلة، لكن هذا يتطلب من الاتحاد الأوروبي التخلي عن معاهدة فرساي، عقلية عدالة المنتصر. أدرك أن المجلس الأوروبي لا يباشر المفاوضات بنفسه، لكن هذه المرة يجب أن يوثق مشاركته. سنعرف أن هذه العملية تنحرف عن مسارها إذا رأينا أن الجانبين يعودان إلى البيانات العدائية المعتادة.
الاتحاد الأوروبي كان مخطئا في التعامل مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي باعتباره تهديدا، بدلا من احتضانه على أنه فرصة لإرساء علاقة ثنائية استراتيجية مع المملكة المتحدة. رحيل بريطانيا هو أيضا دعوة لتشكيل مزيد من التكامل بين الأعضاء الباقين.
إنها نظرة تأمل حزينة على حال الاتحاد الأوروبي، الذي ليست لدي أي فكرة عن الكيفية التي يرى بها حل الصراع الظاهر بين المصالح الجيوسياسية والأسماك.

الأكثر قراءة