«نايفز آوت» .. فيلم يمزج بين الجريمة والكوميديا

«نايفز آوت» .. فيلم يمزج بين الجريمة والكوميديا
«نايفز آوت» .. فيلم يمزج بين الجريمة والكوميديا

دخلت الصالة المخصصة لشراء تذاكر السينما، تمعنت قليلا في الأفلام المعروضة وبدأت أنقب في مخزن ذكرياتي عن الأفلام الجديدة وفحواها، لطالما أبحث دائما عن معلومات أي فيلم قبل مشاهدته، أو على الأقل الاطلاع على العرض الدعائي لأكون على دراية بما ينتظرني، إلا أن الفيلم الذي اخترته وهو فيلم Knives out لم أبحث عنه، بل دخلت إلى الصالة المظلمة، وبدأت أجول بذكرياتي عن أفلام مشابهة، إنه جريمة وتحقيق، فهل يشبه فيلم the Goldfinich الذي صدر منتصف عام 2019 أم أنه أقرب إلى فيلم Bad times at the El Royal الذي صدر خلال عام 2018!
ما جعلني أشعر أنه مختلف هو وجود شخصيات مرموقة في التمثيل مثل النجم البريطاني العالمي دانيال كريج الشهير بتقديم شخصية "جيمس بوند" والممثل الأمريكي كريس إيفانز المؤدي شخصية "كابتن أمريكا"، إلى جانب الممثل دون جونسون الحائز جائزة "جولدن جلوب" كأحسن ممثل عن دوره في مسلسل "مايامي فايس"، والنجمة اللاتينية آنا دو ارماس التي شاركت في أفلام كبرى مثل Blade Runner 2049 في عام 2017.

حدوث الجريمة
تدور أحداث فيلم knives out حول جريمة قتل لمؤلف يدعى هارلان ثرومبي، يؤدي دوره كريستوفر بلامر، في صبيحة اليوم التالي لعيد ميلاده الـ85، حيث تم العثور عليه مضرجا بالدماء وفي يده سكين، يقوم بعد ذلك ضابطا شرطة، يلعب دوريهما لاكيث ستانفيلد ونواه سيجان، باستجواب عائلة الضحية والشخصيات المقربة منه، في محاولة لاكتشاف القاتل.
وقبل التحقيق في قضية الجريمة، يكشف المخرج ريان جونسون للمشاهد، بعض الأحداث الخاصة بعائلة هارلان، الذي كان أحد أكثر مؤلفي روايات الجريمة نجاحا في التاريخ، بطريقة الفلاش باك، وهم مجموعة من الأشخاص الأثرياء، الذين أغلبهم يستغلون هارلان في الاحتيال على أمواله بطرق غير مشروعة، ويبددون ثروته طيلة حياتهم، وأنه بين فترة وأخرى يكتشف هذا الاحتيال ويقرر أن يواجه كل شخص لكي يعترف له بأنه كشف أمره، وبالتالي يقرر منعه مما كان يقدمه إليه من مساعدات مالية، ومن ناحية أخرى يكتشف أيضا بعض الأخطاء لبعض الأشخاص مثل خيانة زوج ابنته لها، واتخاذه قراره أيضا بإنهاء خدمات ابنه، كونه المسؤول والمدير للمطبعة التي يملكها، خصوصا أنه غير مؤهل لذلك.

بدء التحقيق
بعد وصول المحقق بينويت بلانك، الذي يلعب دوره دانيال كريج، يشرح بلانك أنه موجود هناك بناء على طلب عميل غامض يشتبه في حدوث جريمة قتل، الذي دفع له مبلغا كبيرا لحل القضية، أما الشخص الوحيد الذي لا تحوم حوله الشبهة فهو مارتا ممرضة الكاتب، تلعب دورها آنا دو ارماس، لكن الأحداث تتشعب وتتداخل بين بعضها بعضا وتزداد تعقيدا مع اغتيال ضحية ثانية لمعرفتها بسر الجريمة.
أهم عنصر سيلاحظه المحقق بخصوص هذه الممرضة التي تعتقد نفسها أنها هي من قتلت الكاتب عن طريق الخطأ، هي الطيبة المفرطة وبراءة الأطفال التي توجه جميع تصرفاتها وأقوالها، حيث إنها لا تحسن المراوغة ولا الكذب، بل بالعكس، فهي كلما اضطرت إلى الكذب تتقيأ، لهذا استمر المحقق الذكي الذي يذكرنا بشخصية المحقق الشهير كولمبو – بيتر فالك – مع هذه الفتاة الطيبة، متخذا إياها طعما مغريا، خصوصا حين تتم قراءة وصية الكاتب الكبير التي تصدم الجميع، حيث أوصى بجميع ممتلكاته لهذه الفتاة الفقيرة نفسها.

السكاكين كديكور
يحاول سائر أفراد العائلة إرغامها على التنازل عن هذه التركة، أحيانا بالعنف وبالسباب والوعيد، وأحيانا بالاستجداء والتوسل، إلا شخصا واحدا هب لمساعدتها وإنقاذها، مدعيا أنه لا يهتم بتركة ذاك العجوز، ولم يكن هذا الشخص سوى المجرم الحقيقي ذاته الذي حاول قتلها في الأخير بسكين يأخذه من مجموعة سكاكين في حلقة دائرية كديكور للمنزل، فيكتشف أن هذا السكين كما بقية السكاكين المغروسة جنبها، مجرد لعب لا تقتل حتى ذبابة، ومن هنا اشتق عنوان الفيلم، وركزت الكاميرا كثيرا حول دائرة السكاكين تلك، وكأن تلك السكاكين هي مجموع أفراد العائلة المنافقة التي كانت تتحلق حول الجد الكبير محتفلة بعيد ميلاد كبيرها متمنية له – في الجهر والعلن – صحة جيدة وعمرا مديدا، وفي السر الموت والهلاك في تلك الليلة واللحظة قبل غيرها.

حبكة قوية
يتميز الفيلم بقوة حبكته، التي تعامل معها المخرج رايان جونسون بذكاء، فقدم لنا فيلما ثريا بتفاصيله، وطريفا في بعض مشاهده، كمحاولة لتخفيف وقع الجريمة والسرد المتعلق بها، وعمليات التحقيق التي يتولاها دانيال كريج طوال الفيلم، حيث يتخلى هنا كريج عن لقبه "007" ومسدسه، ويخلع عنه رداء جيمس بوند، ليرتدي مكانه عباءة شارلوك هولمز، ويجتهد في البحث عن القاتل وسط عائلة كبيرة، كل واحد من أفرادها كان مستفيدا بشكل ما من وجود الضحية، وفي الوقت نفسه، كان متضررا منه، ويتمنى القضاء عليه، ليتمكن من إخفاء الجانب الأسود من حياته، ولقد سيطرت الدراما على الفيلم، لكن الكوميديا كان لها دور بارز أيضا، ولقد طرح الفيلم مجموعة من القضايا العالقة في المجتمع الأمريكي، لكن جونسون أجاد إخفاءها بين تفاصيل مشاهد فيلمه، الأمر الذي يجعل منه عالما خاصا، سعى فيه جونسون إلى الموازنة بين الضمير الأخلاقي، والكوميديا السوداء، أملا في الوصول إلى حل للغز، وهو ما يجعل منه فيلما شديد الذكاء، مترفا بالأناقة والبهجة اللتين قد يرغب فيهما الجمهور، وهو الوتر الذي نجح جونسون في اللعب عليه، بأن يبقي الجمهور في حالة تيقظ دائم، والتفكير مع المحقق كريج للوصول إلى القاتل. كما تميز الفيلم بموقع القصر، حيث اختار المخرج قصرا ضخما لمجرى الأحداث، وتم تصميمه بأسلوب رائع مليء بالخفايا والأسرار، ما يجعله موقعا مثاليا لجريمة قتل.

يطرح قضايا المجتمع الأمريكي
يتطرق الفيلم في سياق الأحداث إلى الهجرة في أمريكا وتمييز البيض، حيث يقول المخرج في هذا الصدد "جعلنا أحداث هذا الفيلم تدور في أمريكا اليوم، والفكرة كلها هي أنه لن يكون بلا عنصر زمني ولن يكون قصة غامضة قديمة، بل سنخوض في قضايا اليوم"، بدورها، تقول الممثلة الكوبية، آنا دي أرماس، عن مشاركتها في الفيلم في دور محوري "لم أتخيل قط أن يكون لممثلة لاتينية هذا الوجود الكبير في هذا السيناريو.. إنها البوصلة الأخلاقية للقصة وقلب القصة".
تجدر الإشارة الى أن دور الممثل الشهير دانيال كريج في هذا الفيلم يعد الأخير قبل تفرغه للجزء الجديد لأفلام الجاسوسية الشهيرة والمقبل تحت اسم No Time to Die، المقرر عرضه في العام المقبل بمشاركة النجم رامي مالك صاحب الأصول المصرية.‫‬
بلغت إيرادات الفيلم نحو 130،9 مليون دولار بعد 18 يوما من عرضه في دور السينما حول العالم، وجمع الفيلم الذي قدرت تكلفة إنتاجه بـ40 مليون دولار، نحو 69.6 مليون دولار داخل شباك التذاكر الأمريكي، فيما بلغت إيراداته خارج أمريكا نحو 61.3 مليون دولار، وفقا‬ لموقع بوكس أوفيس موجو.