الشركات فائقة القوة بحاجة إلى تحجيم نفوذها

 الشركات فائقة القوة بحاجة إلى تحجيم نفوذها

عندما أخضعت ألكساندريا أوكاسيو- كورتيز، عضوة ديمقراطية في الكونجرس الأمريكي مارك زوكربيرج مؤسس "فيسبوك"، أخيرا إلى استجواب عنيف بشأن كيفية تعامل شركته مع الإعلانات السياسية، كانت تلك لحظة قوية في الصراع العالمي بين السياسيين وقادة الأعمال. مصير الشركات يتم اختباره على نحو متزايد في محكمة الرأي العام، وليس فقط من قبل السياسيين. احتجاجات حركة "إكستنكشن ريبليون" (تمرد ضد انقراض) في لندن ضد انبعاثات الكربون والاحتباس الحراري شملت مظاهرات ضد شركات الطاقة لأن لها دورا في ذلك. إنه عصر غير مريح لقادة الأعمال الذين يعدون ذوي سلوك غير أخلاقي، حتى لو كانوا يمتثلون للقانون.
في عصر الإنترنت والاتصالات العالمية، لا تعرف الاحتجاجات ضد قوة الشركات أي حدود وطنية. ليس فقط أنها يمكن أن تنتشر عبر الدول، مثلما أظهرت جريتا ثونبيرج، الناشطة البيئية السويدية البالغة من العمر 16 عاما، لكن لحظات مثل استجواب أوكاسيو كورتيز لزوكربيرج تنتج لنا مقاطعا يتم مشاهدتها عالميا.
نمو فضح الشركات أمام الجمهور يحجب ضعفا مؤسسيا ضمنيا. هناك حوكمة مؤسسية محدودة للغاية على نطاق عالمي والشركات ملزمة إلى حد كبير بالقوانين الوطنية، وليس بالمعاهدات الدولية. حسبما يظهر نقاش "بريكست" في بريطانيا، السياسيون غالبا ما يحافظون بمنتهى الحرص على الحق في وضع المعايير التنظيمية والسياسات الضريبية في دولهم. مع ذلك توجد استثناءات تتضمن ميلا إلى مشاركة تنسيق السياسات الوطنية، مثلا من قبل لجنة بازل للرقابة على البنوك المركزية، أو إطار منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لفرض ضرائب على الشركات. حوكمة الشركات تعد شأنا محليا إلى حد كبير، وفي حالة الولايات المتحدة هي مسألة تتعلق بكل ولاية على حدة. معظم النزاعات بين المديرين والمستثمرين تتم تسويتها في محكمة العدل في ديلاوير.
في حين تلعب المؤسسات الفيدرالية الأمريكية، مثل هيئة الأوراق المالية والبورصات، واللجنة الفيدرالية للتجارة، والاحتياطي الفيدرالي، دورا نشطا في الإشراف على الشركات، إلا أن الرقابة في كل ولاية لا تزال مهمة. صناعة التأمين تخضع للإشراف من قبل المنظمين في الولايات، ويتعين على هيئة الأوراق المالية والبورصة أن تخطو بحذر في التأثير في مسائل مثل حقوق التصويت على أسهم الفئة المزدوجة. هذه الديناميكية تشبه ما يحدث في أوروبا، حيث تنفذ المفوضية الأوروبية سياسة مكافحة الاحتكار، بينما دول من ضمنها ألمانيا وفرنسا تضغط من أجل إتاحة المجال لاندماجات عابرة للحدود الأوروبية بغرض تشكيل أبطال صناعيين. كثير من المعايير التنظيمية يتم وضعها في بروكسل بفضل السوق الموحدة، لكن حوكمة الشركات وحقوق المساهمين تختلف حسب البلد. صعود الشركات العالمية وضع هذا الخليط من الرقابة المحلية والوطنية والقارية تحت الضغط. ينطبق هذا على فرض الضرائب، إذ تضغط الحكومات من أجل فرض ضرائب أعلى على منصات التكنولوجيا مثل "فيسبوك" و"جوجل" دون استفزازها للانتقال. ينطبق ذلك أيضا على الحوكمة عموما، حيث تصبح الشركات منفصلة عن الأقاليم.
التكنولوجيا لم تشجع صعود منصات عالمية قوية فحسب، بل سمحت أيضا للشركات على نطاق واسع بتحويل الملكية الفكرية للاستفادة من الأنظمة الأخف والمراجحة الضريبية. الشركة تحتاج إلى وجود مبيعات وتسويق في دول ذات أسواق كبيرة، لكن يمكنها تحديد موقع عمليات البحث والتطوير الخاصة بها والمكتب الرئيس الذي تختاره.
كثير من الشركات مارست القوة بشكل إبداعي للغاية وبلا رحمة لدرجة أنها تسببت في رد فعل عنيف. وهي تواجه انتقادات صاخبة بشأن قضايا تبدأ من التهرب الضريبي إلى إحداث أضرار بيئية ودفع أجور منخفضة. الاستياء العام من عدم المساواة هبط عند أبوابها، وسط شعور بأنها راكمت كثيرا من القوة وتحتاج إلى ضبط النفس.
السؤال الصعب هو كيف نفعل ذلك؟ الجواب البسيط هو وجود رقابة عالمية أكبر، ما يجعل من المستحيل على الشركات التهرب من الأنظمة بمجرد الانتقال إلى منطقة أخرى. هذا هو نهج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فيما يتعلق بفرض ضرائب على الشركات، حيث جمعت الدول لمناقشة مقترحاتها للإصلاح الضريبي التي تم الكشف عنها أخيرا. كانت حالة استثنائية لبناء الإجماع. إلا أن القوانين العالمية تستغرق أعواما حتى يتم الاتفاق عليها، مع استمرار خطر الانحدار إلى طريق مسدود، مثل المحادثات التجارية. التوترات السياسية بين الولايات المتحدة والصين تعمل في الاتجاه المعاكس، وهو ما يظهره منع "هواوي" من سوق الاتصالات الأمريكية لأسباب أمنية. مكافحة الاحتكار الأوروبية والأمريكية تتباعد مع تدخل الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على منصات التكنولوجيا.
قوانين البورصات والجهات التنظيمية الوطنية المدرجة على قائمة الشركات التي تمتلك أسهما من الفئة المزدوجة تتمتع بحقوق التصويت تظهر كيف أن الشركات لا تزال تنعم بالقدرة على تغيير أنظمة حوكمة الشركات. هونج كونج غيرت قوانينها للسماح بمثل هذه القوائم العام الماضي بعد إدراج "علي بابا" في نيويورك عام 2014؛ بورصة نيويورك نفسها كانت تحظر حقوق التصويت المقسمة.
إلى جانب القدرة التفاوضية للشركات، ثمة أسباب سياسية تشرح لماذا من المرجح أن تظل الشركات خاضعة لإشراف وطني كبير. الحكومات لا تستجيب للإجماع الدولي بل للناخبين المحليين. في حين أن الإحساس الغريزي بأن الشركات قوية للغاية شائع بشكل كبير، إلا أن الناخبين يريدون من السياسيين أن يستجيبوا على المستوى الوطني من خلال فرض قوانين مميزة. من السهل على الناشطين الاحتجاج والسياسيين استجواب قادة الأعمال علنا، بدلا من إقرار قوانين ولوائح، وإيقاف تقويض تلك القوانين من خلال قدرة الشركات على الانتقال. زوكربيرج سيواجه مناسبات صعبة أخرى أمام سياسيين وفي مرأى ومسمع من الجميع. لكن فرص أن يتعاون السياسيون لإخضاع "فيسبوك" لضوابط ذات نطاق عالمي تبقى ضئيلة.

الأكثر قراءة