وداعا لكل مفاهيم التدمير الإبداعي

وداعا لكل مفاهيم التدمير الإبداعي

إحدى مقالات "فاينانشيال تايمز" التي لفتت انتباهي هذا الأسبوع، هي قصة نجاح تطبيق كل شيء الذي أصدرته "ميتوان ديانبينج" للمستهلكين الصينيين، وهو يوفر خدمات توصيل الوجبات ومراجعات وحجوزات الفنادق حتى طلب جلسات تدليك في المنزل.
بعد ارتفاع إيرادات الشركة بنسبة 44 في المائة في الربع الثالث من العالم الحالي، بلغت قيمتها الآن نحو 75 مليار دولار.
منذ 16عاما، كان من الصعب تصور ذلك، نظرا إلى أن الصين كانت أكثر فقرا، ولم يتم اختراع تطبيقات "الأيفون" وتطبيقات الهواتف الذكية بعد، إلا أنه كما لاحظ كارل ماركس وفريدريك إنجلز في البيان الشيوعي في 1848: "ستكون هناك حاجة إلى سوق متنامية باستمرار، لأن منتجاتها ستنشر البرجوازية في كامل سطح الكرة الأرضية".
أنا لم أختر 16 عاما بشكل عشوائي: فقد بدأت هذا العمود عام 2003، وسيكون هذا آخر مقال لي فيه. إنه مقال وداعي لأنه بعد أن انتهى عملي في طوكيو مع صحيفة نيكاي إيجن ريفيو (الصحيفة الشقيقة لـ"فيانانشيال تايمز")، سأعود العام المقبل بعمود جديد حول العمل من وجهة نظر المستهلكين والمواطنين.
مع تزامن نهاية العام ونهاية هذا العمود، يمثل ذلك لحظة جيدة للتفكير فيما تغير خلال عقد ونصف.
تغير كثير جدا بطبيعة الحال. في الشهر الذي بدأت فيه على سبيل المثال، قدمت جمعية صناعة التسجيلات الأمريكية 261 دعوى ضد المعجبين، لتنزيلهم الأغاني بشكل غير قانوني.
كان الأمر يائسا بعد ذلك، لكن الصناعة ازدهرت مرة أخرى، بفضل "سبوتيفاي" وتطبيقات البث الأخرى.
الأمر الثابت الوحيد هو التدمير إبداعي وهو المصطلح الذي استخدمه مؤلف الإدارة كلايتون كريستنسن في 1995، لوصف كيف يتم تجاوز شاغلي المنصب من قبل مبتدئي التكنولوجيا.
كان التغيير التكنولوجي السريع مصحوبا بالعولمة حتى وقت قريب، تخفيض الحواجز أمام التجارة. انتشرت ابتكارات الشركات مثل "جوجل" و"فيسبوك" و"أوبر" حول العالم.
كتب ماركس وإنجلز عن المنشأت بالتزامن، أثناء عصر العولمة الفيكتوري، إلا أنهما لم يقرا بها، وإن أدركا جاذبيتها الثورية: "إن البرجوازية، من خلال التحسين السريع في جميع أدوات الإنتاج وبوسائل الاتصال الميسرة للغاية، ستجذب جميع الأمم حتى أكثرها بربرية، إلى الحضارة".
ظهرت تغييرات مماثلة في أيلول (سبتمبر) 2003 حول التمويل: "يمكن أن يكون الصغار في صناديق التحوط ومحال الاستثمار هم الذين يصبحون الأقوى".
كتبت في وقت لاحق عن مقايضات العجز عن سداد الائتمان -بسخرية غير مقصودة- "فالتذمر من نمو سوق المشتقات لا جدوى منه، لأنه مثل الاحتجاج على ارتفاع المد".
في مجال المستحضرات الصيدلانية: "يضمن العلم وقانون براءات الاختراع وسوق الأوراق المالية أن تفعل شركات الأدوية الكبرى شيئا أكثر من مجرد إعادة تنقيح الأدوية القديمة".
في السينما والتلفزيون، كان نهج "كوم كاست" غير مرغوب فيه تجاه "والت ديزني" عام 2004: "الطرق القديمة لتقديم المحتوى، تلك التي تناسب الاستوديوهات والشبكات بدأت تفشل أمام الأساليب التي يفضلها هذا الجيل من المستهلكين".
لم يكن أي من ذلك ذا رؤية، وقد أخطأت في بعض الأمور، بما في ذلك مطالبتي بالسماح لـ"ليمان براذرز" بالفشل في 2008، والرضا عن هذا العام بشأن حادثتي تحطم طائرة بوينج 737 ماكس.
أهمية الأحداث الأخرى، مثل وباء الأفيون في الولايات المتحدة، مرت دون أن اكتب عنها، إلا أن وتيرة التغير في عديد من الصناعات لا يمكن تجاهلها.
كما لم يستطع أي شخص أن يلاحظ وفرة المنتجات والخدمات الجديدة، التي تصدرها "أيفون" في 2007، وثوران الثروة في المناطق الناشئة بما في ذلك آسيا والشرق الأوسط.
في ذلك العام كنت في دبي "أقف في الفرع المحلي لـ"تريدر فيكز" الذي يتسم بطابع هاواي، حاملا كوكتيل ماي تاي فييدي، وأشاهد الناس يرقصون على إيقاعات فرقة السالسا".
كان الدافع وراء هذا الاضطراب هو التقدم في العلوم والتكنولوجيا ابتداء من التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي ووصولا إلى الطب الوراثي.
تم الانتهاء من خريطة الجينوم البشري في 2003، ويتم علاج السرطان الآن بأدوية العلاج المناعي مثل "كيتوردا" من "ميريك".
يمكن طلب سيارات الأجرة من التطبيقات؛ بعد 15 عاما أخرى، قد يكونون ذاتيي القيادة.
زوبعة المؤسسات كانت لها تكلفة. أدى إطلاق العنان للتمويل إلى أزمة 2008 التي شجعت عدم تجذر الشركات، إذ يتم نقل الأرباح إلى ولايات قضائية منخفضة الضرائب.
هبطت حصة فئة العمال من الدخل القومي في عديد من البلدان، وأصبحت العقود غير الرسمية هي القاعدة، إذ تم تعزيز قوة رأس المال.
تسببت وفرة الأشياء، من الأزياء السريعة إلى الرحلات الجوية الرخيصة، في رد فعل عنيف ضد الأضرار البيئية، وإلى ارتفاع درجة حرارة الأرض، وهما مصدر قلق لشباب اليوم.
النمو من خلال ما وصفه الخبير الاقتصادي جوزيف شومبيتر بـ"التدمير الإبداعي" للشركات غير الفعالة لا ينبغي لنا أن نكترث له الآن؛ ذلك أن النمو الذي ينطوي عليه تدمير كوكبنا أمر مخيف.
الشركات تتكيف مع التنظيم والتغير في الطلب، بالطبع. اتجهت شركات الطاقة إلى بدائل، كما أن هجر النباتيين للهامبرجر أدى هذا الأسبوع إلى صفقة دمج "إنترناشيونال فليفرز آندفريجرنس" مع "دوبونت" بقيمة 26.2 مليار دولار.
وتأمل الشركة المدمجة أن تصنع "برجر دون لحم"، على أن يكون بملمس ورائحة يشبهان البرجر الحقيقي.
ثورة المستهلك هذه ستقدم كثيرا للتغطية عند عودتي العام المقبل.
في الوقت الحالي، شكرا لكم على القراءة، وأتمنى لكم أعيادا سعيدة.

الأكثر قراءة