FINANCIAL TIMES

الأسواق الناشئة تقود تباطؤ الإنفاق العالمي

الأسواق الناشئة تقود تباطؤ الإنفاق العالمي

قد يكون متأخرا جدا أن نسأل ما إذا كان ضعف التجارة والصناعة هذا العام سيمتد إلى الإنفاق الاستهلاكي في الأسواق الناشئة العام المقبل، لأنه امتد بالفعل.
الرأي السائد على نطاق واسع بين المستثمرين الذي مفاده أن المستهلك ظل مرنا هذا العام وسط تباطؤ حاد في التجارة العالمية والاستثمار ليس منطقيا على المستوى العالمي. وفقا لخبراء اقتصاديين في مصرف يو بي إس، الاستهلاك العالمي تباطأ والأسواق الناشئة تمثل الأغلبية العظمى من التباطؤ.
ستكون هناك حاجة إلى مزيد من الدعم للسياسات في الأسواق الناشئة في 2020 لزيادة الطلب المحلي الضعيف.
الإنفاق الاستهلاكي العالمي ونمو الناتج المحلي الإجمالي الرئيس في طريقهما هذا العام إلى تسجيل أبطأ نمو لهما منذ عقد. لكن في حين تباطؤ الناتج المحلي الإجمالي واسع النطاق إلى حد ما، إلا أن أكثر من أربعة أخماس تباطؤ الإنفاق منذ بداية العام الماضي تراجع إلى بلدان الأسواق الناشئة.
على الرغم من التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، تأتي أغلب تباطؤ الأسواق الناشئة من الهند. ثالث أكبر اقتصاد في العالم أسهم بنحو 40 في المائة من التباطؤ الكلي في الاستهلاك العالمي هذا العام ـ أكثر من الولايات المتحدة والصين معا.
قال مصرف يو بي إس: "ربع تباطؤ الاستهلاك العالمي يرجع إلى الصين. مساهمة الصين مماثلة لمساهمة لتركيا، وهي اقتصاد أصغر بكثير".
خلال النصف الأول من السنة المالية الحالية ـ التي تبدأ في نيسان (أبريل) ـ تباطأ نمو الإنفاق الاستهلاكي في الهند إلى أقل من نصف الوتيرة المسجلة عام 2018. الإقراض الجديد توقف في أعقاب أزمة في قطاع مصرفية الظل في البلاد، مسدلا بذلك الستار على طفرة إنفاق استمرت فترة من الوقت. وفرص التوظيف الضعيفة تزيد الكآبة.
بحسب اقتصاديين في مجموعة سيتي المصرفية، تباطؤ النمو الحالي في الهند أطول فترة مسجلة من التباطؤ في النمو على الإطلاق. بنسبة نمو 4.5 في المائة على أساس سنوي بلغت أحدث بيانات الناتج المحلي الإجمالي أدنى مستوياتها منذ ستة أعوام.
هونج كونج تبرز أيضا بين اقتصادات الأسواق الناشئة الأصغر التي تضيف إلى تباطؤ الإنفاق العالمي. الاضطرابات السياسية والتوترات التجارية هناك دفعت الاقتصاد إلى حالة من الركود، مع تراجع السياحة بشكل حاد وتعطل الشركات والتجارة بشدة. مبيعات التجزئة انخفضت 24 في المائة على أساس سنوي في تشرين الأول (أكتوبر)، وهو أسوأ انخفاض على الاطلاق، وتاسع شهر على التوالي من تقلص المبيعات.
آدم سلاتر، من شركة أكسفورد إيكونوميكس، يسلط الضوء على الارتفاع السريع السابق لديون المستهلكين في الأسواق الناشئة، خاصة في آسيا، باعتباره عاملا آخر وراء تباطؤ نمو الاستهلاك في هذه الأسواق. قال: "تأثير (تراكم الديون السابق) يتزايد ببطء"، مخلفا رياحا معاكسة هيكلية ودورية على نمو الاستهلاك.
ضعف الطلب في الأسواق الناشئة واضح أيضا في تباطؤ الواردات. أحجام التجارة العالمية انهارت منذ صعدت الولايات المتحدة خطابها الحمائي ضد الصين أوائل عام 2018. وعلى غرار الاستهلاك، الضعف أكثر وضوحا في الأسواق الناشئة مقارنة بالاقتصادات المتقدمة.
واردات الأسواق الناشئة تقلصت خلال معظم هذا العام، مع انخفاضات حديثة تراوح بين 3 و4 في المائة عما كانت عليه العام الماضي. في المقابل، نمو واردات الاقتصادات المتقدمة ظل إيجابيا.
بالنظر إلى التوترات التجارية، إضافة إلى تباطؤ الاقتصاد المحلي، انخفاض الواردات الصينية ليس مفاجئا. لكن الواردات الآسيوية، باستثناء الصين، تقلصت بمعدل مماثل، من 4 إلى 5 في المائة، وفقا لتقرير صادر عن "سي بي بي ويرلد تريد مونيتر" CPB World Trade Monitor. يعزى بعض الضعف إلى الروابط التجارية المرتفعة في آسيا، لكن الطلب المحلي الضعيف يسهم في ذلك أيضا.
بيانات CPB لا تستثني الهند، لكن بيانات الحسابات الوطنية في البلاد تظهر أن الواردات تراجعت 7 في المائة على أساس سنوي في الربع الثالث، وهو انخفاض كبير من اتساع بلغ 23 في المائة في الربع الثالث من عام 2018. نتيجة لذلك، صافي التجارة أسهم بشكل إيجابي في الناتج المحلي الإجمالي الرئيس في الهند لأول مرة منذ أكثر من خمسة أعوام.
الضعف واضح أيضا في أمريكا اللاتينية. صندوق النقد الدولي يتوقع انخفاضا بأرقام زوجية في واردات الأرجنتين هذا العام، في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد المأزوم انكماشا للعام الثاني على التوالي. البرازيل والمكسيك تعانيان أيضا نموا اقتصاديا هزيلا هذا العام وتراجعا في الواردات. وتتوقع "أوكسفورد إيكونوميكس" نمو الواردات 1 في المائة فقط في البرازيل هذا العام، مقارنة بـ7 في المائة عام 2018.
الطلب المحلي المنخفض في الأسواق الناشئة يشير إلى الحاجة إلى مزيد من الدعم السياسي في المستقبل.
التسهيل المالي يكتسب زخما في آسيا. الهند أعلنت تخفيضا مفاجئا في ضريبة الشركات في أيلول (سبتمبر)، بينما أعلنت كل من تايلاند وإندونيسيا والفلبين إنفاقا إضافيا في العام المقبل. الصين، في الوقت نفسه، استمرت في اتخاذ تدابير مالية.
الحافز الإضافي في الأسواق الناشئة سيأتي أيضا من خلال سياسة نقدية فضفاضة أكثر. البنوك المركزية في الأسواق الناشئة خفضت أسعار الفائدة بشكل حاد هذا العام، فتراجع سعر الفائدة المرجح بحسب الوزن النسبي للناتج المحلي الإجمالي نحو 100 نقطة أساس عن ذروته التي تجاوزت 5 في المائة عام 2018، وفقا لشركة ستل إيكونوميكس.
تقريبا جميع البنوك المركزية الأخرى في الأسواق الناشئة خفض أسعار الفائدة هذا العام. كانت تخفيضات تركيا البالغة 1200 نقطة أساس منذ تموز (يوليو) أكبر تخفيض في الأسواق الناشئة، بينما كانت تخفيضات الهند البالغة 135 نقطة أساس كبيرة أيضا. واصلت البرازيل دورة التخفيض هذا الشهر، وكذلك فعلت روسيا. بالنسبة لعام 2020، تظهر توقعات إجماع "بلومبيرج" تخفيضات في جميع أنحاء آسيا الناشئة.
حتى دون التسهيلين المالي أو النقدي لدعم الطلب المحلي في الأسواق الناشئة، قد يكون الإنفاق الاستهلاكي للاقتصادات المتقدمة أسوأ حالا من الأسواق الناشئة في العام المقبل.
الزيادة في ضريبة القيمة المضافة في اليابان في تشرين الأول (أكتوبر) أدت إلى انخفاض شهري بلغ 14.4 في المائة في مبيعات التجزئة -وهو انهيار أعمق مما حدث بعد الزيادة الأخيرة في ضريبة القيمة المضافة عام 2014 التي دفعت الاقتصاد إلى الركود- وفي منطقة اليورو، من المتوقع أن يظل النمو الاقتصادي ضعيفا مع مجال محدود لمزيد من التسهيل في السياسة النقدية والدعم المالي.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES