الجدار الرقمي الأمريكي سلاح ذو حدين

الجدار الرقمي الأمريكي سلاح 
ذو حدين

العالم على النحو الذي تعيد التكنولوجيا تشكيله ليس مترابطا فحسب، بل هو متشابك بعمق، والاعتماد المتبادل يقع في قلب بنيته التحتية الرئيسة.
كيفية حماية الأصول المهمة من التخريب والقضاء على التجسس الإلكتروني أصبحت أحد تحديات العصر. وكما هو الحال دائما عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي، فإن الخوف المرضي مهم بقدر أهمية الواقع. وقد بدأنا للتو فقط ندرك التأثير الواقع على أنماط التجارة الراسخة.
قرار الولايات المتحدة هذا الأسبوع تشديد القبضة على واردات التكنولوجيا التي تعد تهديدا أمنيا هو أحدث جزء من الجدار الرقمي الذي تبنيه إدارة ترمب، لاستبقاء الملكية الفكرية القيمة في الداخل وإبقاء الأشرار في الخارج. أصدر البيت الأبيض تعليماته إلى وزارة التجارة بمنع الواردات من الشركات التي يعتقد أنها مرتبطة بـ"الخصوم الأجانب". لم تتم تسمية الصين بشكل مباشر، لكن مضمون القرار كان مفهوما للجميع.
حتما، ينظر إلى هذه الحملة الأخيرة من قبل نقاد البيت الأبيض على أنها جزء من جهد منسق لإعاقة موردي التكنولوجيا الصينيين بقيادة "هواوي" لمصلحة صناعة التكنولوجيا الأمريكية. تشديد الخناق على الصين في الوقت الذي قد تكون فيه الدولتان متجهتين نحو حل جزئي لحربهما التجارية هو تكتيك استخدمه البيت الأبيض من قبل.
لكن الخطوة الأخيرة تضيف أيضا عنصرا إلى قائمة الإجراءات الرسمية المطولة التي ستعيق الشركات الأمريكية بالقدر نفسه. القيود على "قائمة الكيانات" المفروضة بالأصل لمنع بعض مبيعات التكنولوجيا الأمريكية لبعض العملاء الصينيين، مثلا، تترجم إلى مبيعات ضائعة لشركات تصنيع الرقاقات وغيرها من الشركات الأمريكية. تعمل وزارة التجارة أيضا على وضع التفاصيل لحظر تصدير أكثر تقييدا من قبل، يفرد فئات كاملة من التكنولوجيا المتقدمة التي لم يعد من الممكن بيعها بحرية في الخارج.
الآن، تواجه الشركات الأمريكية أيضا تهديد الحواجز الزاحفة أمام الشراء من موردين أجانب مهمين. قد تكون شركات النطاق العريض الريفية في الولايات المتحدة أول من يتأثر، كونها تواجه فقدان إمكانية الوصول إلى معدات مهمة. هذا هو أحد الأسباب التي منحت وزارة التجارة سلطة تقديرية كبيرة في كيفية تطبيق حدود الاستيراد، على الرغم من أن الجهاز التنظيمي الجديد اللازم لممارسة هذا التقدير سيكون في حد ذاته عقبة أمام التجارة.
أحدث أمر من البيت الأبيض يسلط الضوء على حقيقة غير مريحة بشأن التبعية التكنولوجية. أصبح من السهل بشكل مخيف حقن البرامج الضارة أو نقاط الضعف الأخرى في سلسلة التوريد التكنولوجية. ونظرا إلى الاتجاه الذي تتخذه التكنولوجيا الآن، حيث يتم تخزين مزيد من البيانات ومعالجتها في مراكز البيانات السحابية المركزية، فإن أهداف محاولات التسلل تزداد أهمية وإثارة في كل وقت.
فهم أصل واردات التكنولوجيا الرئيسة هو أحد الطرق للحد من المخاطر. لكنها لن تحل محل الحاجة إلى عمليات تفتيش أكثر تفصيلا، مصممة لتحديد ما إذا كان عنصر أو منتج معين قد تعرض للخطر. كبار المشترين للمكونات الأجنبية قاموا من قبل بقدر كبير من هذا التدقيق الأمني بأنفسهم، وإن كان من شبه المستحيل العثور على بوابات خلفية في البرنامج أو تأكيد الشكوك بأن المكونات الرئيسة تم التلاعب بها.
تقرير لـ"بلومبيرج" في العام الماضي يدعي أن المكونات التي اشترتها بعض أكبر شركات التكنولوجيا الأمريكية تعرضت للاختراق أثار عاصفة، على الرغم من أنه تبين أن من الصعب تأييد الادعاءات، وانتهى الأمر عند كثير من خبراء الأمن القومي والمشترين إلى رفض تلك الادعاءات.
من المرجح لمخاوف الإدارة الأمريكية المتزايدة بشأن واردات التكنولوجيا الملوثة أن ترتد سلبا على مصدري التكنولوجيا الأمريكيين، حيث يتفاعل المشترون الأجانب مع انعدام الثقة المتبادل الزاحف. لدى العملاء الصينيين سبب وجيه للتشكيك في سلامة بعض المنتجات التكنولوجية المقبلة من الولايات المتحدة. فقد أشارت تسريبات سابقة حول المراقبة التكنولوجية من قبل الولايات المتحدة إلى طرق تدل على أنها تعبث ببعض الصادرات، بما في ذلك منتجات "سيسكو سيستيمز".
الأهمية المتزايدة للخدمات السحابية لا تؤدي إلا إلى تعقيد هذه الصورة. مستقبل التجارة التكنولوجية لا يكمن في الأجهزة أو البرامج بقدر ما يكمن في الخدمات المقدمة من مراكز البيانات التي قد تكون بعيدة.
رسم الحدود الوطنية لمنع التسرب من خلال الخدمات السحابية يمثل تحديا كبيرا في حد ذاته. تشفير البيانات بطريقة لا تستطيع الشركة التي تستضيفها الوصول إليها قد يؤدي نوعا ما إلى التخفيف من المخاوف، لكن القيود المستقبلية على شركات الخدمات السحابية الأجنبية تبدو حتمية.
الخطر الناتج عن كل هذا هو أن التجارة الحرة في التكنولوجيا أصبح ينظر إليها على أنها تتعارض مع الأمن القومي. بمجرد تبخر الثقة يصبح من الصعب معرفة مكان رسم الحد الفاصل. قد تكون الصلاحيات الجديدة الموضوعة في يدي وزارة التجارة الأمريكية مخصصة للاستخدام على أساس كل حالة على حدة، لكن اتجاه السفر في السياسة الأمريكية واضح.
لا يزال من الممكن أن تؤدي الهدنة في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى تصفية الأجواء بطريقة أو بأخرى، وأن تعود درجة من الثقة. لكن يبدو أن احتمالات حدوث ذلك تتضاءل يوما بعد آخر.

الأكثر قراءة