FINANCIAL TIMES

هل يرمي رجال الصناعة يمين الطلاق على عصر البلاستيك؟

هل يرمي رجال الصناعة يمين الطلاق على عصر البلاستيك؟

هل يرمي رجال الصناعة يمين الطلاق على عصر البلاستيك؟

خلال كل بضعة أسابيع، كانت ماجالي سارتر، البالغة من العمر 44 عاما التي تعيش في باريس تتوجه إلى التبضع من متجر بقالة لكن عبر الإنترنت.
من على الشبكة تختار عصير البرتقال، زيت الزيتون، الشاي، المعكرونة، البسكويت، الرقائق وهو طلب نموذجي لنفسها وطفليها وزوجها، الذي تكمله برحلات إلى متجر عضوي قريب وجزار وتاجر جبن.
عندما تصل الطلبية، يبدو أي شيء في حالة نموذجية. المعكرونة والشاي الفرط، معبأ في كيس تسوق مبطن مع حواجز من الفوم السميك، موجودة في حافظات من الفولاذ المقاوم للصدأ قابلة لإعادة الاستخدام، وعصير البرتقال في عبوة زجاجية.
لا ترى فيها أي أكياس بلاستيكية أو كمادات ثلجية. بمجرد أن تنتهي العائلة من أحد الأغراض، تعود العبوات إلى كيس لجمعها وتنظيفها وفي النهاية، إعادة تعبئتها.
سارتر هي واحدة من أوائل الزبائن لشركة لوب، وهي شركة جديدة تسعى إلى التخلص من النفايات عن طريق التعاون مع علامات تجارية معروفة مثل آيسكريم هاجن داس، صابون دوف وغسول الفم من كريست لجعل عبواتها قابلة لإعادة الاستخدام.
الآن تهدف الشركة، التي تجري تجارب مع عشرات الآلاف من الأشخاص في باريس، وفي كل أنحاء الولايات المتحدة، إلى إنشاء نموذج تسوق جديد بشكل جذري تصبح فيه العبوات متينة، قابلة لإعادة الاستخدام، ذات قيمة وفي بعض الأحيان جميلة، بدلا من كونها شيئا يتم التخلص منه على الفور.

العمل مع علامات تجارية كبرى

تعمل الشركة الناشئة مع كل من الشركات متعددة الجنسيات مثل نستله، يونيلفر، بروكتر آند جامبل وبيبسيكو والمتاجر الكبيرة التي توزع منتجاتها.
هذا المفهوم يروق لسارتر التي تستخدم الخدمة لتعليم طفليها اللذين في السابعة والتاسعة من العمر، كيفية تأثير عاداتهم الاستهلاكية في البيئة. وتعترف، "أنا متشددة جدا حيال ذلك".
"أريد أن أظهر حقا كمستهلك أنني لا أريد مزيدا من البلاستيك، وأبعث إلى الشركات الكبيرة، أنني على استعداد لإنفاق المال لدعم نموذج استهلاك آخر، يتوافق بشكل أكبر مع قيمي" على حد قولها.
سارتر هي في طليعة حركة المستهلكين المزدهرة ضد العبوات البلاستيكية، التي بدأت تحفز التغيير لدى أكبر شركات تصنيع المواد الغذائية والمشروبات والمنتجات المنزلية في العالم.
يقول المسؤولون التنفيذيون إن الزبائن الذين يعبرون عن آرائهم بحرية، دفعوا المخاوف بشأن تغير المناخ والتلوث إلى أعلى الأجندة، لدرجة أن الشركات الكبيرة لم يعد بإمكانها تجاهلهم.
لم تتكثف الضغوط إلا منذ عام 2017 عندما أظهر فيلم وثائقي عن الطبيعة عرض على قناة بي بي سي كميات هائلة من البلاستيك -ثماني ملايين طن سنويا وفقا لمجموعة مناصرة للبيئة في أمريكا- تنتهي في البحار، ما يؤدي إلى قتل فراخ القطرس وعرقلة السلاحف البحرية.

الكوكب الأزرق

فيما أطلق عليه اسم "مفعول الكوكب الأزرق"، بدأ المستهلكون يشتكون من الشوك البلاستيكية وانتقاد العلامات التجارية عبر الإنترنت، لما عدوه عبوات مفرطة.
يقول ألان جوبي، الرئيس التنفيذي لشركة يونيلفر، "يمكننا أن نرى منذ الآن أن المستهلكين، خاصة الشباب، يهتمون فعلا بقضايا الاستدامة، وحتى نبقى ذوي صلة، نحن بحاجة إلى التغيير".
حتى مع رغبة نشطاء البيئة في أن تذهب الصناعة أبعد من ذلك بشكل أسرع، حذر المسؤولون التنفيذيون من وجود تحديات حقيقية من تقليل اعتمادنا على البلاستيك. التحول إلى الزجاج والمعادن غالبا ما يعني انبعاثات غاز دفيئة أعلى بسبب وزنها الأثقل.
البلاستيك خفيف، متعدد الاستعمالات، رخيص ومتين، ما يسمح للشركات بزيادة مدة الصلاحية إلى الحد الأقصى، وفي الوقت نفسه تقليل تكاليف التصنيع والنقل إلى أدنى حد.
نحو ربع إنتاج البلاستيك السنوي البالغ 348 مليون طن في جميع أنحاء العالم يدخل الآن في العبوات، وذلك وفقا لشركة بلاستيكس يوروب ومؤسسة إلين مكارثر الخيرية البريطانية للحفاظ على البيئة، ما يجعله أكبر استخدام منفرد للمواد قبل المباني أو المنسوجات أو وسائل النقل.
في حين أن الشركات والعلماء وأصحاب المشاريع الذين تحدثوا إلى الصحيفة يتفقون على أن التغيير مقبل، إلا أن لديهم وجهات نظر مختلفة على نطاق واسع حول كيف ينبغي أن يبدو المستقبل بالضبط.
يركز البعض على جعل البلاستيك الذي يستخدمونه أكثر قابلية لإعادة التدوير.
ويعتقد آخرون أن المواد مثل الورق المطلي والألياف والكرتون، يمكن أن تحل محله في كثير من الحالات. هناك آخرون يعتقدون أن هناك حاجة إلى تحول شامل أكثر، في الطريقة التي نشتري فيها المنتجات ونستهلكها.
سيكون لكل نهج آثار مختلفة جذريا من حيث التكاليف والفوائد والملاءمة، لكل من الشركات والمستهلكين.

من أين بدأت الفكرة؟

رائد المشاريع توم سزاكي، البالغ من العمر 37 عاما الذي توصل إلى فكرة خدمة لوب، أصبح حجة فيما يتعلق بإدارة النفايات بعد تأسيس شركة تيراسايكل عام 2001، وهي شركة في نيوجيرسي تعيد تدوير المواد التي يصعب التخلص منها بالنيابة عن الشركات الكبيرة.
يعتقد أن التغيير الحقيقي لن يتحقق إلا عندما ينقلب الناس على فكرة التخلص في حد ذاتها.
يقول سزاكي: "إذا كانت مهمتنا هي التخلص من النفايات، فإن إعادة التدوير لن تكون الحل طويل الأجل، إنها مجرد إسعافات أولية. نحن بحاجة إلى إعادة التفكير بشكل كامل في علاقتنا بالمنتجات وكيفية التسوق. نحتاج إلى 100 فكرة مثل خدمة لوب".
بدأت صناعة البلاستيك الحديثة عام 1907، عندما اخترع الكيميائي البلجيكي ليو هندريك بيكلاند أول مادة بلاستيكية مصنوعة من مواد اصطناعية.
كان البشر يستخدمون المواد البلاستيكية المستمدة من الطبيعة لآلاف السنين، من خلال تصنيعها من سليلوز النباتات وقرون الحيوانات وحرير العنكبوت. إلا أن تصنيع اختراع بيكلاند كان أرخص وأكثر أمانا وأسهل.
غلاف مجلة لايف عام 1955 يظهر عائلة ترمي بفرح مجموعة كبيرة من الأغراض التي يمكن التخلص منها.
وكان النص كالتالي: "الأغراض التي تطير في الهواء في هذه الصورة قد يستغرق تنظيفها 40 ساعة، إلا أن ربة المنزل ليست بحاجة إلى إزعاج نفسها. من المفترض أن يتم التخلص منها جميعا بعد الاستخدام". حقبة من الراحة نشأت في الوقت الذي بدأت فيه الشركات إنتاج كميات كبيرة من الحفاظات وأكياس القمامة وألواح الستايروفوم، التي يمكن التخلص منها.
اليوم، نحو 6 في المائة من استهلاك الوقود الأحفوري العالمي يدخل في صناعة البلاستيك، وهذا من المتوقع أن يرتفع إلى 20 في المائة بحلول عام 2050، وذلك وفقا لوكالة الطاقة الدولية.
أصبح البلاستيك المادة الأساسية لتغليف البضائع. الخيار المغلف بهذه المواد يدوم لمدة أسبوعين مقارنة بثلاثة أيام فقط عندما تكون غير مغلفة، كما يفيد اتحاد التغليف المرن.
ارتفعت نسبة البلاستيك في العبوات من 17 في المائة عام 2000 إلى 25 في المائة عام 2015، وذلك وفقا لمؤسسة إلين مكارثر، التي جادت ببحث مكثف حول كيفية إصلاح التلوث من البلاستيك.
معظم هذا يستخدم لمرة واحدة ويتم التخلص منه بتكلفة تراوح بين 80 و120 مليار دولار سنويا، وتؤدي إلى إغراق نظام إعادة التدوير العالمي الذي لا يمكنه ببساطة التعامل مع هذه المواد.
في الوقت الذي تنتشر فيه لقطات من بقعة النفايات الضخمة في المحيط الهادئ، والسلاحف البحرية التي تختنق من المصاصات البلاستيكية، بدأ الناس يلاحظون. وفقا لاستطلاع أجرته شركة يوجوف في نيسان (أبريل) الماضي، نحو نصف البريطانيين يشعرون بالذنب إزاء كمية البلاستيك التي يستخدمونها، وأكثر من 80 في المائة يحاولون بنشاط تقليل النفايات.

تشديد أنظمة مكافحة البلاستيك

في أجزاء كثيرة من العالم، يتم تشديد التنظيمات أيضا. وضع نحو 127 بلدا قيودا على الأكياس البلاستيكية، بينما يعمل الاتحاد الأوروبي على مجموعة من المواد بحلول عام 2021، بما في ذلك أدوات المائدة والأطباق والماصات.
قدمت الحكومة البريطانية مقترحات لفرض ضرائب على التغليف الذي لا يحتوي على ما يكفي من المحتوى عند إعادة تدويره، وتريد جعل شركات التصنيع مسؤولة عن التكلفة الكاملة لإدارة نفاياتها.
لا يوجد مكان يظهر فيه إدماننا الجماعي على البلاستيك بشكل واضح أكثر مما هو في المتاجر الكبيرة.
معظم السلاسل البريطانية، بما في ذلك شركات تيسكو وسينسبري وإيسلاند، تجرب طرقا للحد من الاعتماد على العبوات البلاستيكية التي يمكن التخلص منها. ابتداء من حزيران (يونيو) الماضي، أجرت سلسلة متاجر ويتروز اختبارا في متجرها في أكسفورد لدراسة آثار إزالة البلاستيك من 200 خط إنتاج، مع تشجيع الناس على إحضار سلالهم للتبضع.
كان الاختلاف واضحا على الفور في ممرات الفاكهة والخضراوات: الخس الطازج موضوع في صناديق خشبية ذات مظهر منزلي، الجزر كان مختلطا في صندوق آخر، والطماطم منظمة في صناديق من الكرتون. الأكياس القابلة للتصنيع باللون الأخضر الفاتح، كانت متاحة للزبائن لاختيار الخضراوات بالكميات التي يريدونها.
في مكان قريب كان قسم المواد الغذائية لمبيعات الجملة حيث بإمكان الزبائن الشراء في أباريق قابلة لإعادة التعبئة، وهناك الأرز والمعكرونة والحبوب وغيرها من المواد الغذائية الأساسية في حاويات قابلة لإعادة التعبئة.
ترك المتسوقون تعليقاتهم على بطاقات الملاحظات المعلقة على الجدار: كتب أحدهم، "سيكون من الأفضل لو كان هناك مزيد من الأشياء في قسم مبيعات الجملة. الأنبوب اللازم للصب في الجرار!" وآخر رحب بالتجربة: "آمل حقا أن تستمروا ونشر ذلك إلى متاجر أخرى".
ما لم يكن يبدو مختلفا تماما كان منتصف المتجر. عندما يتعلق الأمر بالمنتجات المنزلية، مثل البسكويت، الحبوب وطعام الحيوانات الأليفة، تبدو الممرات مهرجانا من البلاستيك.
عندما تفكر متاجر التجزئة الكبيرة في تغيير متاجرها، عليها دراسة التأثير في العملية بأكملها. هل سيجلب المستهلكون في الواقع سلالهم؟ أم سيعدون ذلك بمنزلة مشكلة؟ ما مقدار العمل الإضافي المطلوب؟ وماذا عن نفايات الطعام؟

إهدار ثلث المواد الغذائية

الأخير هو مصدر قلق كبيرمن إهدار ثلث المواد الغذائية المنتجة للاستهلاك البشري إن لم تستهلك حاليا على الصعيد العالمي، وذلك وفقا لمنظمة الغداء والزراعة الأممية.
هناك انفصال بين تصور المستهلك والواقع العلمي في هذا الصدد. يقول ديف لويس الرئيس التنفيذي لشركة تيسكو: "كل طن من نفايات الطعام له تأثير ثلاثة أطنان من النفايات البلاستيكية عندما يتعلق الأمر بتغير المناخ. إذا بدأت من مكان تصور فيه كل البلاستيك بأنه مصدر تهديد، لكنك تهدر مزيد من الطعام، فسيكون ذلك في الواقع أسوأ".
لا تزال سلسلة ويتروز تدرس البيانات من تجربة أكسفورد، وتهتم بشكل خاص بتأثيرها في موردي الفاكهة والخضراوات. سيتعين عليهم إجراء تغييرات كبيرة في طريقة القطف والتعبئة، إذا قررت سلسلة المتاجر الكبيرة أنها تريد التخلص من العبوات في قسم المنتجات في جميع متاجرها.
يقول تور هاريس، رئيس قسم الاستدامة في الشركة: "أمضينا 25 عاما في هذه البلاد نبني سلسلة توريد لتوفير الراحة والأسعار المنخفضة للمستهلكين. هذا لا يعني أنه لا يمكننا تغييرها للعودة إلى ما كانت عليه من قبل، لكن علينا أن ندرك أن مثل هذه التغيرات قد تكون لها عواقب غير متوقعة".
لا يريد الوافدون الجدد انتظار الشركات الكبيرة في المتاجر الكبيرة ومورديها من أجل التغيير. توصل صاحب المشاريع أنجوس جراهام إلى فكرة شركة سبلوش، التي توصل مواد التنظيف وصابون الغسيل وشامبو الجسم المركزة عبر البريد.
بما أنه يتم توفير هذه في أكياس بلاستيكية صغيرة ومن ثم تذويبها في المنزل، تعمل شركة سبلوش على خفض البلاستيك وتكاليف النقل.
يزعم جراهام أن الشركة لديها نحو 20 ألف زبون ولا تتمكن من مواكبة الطلب: "نحن شركة صغيرة في ويلز، تحارب في صناعة من الشركات العملاقة التي تتمتع بنموذج أعمال مختلف تماما.
الناس مستعدون لمقاطعة البلاستيك والقيام بعمل جيد للبيئة حتى يصل ذلك إلى الحد الذي يؤثر في نمط حياتهم.
لذلك نحن بحاجة إلى جعل الشركة جذابة للمستهلكين، فيما يتعلق بالراحة والسعر والجودة، وإلا سينتهي بها الأمر وكأنها من اختصاص الأشخاص المتشددين المدافعين عن البيئة فقط".

تحديات أكبر أمام الشركات الكبيرة

تحديات استبدال البلاستيك تعني أن شركات السلع الاستهلاكية الكبيرة تضع كثيرا من جهودها في نهج آخر، ألا وهو تقليل التأثير البيئي للتغليف الذي تستخدمه.
قد يعني ذلك تصميمه من البداية لزيادة فرص إعادة تدويره، أو تقليصه لاستخدام بلاستيك أقل أو التخلص من مجموعة من المواد التي من الصعب إعادة تدويرها.
على طول ضفاف بحيرة جنيف، في بلدة لوزان السويسرية، افتتحت شركة نستله مركز أبحاث مخصصا لتطوير ما تدعوه العبوات "العملية والآمنة والصديقة للبيئة".
في مختبرات مجهزة بمقاعد عمل بيضاء ومعدات كيميائية حديثة، يبحث نحو 50 عالما عن طرق جديدة لتغليف علامات تجارية مثل ألواح الشكولاتة من كيت كات، مياه بيرييه وطعام الحيوانات الأليفة من بورينا. وهم يعملون مع شركات ناشئة وخبراء خارجيين، فضلا عن شركات تغليف من موردي شركة نستله التقليديين.
شركة الطعام والشراب الأكبر في العالم لا ترى مهمتها هي التخلص من البلاستيك، كما تقول فيرونيك كريماديس، رئيسة قسم التغليف المستدام: "نعتقد أن جعل التغليف أكثر قابلية لإعادة التدوير لا يقل أهمية عن الانتقال إلى مواد جديدة. تتمثل رؤيتنا في مستقبل خال من النفايات، حيث لا ينتهي الأمر بمنتجات شركة نستله كقمامة أو في مدافن النفايات".
مع ذلك، مثل شركات السلع الاستهلاكية العملاقة الأخرى، فإن شركة نستله بعيدة جدا عن تلك النقطة: حيث تنتج 1.7 مليون طن من العبوات البلاستيكية سنويا، وتأتي في المرتبة الثالثة بعد شركتي كوكاكولا وبيبسيكو، من بين الشركات التي تكشف طوعا عن مقدار العبوات البلاستيكية الذي تستخدمه.
كانت شركة نستله تراجع بصورة منهجية محفظتها من أجل تقييم كيف يمكن أن تجعل التغليف أكثر استدامة، لكنها مهمة تستغرق وقتا طويلا.
استغرق الأمر من الشركة نحو عامين لإزالة جميع البلاستيك من عشرات أنواع التغليف المستخدم في شوكولاتة سمارتيز على مستوى العالم، يجب أخذ كل شيء من خطوط الإنتاج واختبار الجودة واستجابة المستهلكين في الاعتبار.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES