تطوير أدوات جديدة لمكافحة برامج التزييف العميق

تطوير أدوات جديدة لمكافحة برامج التزييف العميق

كان من السهل بشكل مفاجئ بالنسبة إلي أن أتصل بدونالد ترمب من وسط خيمة في مهرجان "ويك إند فيستيفال"، الذي نظمته "فاينانشيال تايمز" الشهر الماضي.
أجاب الرئيس الأمريكي على الهاتف فورا، وتحدث عن ولعه بلندن، وخفف من حدة التوترات بين الولايات المتحدة والصين، ووعد بأن المحادثات التجارية مع بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي ستسير "بطريقة مدهشة وجيدة".
واعترف بأن التلاعب الانتخابي قد يعرقل الانتخابات الرئاسية لعام 2020، قبل أن يسأل: "إذن هل نخوض بالفعل هذه المحادثة الآن؟ أم أنه مجرد برنامج ذكاء اصطناعي؟"
شكوك الرئيس كانت في محلها: لقد كان مجرد برنامج ذكاء اصطناعي.
تم اختلاق ردود ترمب التي بدت واقعية بطريقة مثيرة للقلق، عن طريق "فاكلتي" وهي شركة في مجال الذكاء الاصطناعي مقرها لندن، تعمل على أساليب وتقنيات للتصدي لتكنولوجيات "التزييف العميق". إحدى أفضل الطرق لمعرفة كيف يفعلون ذلك هي أن تنشئ مقطعا بتكنولوجيا التزييف العميق لتسجيلات الصوت والفيديو.
خلال حديثه في المهرجان، أوضح مارك وارنر، المؤسس المشارك لشركة فاكلتي ورئيسها التنفيذي، أن برامج "التزييف العميق" تصنع عادة باستخدام تقنية تعلم الآلة المعروفة باسم شبكات الخصومة التوليدية (GANS).
هذه المنهجية تجمع بين مولد حاسوبي يتعلم كيف ينشئ ناتجا محددا وأداة تمييز، تتعلم كيف تميز بين الناتج الحقيقي والمزيف.
عندما يكافح أحدهم ليخدع الطرف الآخر، ويحاول الطرف الآخر ألا يتم خداعه، يصبح المحتوى أكثر واقعية.
توقع وارنر بأنه في غضون ثلاثة أعوام، لن يكون ممكنا تمييز الفيديوهات المزيفة ببرامج التزييف العميق عن الفيديوهات الحقيقية.
لقد أثارت هذه التوقعات شيئا من الذعر الأخلاقي بين صناع السياسة.
كيف يمكننا إيقاف هذا التطور الخطير الداهم في لعبة التضليل؟ ماذا سيحدث لو تم نشر مقطع فيديو مزيف ببرامج "التزييف العميق" للرئيس، وهو يعلن الحرب على كوريا الشمالية؟
أو كيف سيكون رد فعل الأسواق المالية تجاه مؤسس شركة فيسبوك، مارك زوكربيرج، وهو يعلن أنه سيقدم عرضا لشراء منصة "سناب" المنافسة؟
بدأت تظهر ثلاثة أنواع من الاستجابات: قانونية، وتكنولوجية، ومجتمعية.
كانت كاليفورنيا في مقدمة الولايات التي أخذت التهديد على محمل الجد، بما يكفي لسن قانونين يهدفان إلى مكافحة برامج "التزييف العميق".
القانون الأول ينص على أن من غير القانوني نشر مقاطع فيديو مزيفة للسياسيين خلال شهرين من الانتخابات، وهي خطوة انتقدها بعض ناشطي حرية التعبير.
القانون الثاني يمكن الأفراد من رفع دعوى إذا تم استخدام صورتهم على موقع إباحي دون موافقتهم.
كشف تقرير حديث صادر عن "ديب ترايس"، وهي شركة ناشئة في مجال الأمن السيبراني أن 96 في المائة من 15 ألف مقطع من مقاطع الفيديو المزيفة تم اكتشافها عبر الإنترنت، كانت فيديوهات إباحية مزيفة.
هناك تجربة مروعة لممثلة كانت ضحية آلاف من مقاطع الفيديو المزيفة، تدعم الحجة القائلة بأنه يجب تجريم مثل هذا النشاط.
تعمل شركات التكنولوجيا الكبرى أيضا على حلول تكنولوجية لمشكلة التزييف العميق، كما رأينا مع شبكات الخصومة التوليدية، كلما كان الدفاع أفضل زاد ذكاء الجرم.
يجب على شركات التكنولوجيا بالتأكيد أن تفعل كل ما في وسعها للإبلاغ عن مقاطع الفيديو المزيفة والقضاء عليها. بيد أن تحديد مقاطع الفيديو المزيفة والتحقق منها وكشف زيفها، من المرجح أن يثبت أنه تحد لا يمكن التغلب عليه، نظرا لسرعة التطور التكنولوجي وحجم المحتوى الذي يتم تحميله.
يتم مشاهدة نحو خمسة مليارات مقطع فيديو على "يوتيوب" يوميا.
يبدو أن الاستجابة المجتمعية هي الأكثر غموضا، لكنها قد تثبت أنها الأكثر فاعلية: تثقيف المجتمع حول طبيعة هذه التكنولوجيا، يمكن المستخدمين من أن يصبحوا أكثر قدرة على التمييز.
في مؤتمر عقد من قبل "فريق الرؤى السلوكية" في بريطانيا اقترح علماء الاجتماع طرقا مختلفة لمكافحة "التزييف العميق" والتضليل.
ضمن أكثر الأفكار إثارة للاهتمام، جاءت فكرة من ساندر فان دير ليندن، عالم نفسي في جامعة كامبريدج.
بحجة أن الوقاية هي دائما أفضل من العلاج، قال إنه من الممكن تحصين الناس ضد "التزييف العميق" من خلال تعزيز "الأجسام المضادة في عقولهم"، ومساعدة المجتمع على بناء "مناعة القطيع" ضد التضليل.
من أفضل الطرق لفعل ذلك تمكين المستخدمين من إنشاء أخبار مزيفة باستخدام ألعاب الإنترنت المختلفة، مثل التعرف على كيفية عملها.
قال فان دير ليندن: "إذا ذهبت لمشاهدة عروض سحرية، فستنخدع للمرة الأولى، لكن عندما يتمكن الناس من فعل الخدعة بأنفسهم، فسيعرفون كيف تم ذلك.
النظرية تقول إن من السهل الكشف المسبق للتضليل قبل أن ينتشر أكثر، من كشف حقيقته بمجرد أن يترسخ.
إنها فكرة رائعة لكن الخطر يكمن في أنها قد تؤدي إلى تفاقم مشكلة معلومات من نوع مختلف.
يخشى بعض الناشطين من أن الخطر الأكبر الذي تشكله برامج التزييف العميق، لا يتمثل في تمويه المقطع المزيف بأنه حقيقي فحسب، بل في تقويض مصداقية جميع الفيديوهات الحقيقية أيضا.
كم سيمر من الوقت قبل أن يبدأ ترمب باستنكار الأخبار المزيفة؟

الأكثر قراءة