البنك المركزي الأوروبي يقف على منحدر زلق

البنك المركزي الأوروبي يقف على منحدر زلق

الهجوم الاستثنائي من ستة من المسؤولين البارزين السابقين في البنوك المركزية الأوروبية ضد السياسة النقدية الفضفاضة جدا للبنك المركزي الأوروبي في وقت سابق هذا الشهر، من السهل جدا رفضه باعتباره عمل متشددين متعبين يحمون مصالح الأثرياء في أوروبا الشمالية.
مخاوفهم من أن وراء قرار البنك المركزي الأوروبي تجديد شراء الأصول "تكمن نية لحماية الحكومات المثقلة بالديون من ارتفاع أسعار الفائدة" لديها بعض المبررات.
تيار الرأي العام في أوروبا وأماكن أخرى يتجه نحو اعتماد التمويل النقدي - تمويل البنك المركزي المباشر للدين الحكومي - في ظل خلفية من الشعبوية المتزايدة وتباطؤ الاقتصاد العالمي. وهذا يثير أسئلة صعبة، لأسباب ليس أقلها أن المسار المستقبلي لمشروع الاتحاد الاقتصادي والنقدي الذي يمتد لـ20 عاما يعاني عدم اليقين في الاتحاد الأوروبي ما بعد "بريكست".
في مؤتمر عقد الشهر الماضي، وصف أوتمار إيسينج (83 عاما)، كبير الاقتصاديين في البنك المركزي الأوروبي وأحد مؤلفي المذكرة الانتقادية، منطقة اليورو بأنها منقسمة إلى معسكرين.
في المعسكر الأول الأشخاص الذين يشعرون أن "بريكست" دليل على أن المركزية والبيروقراطية في الاتحاد الأوروبي تجاوزتا الحد، وسيكون من الأفضل الحفاظ على بعض المسافة بين الدول الأعضاء. في المعسكر الآخر يوجد أولئك الذين يدعون أن "بريكست" يظهر أن التكامل لم يتم بالقدر الكامل، خاصة فيما يتعلق بالتحويلات المالية لمعالجة اختلالات الاقتصاد الكلي في منطقة اليورو.
من الواضح أن المفوضية الأوروبية الجديدة تنتمي إلى المعسكر الأخير، مع تأييد أورسولا فون دير لين الرئيسة المنتخبة، لنظام التأمين ضد البطالة على مستوى الاتحاد الأوروبي.
كريستين لاجارد، التي ستحل خليفة لماريو دراجي في رئاسة البنك المركزي الأوروبي الشهر المقبل، هي بالمثل مؤيدة للتكامل. وتفضل جمع سندات البلدان الأعضاء معا لإنشاء أصول آمنة على نطاق منطقة اليورو.
بالنسبة لإيسينج، ستكون مثل هذه التحويلات جيدة داخل اتحاد سياسي. لكن بما أن الاتحاد السياسي غير موجود، فإنه يشعر بالقلق من أن تكون هناك محاولات لإجراء تحويلات من الباب الخلفي، من خلال طمس المسؤولية عن السياسة المالية والنقدية بطرق تتجاوز حظر معاهدة ماستريخت عام 1992 للتمويل النقدي.
في مذكرتهم، يخلص إيسينج وزملاؤه إلى أن البنك المركزي الأوروبي يتعرض لخطر إنهاء سيطرته على إيجاد الأموال وأن استقلالية البنك المركزي في خطر، سواء بموجب القانون أو الممارسة.
تمويل البنك المركزي المباشر للإنفاق الحكومي خيار سياسي مغر عندما يكون هناك طلب ضعيف، كما هو الحال في منطقة اليورو. والأمر أكثر جاذبية عندما تفقد الأدوات النقدية التقليدية قوتها ويفشل البنك المركزي في بلوغ هدف التضخم.
مع ذلك، تسييل الديون، الذي من خلاله يشتري البنك المركزي سندات حكومية صدرت حديثا، لا يتناسب مع المصرفية المركزية المستقلة لأنه يتطلب تعاونا واضحا بين السلطات المالية والنقدية.
الميزة الكبرى للتمويل النقدي تتمثل في أنه أكثر توسعية من التسهيل الكمي - شراء الأصول الذي انخرطت فيه البنوك المركزية الكبيرة منذ الأزمة المالية في عام 2008 - لأنه لا يجعل هناك مطالب على المدخرين من القطاع الخاص. إذا تم استخدام هذا التمويل على وجه التحديد لتقليل الفجوات في الإنتاج، أو زيادة الاستثمار فلا ينبغي أن يؤدي ذلك إلى تضخم جامح.
العقبة هي الخطر الأخلاقي. إذا تمكنت الحكومات من تمويل عجز الميزانية من خلال بيع سنداتها للبنوك المركزية بدلا من المستثمرين من القطاع الخاص، فإن هذا يعيق انضباط سوق السندات. ونتيجة لذلك تمهد الطريق في كثير من الأحيان للتضخم الجامح.
كان هذا هو الحال في جمهورية فايمار في العشرينيات من القرن الماضي، حين وصل معدل التضخم الشهري في ألمانيا إلى ذروه بلغت 29500 في المائة، بناء على حسابات الاقتصاديين ستيف هانكي ونيكولاس كروس. في الثلاثينيات من القرن الماضي كانت الصورة أكثر تباينا في اليابان. بعد التخلي عن معيار الذهب في عام 1931 ضغط كوريكو تاكاهاشي، وزير المالية، وهو محافظ سابق لبنك اليابان، على البنك المركزي كي يضمن بشكل مباشر إصدار وثائق الدين الحكومية. كانت السياسة ناجحة في البداية في التغلب على الانكماش. لكن بعد اغتيال تاكاهاشي على يد متعصبين عسكريين، تم تمديد السياسة دون قيود، ما سمح للعجز المالي بأن يكون جامحا وأن يخرج التضخم عن السيطرة.
في الفترات الأخيرة، أعقب التمويل النقدي تضخم جامح في زيمبابوي في عهد روبرت موجابي، وفي فنزويلا في عهد نيكولاس مادورو.
لكن مثل هذه النتائج ليست حتمية. رسل جونز وجون لويلين، من شركة لويلين للاستشارات، يشيران إلى أن التمويل النقدي يمكن أن يكون خيارا سياسيا قابلا للتطبيق، إذا كانت هناك ضوابط وتوازنات مؤسسية قوية. يتمثل أحد الخيارات في وضع قرار متابعة تسييل الديون بين يدي لجنة تقرير السياسة في البنك المركزي، أو سلطة مالية مستقلة، أو مزيج من الاثنين. قد يكون الخيار الآخر هو حصر الإجراء على مبلغ معين خلال فترة محددة.
مع ذلك، وكما يوحي التاريخ، هذه الخطة النقدية لطالما كانت من الممنوعات في صنع السياسة الاقتصادية لسبب وجيه. قد يكون مؤلفو المذكرة شديدة اللهجة الأسبوع الماضي، حول النهج النقدي للبنك المركزي الأوروبي، من كبار السن - لكن ليسوا كبارا جدا لدرجة يتعذر عليهم معها التعرف على منحدر زلق عندما يرون واحدا.

الأكثر قراءة