تعظيم صناعة إعادة التدوير بإزالة «دوامة النفايات الكبرى»

تعظيم صناعة إعادة التدوير بإزالة «دوامة النفايات الكبرى»

بحلول عام 2050، ستجول طائرات مسيرة بحجم السفن في المحيطات لجمع النفايات البلاستيكية، وجمع المخلفات بالطريقة نفسها التي يلتهم بها "رومبا"، وهو روبوت مكنسة كهربائية، شعر الكلاب في غرف المعيشة.
هذا الواقع، الذي يبدو للوهلة الأولى بعيد المنال، بدأ يتشكل بالفعل الآن. "ذا أوشن كلين-أب"، وهي شركة ناشئة هولندية صغيرة تهدف إلى تخليص محيطات العالم من البلاستيك، أنهت أخيرا تجربة استغرقت ستة أسابيع، استخدمت فيها مظلة هبوط عملاقة لجمع النفايات من "دوامة النفايات الكبرى في المحيط الهادئ".
الدوامة مساحة تحوي نحو 80 ألف طن من المخلفات البلاستيكية، بما يمثل ثلاثة أضعاف حجم فرنسا.
غير أن خطر مثل هذه الرؤية هو اعتماد المستهلكين على التكنولوجيا لإنقاذ الكوكب، في حين أن الجواب الأكثر وضوحا هو استهلاك كميات أقل من السلع والخدمات، وفي المقابل الإكثار من إعادة استخدامها عبر تعظيم إعادة التدوير.
جورج ليونارد، كبير العلماء في منظمة الحفاظ على المحيطات، وهي مجموعة بيئية مقرها واشنطن، يقول: "الحل الحقيقي لذلك يكمن في بر اليابسة لا في المحيطات".
المنظمة تقدر أن ثمانية ملايين طن من البلاستيك تتدفق من اليابسة إلى المحيط كل عام. وهذا يعادل شاحنة جمع قمامة في مدينة نيويورك مملوءة بالبلاستيك، تتخلص من محتوياتها في المحيط كل دقيقة، طوال عام.
علاوة على ذلك، لا يمكن إعادة تدوير كل نفايات المحيط هذه. "مخلفات البلاستيك التي جمعتها لا تتم إعادتها بأعجوبة إلى منتجات قابلة للاستخدام. معظمها متحلل ومفتت. ليس بوسعك استغلالها على نحو كبير: إما أن تدفنها في مكب النفايات أو أن تحرقها"، بحسب ليونارد.
مع هذه الإحصاءات الصارخة، يبدو من غير المرجح أن يقودنا مسارنا البيئي إلى حالة مثالية بحلول عام 2050. على أن هذا ربما يتغير مع حرص المستهلكين والشركات على اتخاذ إجراءات في هذا الشأن.
"لقد زادت فرص الحكومات والأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص في اتخاذ إجراءات حيال إعادة التدوير في العامين الماضيين"، حسبما ذكر دان هلفريتش، الرئيس التنفيذي لشركة ديلويت للاستشارات، مضيفا: "هذا يعطيني الثقة، فالمحادثة تحولت من قضية ناشط محدودة إلى قضية ذات أهمية رئيسة، وعندما يحدث ذلك يتباطأ الخطاب وتتسارع الإجراءات".
"الآيفون" إحدى أكثر المواد الاستهلاكية شيوعا على الإطلاق، يعد مثالا على كيفية استجابة الأعمال للمطالبات.
"التحسن الأكبر" الذي أدخلته "أبل" على الهاتف الذكي منذ عام 2007 ليس جودة الكاميرا، أو سرعة المعالج، أو أي ميزة أخرى.
بل بالأحرى، كانت الميزة هي "إعادة استخدام المواد والتصنيع ذي الحلقة المغلقة، وهو ما لم يفكر فيه حتى المهندسون العباقرة الذين ابتكروا أول هاتف آيفون"، حسبما تقول ليزا جاكسون، نائبة رئيس قسم البيئة والمبادرات الاجتماعية في شركة أبل لـ"فاينانشيال تايمز". التصنيع ذو الحلقة المغلقة، حيث الصناعة تعيد استخدام المواد بشكل متكرر للحفاظ على الموارد وتخفيض انبعاثات الكربون، يكتسب زخما. بحلول عام 2050، ربما يكون "الاقتصاد الدائري" أو التدويري - الذي تتم فيه إعادة استخدام المنتجات والمواد بدلا من التخلص منها - أمرا طبيعيا إلى درجة لا تتطلب معها صناعة الإلكترونيات الاستهلاكية أي تعدين. في العام الماضي، كشفت شركة أبل النقاب عن "ديزي"، وهو روبوت يمكنه تفكيك 200 جهاز آيفون في الساعة، لاسترداد قطعها وإعادة استخدامها.
في "آيفون 11"، استخدمت "أبل" عناصر أرضية نادرة معاد تدويرها - مجموعة من 17 معدنا تستخدم على نطاق واسع في الإلكترونيات، لكن تعدينها ومعالجتها يستهلكان الكربون بكثافة على نحو خاص - لبناء محرك "تابتيك"، الذي يمكن شاشة الجهاز من محاكاة الضغط على زر واحد.
الجدير بالذكر، أن فكرة إعادة تدوير العناصر الأرضية النادرة في المنتجات الاستهلاكية الراقية تم رفضها كونها غير واقعية قبل بضع سنوات، إلا أن شركة أبل "الكلاسيكية" هي التي كسرت القاعدة تلك، على حد تعبير جاكسون، الرئيسة السابقة لوكالة حماية البيئة الأمريكية.
وتضيف: "يشعر موظفونا بالإثارة عندما يتم إخبارنا بأن شيئا ما غير ممكن".
بحلول 2050، من شأن التقدم الإضافي في إعادة التدوير أن يجعل من الممكن تصنيع أجهزة الكمبيوتر بالكامل، من قطع وأجزاء معاد تدويرها - بما في ذلك الرقائق الدقيقة التي تتطلب مستوى نقاء عاليا، حسبما يقول ديفيد لير، نائب رئيس قسم الاستدامة في شركة ديل. ويضيف: "نحن نصمم منتجاتنا مدركين أننا سنستعيدها يوما ما. وسأكون قادرا على سحب مواد من صناعات أخرى أيضا. لذلك نحن لسنا بحاجة إلى حفر أي ثقوب أخرى، أو معالجة مزيد من أنواع الوقود الأحفوري أو البلاستيك أو المعادن أو الألمنيوم".
شركة ديل، بدورها، تحرز تقدما بالفعل، وإن كان على نطاق صغير.
في العام الماضي، اشتركت مجموعة الكمبيوتر والبرمجيات التي مقرها تكساس في شراكة مع رواد الأعمال في الهند، للبدء في صنع "حبر مستخلص من التلوث" عن طريق التقاط أبخرة عوادم الديزل من المولدات - أحد أكبر الملوثات في البلاد. ثم تحول ذلك إلى حبر لتغليفه.
بالنسبة إلى عديد من العلامات التجارية، فإن استحداث سلسلة إمداد أكثر استدامة ربما يكون أكثر تكلفة.
في الوقت الحالي، على سبيل المثال، يمكن للشركات توفير المال باستخدام أكياس بلاستيكية أقل تكلفة، وتعد أرخص فحسب – على الرغم من ذلك – لأنه ما من أحد يدفع ثمن نهاية دورة الحياة، على حد قول دانييل أوروس، صاحب شركة رأسمال مغامر.
غالبا ما ينتهي المطاف بالكيس البلاستيكي في المحيط - ما يوجد مشكلة مطلقة ذات عواقب غالية الثمن.
بريندا هايما أرجونا، رئيسة فرع آسيا في شركة فيرست مايل الناشئة لجمع المواد البلاستيكية من المجتمعات الفقيرة، وتحويلها إلى مواد تستخدم لإنتاج سلع راقية، تذكر أن الحوافز التجارية يمكن أن تتغير إذا توقف المستهلكون عن التفكير في التكاليف بالمعنى الأضيق، وبدلا من ذلك التركيز على الحلول المستدامة.
وأضافت: "هذا هو السبيل الوحيد للمضي قدما، إذ يجب أن يكون الناس على استعداد لإنفاق المزيد على سلعة ما، إما لأنه قد تمت إعادة تدويرها، وإما لأنهم يعرفون أنها تحتوي على أجزاء قابلة للاستبدال".

الأكثر قراءة