FINANCIAL TIMES

جونسون ينتقل إلى بيع التفاؤل بنجاح «بريكست» .. بالمجان

جونسون ينتقل إلى بيع التفاؤل بنجاح «بريكست» .. بالمجان

جونسون ينتقل إلى بيع التفاؤل بنجاح «بريكست» .. بالمجان

كان أحد أيام تموز (يوليو) الماضي الأكثر حرا في بريطانيا على الإطلاق، حتى إن أعضاء من حزب المحافظين في البرلمان، قد عمدوا إلى تهوية أنفسهم بأوراق الطلبات، عندما عانى نظام تكييف الهواء في مجلس العموم، من أجل التكيف مع وضع الارتفاع غير المعهود في درجات الحرارة.
على أن درجات الحرارة قد "اشتعلت" أكثر من ذلك بكثير، عندما وصل بوريس جونسون، زعيم حزب المحافظين المنتخب حديثا، وبالتالي رئيس الوزراء المعين في المنصب، إلى مركز صنع السياسة البريطانية، أي مجلس العموم.

المهمة الأولى والمحددة
"مهمتنا هي تحقيق بريكست في 31 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، بهدف توحيد وتنشيط مملكتنا المتحدة العظيمة، وجعل هذا البلد أعظم مكان على الأرض"، هكذا تحدث رئيس الوزراء الجديد في أول مخاطبة له للبرلمان العريق.
جونسون لم يكتف بذلك، بل عمد إلى أن يرسم صورة لأرض متناغمة وحرة، تنعم بنطاق عريض عالي السرعة، وطائرات كهربائية ومحاصيل خالية من الآفات.
على أن تحقق كل ذلك، يصبح ممكنا، لو كان بالإمكان تحقيق "بريكست".
صحيح أن جونسون مشهور بافتقاره إلى الانضباط، إلا أنه خلال 24 ساعة من توليه منصب رئيس الوزراء، كان قد حدد اثنتين من العلامات الحاسمة التي ستشكل السياسة البريطانية في المستقبل، مع اقتراب الموعد النهائي لمغادرة الاتحاد الأوروبي.
الأولى هي أن حزب المحافظين أصبح الآن بلا مواربة حزب "بريكست".
تم دفع المعارضين إلى الهامش. وبالنسبة إلى كثيرين في بروكسل، يبدو واضحا أيضا أن جونسون قد اختار طريق المواجهة بدلا من التسوية.
النتيجة هي أن انتخابات عامة جديدة، التي بدا أن كثيرا من المحافظين كانوا مستميتين لتجنبها بعد هزيمتهم في الانتخابات الأوروبية في أيار (مايو) الماضي، قد أصبح إجراؤها الآن احتمالا حقيقيا في الخريف الذي يدق على الأبواب، في فترة تقل عن ستة أشهر، على أي حال.
كيث سمبسون، عضو البرلمان المخضرم من حزب المحافظين، يقول عن جونسون، "من الواضح أنه يضع كل شيء في وضع حالة حرب".
خلال المسابقة على قيادة حزب المحافظين، تم اتهام جونسون من قبل المنافس جيرمي هنت "بنشر التفاؤل".
بحلول الوقت الذي وصل فيه إلى داونينج ستريت، كان رئيس الوزراء يبيع التفاؤل بكميات كبيرة، محاولا بكل تأكيد دفع حزبه إلى أن ينسى ثلاثة أعوام من المعاناة السياسية تحملها تحت حكم تيريزا ماي، التي تم تحديد فترة رئاستها وخنقها ببطء، من قبل "بريكست".
جونسون لديه خطة "بريكست" بديلة. إنها تتضمن كثيرا من "الشجاعة" - وهي كلمة بريطانية تستحضر دانكيرك ومعركة روركسدرفت - لكنها لا تتضمن كثيرا من التفاصيل.

مذبحة سياسية بالإقالة والاستقالة
كان مجيء عصر جونسون بمنزلة تغيير كبير في الاتجاه السياسي. في غضون ساعات من مصافحة الملكة في قصر باكنجهام، كان جونسون قد أكمل الجولة الأكثر شمولا من المجازر السياسية في الأعوام الأخيرة، تمت إقالة 15 وزيرا من حكومة السيدة تيريزا ماي، وهناك من استقالوا وقيل إن هناك من "استقيلوا" لتفادي سقوط الفأس في الرأس.
تم الكشف بسرعة عن طبيعة إدارة جونسون الجديدة. بشكل أساسي، كانت بمنزلة استيلاء على الحكومة من قبل حملة التصويت للمغادرة في عام 2016، فريق من المؤمنين الحقيقيين بـ"بريكست"، وهبوا أنفسهم لمهمة مزدوجة لتحقيق تلك الغاية بحلول 31 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، ومن ثم تحويل مهاراتهم في تنظيم الحملات لمصلحة هدف الفوز بانتخابات عامة يتوقع عقدها الآن، معظم أعضاء البرلمان من حزب المحافظين في غضون أشهر.
جونسون عين دومينيك راب وزيرا للخارجية. الرجل كان وزيرا سابقا مكلفا بمهمة تحقيق "بريكست"، وسبق له أن اقترح تعليق البرلمان لمنع أعضاء البرلمان من وقف الخروج دون صفقة.
كما عين مايكل جوف، قائد حملة التصويت من أجل المغادرة، مقررا لتنسيق تخطيط الخروج دون صفقة، بما في ذلك توظيف معلومات عامة لإعداد البلاد لخروج من الاتحاد من على حافة الهاوية.
أما بريتي باتل، وهي مؤيدة للمغادرة فضلت فيما مضى إعادة عقوبة الإعدام، ففازت بحقيبة وزارة الداخلية.
في الوقت نفسه، يوجد في الغرفة الخلفية دومينيك كامينجز – الذي وصفه رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون بأنه "مهووس مهنيا"، الذي كان العقل المدبر لحملة التصويت للمغادرة – على رأس فريق صحافي تم تشكيله في خضم معركة الاستفتاء في عام 2016.

الخروج من الاتحاد في الموعد أو الطوفان
أصر جونسون هذا الأسبوع على أنه "يفضل كثيرا" إبرام صفقة مع بقية الاتحاد الأوروبي لضمان انفصال سلسل ومتناغم، لكنه حذر من أن عدم المغادرة في 31 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل "مهما كانت الظروف"، من شأنه أن يتسبب في "فقدان كارثي للثقة بنظامنا السياسي".
احتمالات قيام جونسون بتأمين صفقة، بحسب ظاهر الأمر، لا تبشر بخير، فهو يريد تمزيق معاهدة الانسحاب المكونة من 585 صفحة تفاوضت عليها السيدة ماي، مع الاتحاد الأوروبي في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.
على أن "إلغاء" خطة الدعم للحدود الإيرلندية، بند تأمين من شأنه رؤية كامل المملكة المتحدة ضمن اتحاد جمركي "مؤقت" مع الاتحاد الأوروبي، لضمان عدم إجراء تفتيش فعلي على الحدود.
جونسون سيكون سعيدا بالتحدث إلى الاتحاد الأوروبي "على هذا الأساس" حول صفقة منقحة.
أما إذا ما رفضت بروكسل ذلك، فسيخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون صفقة، ضاربا عرض الحائط بتسوية انفصال بقيمة 39 مليار جنيه، وافقت السيدة ماي على دفعها إلى الاتحاد الأوروبي.
كانت استجابة بروكسل قصيرة وحادة. جون كلود يونكر، رئيس المفوضية الأوروبية، وافق على تبادل أرقام الهواتف مع جونسون، لكنه أشار إلى أنه لا يوجد داع لإجراء اتصال معه، ما لم يتغير النهج.
يونكر، الذي رفض بأدب اقتراح جونسون لإجراء محادثة في منتصف الليل، قال إن اتفاقية الانسحاب هي "الأفضل والوحيدة الممكنة".
ميشيل بارنييه، كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي بشأن "بريكست"، قال للدول الأعضاء الـ27 الباقية إن جونسون "المشاكس" قدم طلبات "غير مقبولة".
قبل أن يصبح رئيسا للوزراء، جسد جونسون أسوأ كوابيس الاتحاد الأوروبي، وأعظم آمال تحقيق "بريكست" سلس.
في حين أن بعض الأوروبيين وافقوا بسهولة على وجهة نظر الرئيس الأمريكي أنه "ترمب بريطاني"، شعبوي أنيق يروج لأفكار خطيرة، إلا أن آخرين رأوا أيضا إمكانية كبيرة في موهبة جونسون في الكيمياء السياسية.
"بوريس يستطيع فعل أي شيء"، كما يقول أحد كبار المسؤولين الفرنسيين، متحدثا في الأسابيع التي سبقت توليه المنصب. "بطريقة ما، قد يكون من الأسهل التعامل معه".
سجل جونسون بالتقلب بشأن القضايا – على سبيل المثال، التخلي بهدوء عن وعده "بالاستلقاء أمام الجرافات" لوقف توسيع مطار هيثرو في لندن – يشير إلى أنه قد يكون عرضة لقبول المساومة.
مقارنة بتسيبراس؟ أم حصر الخطة على إيرلندا الشمالية؟
عقدت مقارنات بين جونسون وبين أليكسيس تسيبراس، رئيس الوزراء اليوناني اليساري السابق، الذي دعا إلى استفتاء جريء فاز به، لكنه قبل الاستسلام إلى شروط الإنقاذ نفسها، لاحقا.
وأشار أحد كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي إلى "الخدعة الأخيرة" The Last Bluff، وهو عنوان لكتاب صدر أخيرا عن الملحمة اليونانية.
الاستعدادات جارية في بروكسل لتجديد اتفاقية الانسحاب التي تفاوضت عليها ماي لجعلها أكثر قبولا لمؤيدي "بريكست".
كما أن التسويات الأساسية لصفقة الخروج ستبقى، وإن في شكل معاد هندسته. لقد كانت طريقا ضيقا بشكل مؤلم إلا أنه غير مستحيل لإتمام "الصفقة الجديدة" التي طلبها جونسون.
الرؤية الأساسية كانت إعادة النظر في نسخة خطة الدعم الإيرلندية التي أيدها الاتحاد الأوروبي أول مرة، لتنطبق على إيرلندا الشمالية فقط، بدلا من اقتصاد بريطانيا، بأكمله. الخيارات الأخرى لتجنب خطة الدعم التي تم استخدامها سيتم التأكيد عليها بشكل أوضح.
كما تصور المفاوضون أيضا بعض التعديلات على "خطة الدعم الهزيلة" هذه لجعلها أكثر ملاءمة لجونسون.
يمكن التخفيف من السلطة القضائية المباشرة لمحكمة العدل الأوروبية على إيرلندا الشمالية، على سبيل المثال، وهو تنازل لم يطلبه فريق ماي.
مع ذلك، فإن حالة اللبس لم تستمر لفترة طويلة. أسلوب جونسون الصارم أدى إلى استنتاج كثيرين في بروكسل أنه غير مهتم فعلا بمفاوضات جديدة وربما كان يهيئها للفشل، ما يمنحه ذريعة لإجراء انتخابات مبكرة.
ليو فارادكار، رئيس الوزراء الإيرلندي، قال إن تسويات جونسون "ليست في العالم الحقيقي".
حين ينظر إليها من بروكسل، فإن مناورة جونسون الافتتاحية بالكاد يمكنها محاصرته أكثر مما فعل. يقول دبلوماسي من الاتحاد الأوروبي: "إنه يغلق كل الأبواب".
يرى كثير من المسؤولين الآن نتيجة خروج دون صفقة بأنها السيناريو الأكثر احتمالا. الأكثر يأسا يعتقدون أن جونسون سيحاول الدعوة إلى إجراء انتخابات في أيلول (سبتمبر) المقبل، حتى يكون بالإمكان إجراء انتخابات في الأسبوع الذي يسبق اجتماع المجلس الأوروبي في 17 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل. إذا فاز جونسون، فلن يرى الاتحاد الأوروبي أي طريق للعودة.
سياسة حافة الهاوية، على أقل تقدير، أدت إلى تشديد العزم في العواصم الأوروبية. يسأل أحد كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي، "هل ترغب الدول الأعضاء بمكافأة محب ترمب في داونينج ستريت؟ هل هذا هو نوع السياسة التي يعتقدون أنه ينبغي أن تعد ناجحة؟ هل تكافئ الذين يصبحون مارقين"؟
يضيف المسؤول أن الاتحاد الأوروبي لديه "تسلسل هرمي للاهتمام": الأول هو الحفاظ على الذات بوجود اتحاد مستمر التطور. الثاني هو انسحاب منظم. إذا كان هناك تعارض بين الأول والثاني، فإننا نعطي الأولية للأول. معنى ذلك تقبل القادة حقيقة أن بريطانيا قد تغادر دون صفقة".
أي مصير ينتظر "ترمب البريطاني"؟ جونسون يعرف أخطار المساومة على "بريكست"، مناهضو الاتحاد الأوروبي، المخلصون له الآن، يمكن أن ينقلبوا ضده.
قال نايجل فاراج، رئيس حزب "بريكست"، في مقابلة مع "فاينانشيال تايمز" هذا الأسبوع، "المشكلة بالنسبة إلى المحافظين هي إن تمكن بوريس من التوصل إلى صفقة يعني أن عددا كبيرا منهم سيترك الحزب، وهذا من شأنه أن يشكل انفصالا تاريخيا. إذا توصل بوريس إلى صفقة مثل تيريزا ماي وأساء معالجة الأمور، فسأكون أسوأ عدو له. وفي هذه الظروف سأحاول أن يحل حزب "بريكست"، محل حزب المحافظين المعاصر"، أي أن يصبح حزبه هو حزب المحافظين الجديد.
إذا فشلت المحادثات في بروكسل، سيتعين على بوريس في هذه الحالة أن يواجه برلمانا أشار من قبل، إلى أنه سيبذل أقصى ما في وسعه لمنعه من الخروج من الاتحاد الأوروبي دون صفقة.
فيليب هاموند، وزير المالية السابق، يقود المقاومة ضمن حزب المحافظين، ولدى جونسون كثير من الأعداء الجدد، في أعقاب التغيير الوزاري الشرس الذي أجراه. في هذه الظروف، ربما يضطر جونسون إلى الذهاب إلى البلاد ليعرض أقسى أنواع "بريكست"، على أمل تحييد فاراج، الذي تفوق حزبه في الانتخابات الأوروبية.
وحيث إن حزب العمال المعارض مستضعف في ظل قيادة جيرمي كوربين، فيما يعد حزب الديمقراطيين المؤيد للاتحاد الأوروبي في حالة صعود، يعتقد حلفاء جونسون أنه يمكن أن يقسم المعارضة من جديد، وليعود إلى وستمنستر ظافرا بالأغلبية التي يحتاجها لإكمال عمل "بريكست".
من شأن ذلك أن يكون استراتيجية محفوفة بمخاطر كبيرة. إذا أخفق في ذلك، فمن الممكن أن يخرج جونسون من رئاسة الوزراء قبل نهاية عام 2019، وسيكون مجرد هامش في التاريخ، برصه ضمن أكثر رؤساء الوزراء الكارثيين، وأقصرهم خدمة في بريطانيا.
أخذ الرجل يتغنى وهو على درجات 10 داوننيج ستريت قائلا: "المشككون، والمتشائمون، والسلبيون – سيتبين أنهم مخطئون مرة أخرى. كثير من نواب المحافظين، في الوقت الحاضر، يشعرون بالارتياح لأنهم في عطلة، ويعلقون التصديق، ويرجون أن يكون جونسون على حق".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES