FINANCIAL TIMES

موت «منحنى فيليبس» يجمع خصوما سياسيين عند المدفن

موت «منحنى فيليبس» يجمع خصوما سياسيين عند المدفن

"متنافر" كلمة لا تقترب حتى من تصوير التناغم المفاجئ بين مستشار السياسة الاقتصادية للرئيس دونالد ترمب ونجمة الجناح اليساري للحزب الديمقراطي.
قدم لاري كودلو، مدير المجلس الاقتصادي الوطني في البيت الأبيض، ثناء فياضا الأسبوع الماضي لألكساندريا أوكاسيو-كورتيز، عضوة الكونجرس الديمقراطية التي شكلت مصدر إلهام لمجموعة كبيرة من الأتباع بين صفوف الشباب وأولئك الأكثر يسارية في حزبها، بعد استجوابها لجاي باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، في الكونجرس.
سألت باول عن كيف يبدو أن منحنى فيليبس - العلاقة بين التضخم والبطالة - قد تلاشى بمرور الوقت. أكد باول أن هناك على الأغلب "دقات قلب ضعيفة" بسبب الضغوط التضخمية الناشئة عن أسواق العمل الشحيحة، التي تقاس بمعدلات البطالة التي ظلت فترة طويلة أدنى من المستويات "المستدامة" التي قدرها بنك الاحتياطي الفيدرالي. سمح ذلك لعضوة الكونجرس بأن تشير إلى أن السياسة النقدية الأكثر تحفيزا تعد آمنة اليوم أكثر مما كان يعتقد في الماضي.
كان كودلو فرحا. ذكر أنه قال بحماس "لقد فهمت الأمر بشكل صحيح"، وهنأها على أنها جعلت رئيس الاحتياطي الفيدرالي يؤكد "أن منحنى فيليبس قد مات". وتنبأ بأن "بنك الاحتياطي الفيدرالي سيخفض أسعار الفائدة" وأعرب عن رغبته في مناقشة السياسة معها قريبا.
سيكون أمرا فظا عدم تقبل فتات المجاملة هذا في بيئة سياسية عادة لا تقدم أي شيء غير ذلك. في إشارة واضحة، لكن غير صحيحة، لأوكاسيو-كورتيز، وهي مواطنة مولودة في الولايات المتحدة، قال ترمب في تغريدة على موقع تويتر الأسبوع الماضي إن "عضوات الكونجرس الديمقراطيات التقدميات يجب أن يعدن ويساعدن على إصلاح الأماكن الموبوءة بالجريمة والمحطمة تماما من حيث جئن".
مع ذلك، التفاهم بين الجمهوريين من أنصار ترمب والديمقراطيين من أنصار أوكاسيو-كورتيز بشأن سياسة اقتصاد كلي أكثر حمائمية قد يكون أروع من أن يصدق. أي تقارب بينهما حول اتجاه السياسة يهدد بالاستناد إلى نظريات متباينة بشدة حول كيفية عمل الاقتصاد، وربما كلاهما على خطأ.
كودلو جزء من كهنوت نظرية اقتصاديات جانب العرض - فكرة أن العجز الناجم عن التخفيضات الضريبية لا يهم، لأن النمو الإضافي الذي سيحدث سيعوض الإيرادات المفقودة. أصبحت النظرية مؤثرة لأول مرة في الثمانينيات عندما تم استخدامها لتبرير التخفيضات الضريبية الضخمة التي اعتمدها رونالد ريجان، وكانت مرتبطة بمنحنى "آرت لافر" الذي يوضح كيف أن الضرائب المنخفضة من المفترض أن تعني زيادة الدخل الضريبي. منذ ذلك الحين كانت النظرية تظهر مجددا كلما استعاد الجمهوريون البيت الأبيض: منح ترمب وسام الحرية الرئاسي للافر في وقت مبكر هذا العام.
مع ذلك، في كل مرة يتم تطبيقها، لا يبدي أنصار جانب العرض قلقا كبيرا عندما لا يتم تأكيد التنبؤ بزيادة إيرادات الضرائب. قال ديك تشيني في عام 2002، إن ريجان أثبت أن الناخبين لن يعاقبوا الجمهوريين في السلطة عن العجز الذي يدينونه في المعارضة. بالنسبة لكودلو، جاذبية موت منحنى فيليبس من المفترض أن تكون هي المعنى الضمني بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي يمكن أن ينعش الاقتصاد حتى حين تبدأ تخفيضات الضرائب التي أقرها ترمب في إلقاء ثقلها على المالية العامة.
في المقابل، أوكاسيو-كورتيز حذرة في عرضها للنظريات الاقتصادية. فهي لم تبين أفكارها بصورة مفصلة حول سبب ضعف منحنى فيليبس وما الذي يعنيه هذا بالضبط للسياسة. على وجه الخصوص، لم تتوصل إلى نتيجة ضمنية لمصلحة عجز أكبر في المالية العامة، على عكس موقفها المحافظ تماما في المالية العامة بخصوص تمويل زيادات الإنفاق العام من خلال ضرائب أعلى.
لكنها وافقت على تحليل غريب آخر للاقتصاد. النظرية النقدية الحديثة، التي قالت أوكاسيو-كورتيز إنها يجب أن تكون "جزءا من حديثنا"، تتشارك مع أنصار جانب العرض وجهة نظر مفادها أن العجز العام والديون لا يجب أن يشكلا قيدا على ميزانيات الحكومة ما دام التضخم ساكنا - على الرغم من رغبة أنصار النظرية النقدية الحديثة في إلغاء تقييد الإنفاق المرتفع بدلا من التخفيضات الضريبية.
هذه النظرة أيضا مبنية على أسس غامضة، بما في ذلك فكرة أن الحكومة توفر المال عندما تنفق "في الواقع يتم توفير معظم الأموال عندما تصدر المصارف الخاصة قروضا عن طريق حسابات ودائع العملاء" وبالتالي لا تحتاج إلى تمويل عجزها من خلال الاقتراض.
السبب وراء النظر إلى كل من نظرية اقتصادات جانب العرض والنظرية النقدية الحديثة بشك هو أنهما تبدوان في كثير من الأحيان كما لو أنهما تتجاهلان وجود قيود حقيقية على الموارد في الاقتصاد. وبدلا من ذلك، إذا كان كل ما يقصدان قوله هو إن سياسة الاقتصاد الكلي يجب أن تحفز النشاط الاقتصادي حتى نستنفد أي موارد غير مستخدمة، فلا يوجد خلاف مع النظرية الكينزية المعيارية - من المفترض أن يوافق باول على ذلك - لكن ليست هناك حاجة أيضا إلى نظرية بديلة. بدلا من ذلك، المفتاح هو تحديد متى يستخدم الاقتصاد موارده بالكامل - الأمر الذي استهان به صناع السياسة بشكل سيئ أخيرا، وليس فقط في الولايات المتحدة.
تماما مثلما أن خطأين لا يشكلان أمرا صحيحا، كذلك فإن نظريتين مشعوذتين في العادة لا تؤديان إلى نتيجة سليمة. لكن إذا كان الوفاق بين كودلو وأوكاسيو كورتيز - حتى على أسس متضاربة ومشكوك فيها – يروج لوجهة النظر التي تقول إن الولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات يمكن أن تتقبل مزيدا من الحوافز، فيجب أن نعدها عملية صنع سياسات مستنيرة وفقا لمعايير اليوم.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES