FINANCIAL TIMES

خط رفيع يفصل بين الحظ والقرار السديد

خط رفيع يفصل بين الحظ والقرار السديد

لم تكن الأعوام القليلة الماضية رائعة بالنسبة لنيل "وودفورد" - كان الأمر تعسا بالمثل بالنسبة للأشخاص الذين أودعوا المال في صناديقه الاستثمارية. من المحتمل أن "وودفورد" كان منتقي الأسهم الأكثر شهرة في المملكة المتحدة، لكن في الآونة الأخيرة كانت صناديقه تضعف. وزيادة للمشكلات، خفضت وكالة التصنيف "مورنينج ستار" درجة صندوقه الرائد الأسبوع الماضي. ماذا حدث لمحبوب مجتمع الاستثمار؟
"وودفورد" ليس هو النجم الوحيد الذي يتلاشى. مدير الصندوق أنتوني بولتون مثال آخر واضح. تمتع بثلاثة عقود تقريبا من الأداء الرائع، ثم تقاعد، ثم عاد لتشويه سجله ببضعة أعوام تعسة مستثمرا في الصين.
قصة الانتصار التي تليها خيبة الأمل لا تقتصر على الاستثمار. فكر مثلا في آرسين فينجر، المدرب الأكثر ذكاء في كرة القدم لبضعة أعوام، ثم المنافس الذي لا يحالفه النصر أبديا. أو كل الفرق الغنائية التي عانت "متلازمة الألبوم الثاني الصعب".
حتى أن هناك أسطورة مفادها أن الرياضيين الذين يظهرون على غلاف مجلة "سبورتس اليستريتد" محكوم عليهم بأن يعانوا "نحس الظهور على غلاف سبورتس اليستريتد". الصعود إلى القمة يتبعه السقوط.
هناك ثلاثة تفسيرات عامة لهذه المنحنيات المهنية المأساوية. غريزتنا هي أن نلقي اللوم على الفرد. نحن نفترض أن "وودفورد" فقد مهارته وأن فينجر توقف عن التعلم. وهذا محتمل. يمكن للأشخاص الناجحين أن يصبحوا شديدي الثقة بأنفسهم، أو معزولين عن ردود الفعل، أو كسولين.
لكن الاحتمال البديل هو أن العالم تغير. كان تركيز فينجر سابقا على النظام الغذائي والبيانات وسوق الانتقالات العالمية غير العادية، لكن عندما لاحظ منافسوه وبدأوا يحذون حذوه، اختفى امتيازه. في عالم الاستثمار - وبالتأكيد عالم الأعمال على نطاق أوسع - الأفكار الجيدة لا تعمل إلى الأبد لأن المنافسة تشتعل.
التفسير الثالث هو أقل تفسير مرض: وهو أن الحظ كان له دور. وهذا يبدو غير معقول للوهلة الأولى. هل من الممكن أن الحظ وحده جلب لفينجر ثلاثة من ألقاب الدوري الممتاز؟ أو أن بولتون كان ببساطة محظوظا على مدى 28 عاما؟ هل نعيش حقا في مثل هذا الكون العشوائي بشكل معقول؟
ربما نحن نعيش فيه. يجادل كتاب مايكل بلاستلاند الأخير "النصف المخفي" The Hidden Half، بأن كثيرا من الاختلافات التي نراها في العالم من حولنا غامضة بشكل أساسي. المثال الافتتاحي لبلاستلاند هو جراد البحر الرخامي، وهو نوع من جراد البحر الذي يتكاثر من التوالد البكري - أي أن الجراد البحري الرخامي يضع بيضه دون تزاوج وتتطور تلك البويضات لتصبح نسخا من أمهاتها.
لنضع نسختين في حوضي أسماك متطابقين ونعطيهما غذاء متماثلا. هذه المخلوقات المتطابقة جينيا التي نشأت في بيئات متطابقة على ما يبدو تنتج نسلا متطابقا جينيا يختلف مع ذلك بشكل كبير في حجمه وشكله وعمره وخصوبته وسلوكه. في بعض الأحيان تتحول الأمور بشكل مختلف تماما دون سبب يمكننا تميزه. قد نسمي هذا السبب أيضا "الحظ" مثل أي شيء آخر.
هذا لا يعني أن المهارة لا تهم - فقط في منافسة يتمتع فيها جميع القادة بمهارات عالية، قد تفسر العشوائية الفرق بين النصر والفشل. الحظ الجيد مع المهارة يغلب الحظ السيئ مع المهارة في أي وقت.
من السهل التقليل من مقدار الفرصة المؤثرة من حولنا. في الآونة الأخيرة كان عالم النفس، دانييل كانيمان، يدرس ما يسميه "الضجيج": تقلب الأحكام دون سبب واضح.
خبير الطعام الذي يتذوق عشوائيا نوعين من الطعام نفسه يقيمهما بشكل مختلف. واختصاصيو الأمراض يختلفون مع بعضهم بعضا في تقديراتهم لفحص النسيج (الخزعة) نفسه. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أنهم يختلفون أيضا مع تقديراتهم السابقة للحالة.
نادرا ما نقدر مدى التباين في الأحكام التي نتخذها نحن والآخرون، كما يجادل كانيمان. إذن، بالكاد يكون الأمر مفاجئا إذا كان الأداء السابق لا يضمن النجاح في المستقبل.
يجب أن نتذكر أيضا أن الناس يحققون غالبا نجاحا هائلا من خلال المجازفة أو أن يكونوا مخالفين للآخرين. عندما درس جون كاي سجل تنبؤات الاقتصاديين في التسعينيات، لاحظ أن باتريك مينفورد، أحد المتنبئين المتفردين، كان غالبا ما يعطي التوقع الأفضل في عام والتوقع الأسوأ في العام التالي. إذا كان الإجماع خاطئا، فإن كونك شاذا عن الآخرين يمنحك فرصة كبيرة لكل من النجاح المذهل والفشل الذريع.
ندرك كل هذه العشوائية أيضا من خلال مرشح معين. عدد قليل من الناس يظهرون على غلاف "سبورتس اليستريتد" بعد سلسلة من الحظ المتوسط. فهم يظهرون بعد أن تسير الأمور بشكل جيد، وإذا فشل الحظ الجيد في الصمود، فسيبدو ذلك مثل نحس غلاف "سبورتس اليستريتد". إنه على الأرجح "الانحدار نحو الوسط"، أو بعبارات بسيطة، العودة إلى العمل كالمعتاد.
نبدأ بالانتباه فقط عندما يحقق شخص ما أداء رائعا. العبقرية التي يتبعها التوسط هي سلسلة تابعة لقصة نلاحظها جميعا. التوسط الذي تتبعه العبقرية يبدو كأنه عبقرية - على افتراض أن مؤديا متوسطا يحصل على فرصة ثانية. وليس الكل يحصل عليها.
لذلك أتمنى لـ"وودفورد" التوفيق. ربما فقد مهارته، أو ربما تغير العالم، أو ربما كان ببساطة غير محظوظ. سيكون من الجيد معرفة أي منها هو السبب، لكن في مثل هذه الأمور لا يرضي العالم فضولنا دائما.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES