الهند .. غرائب أكبر ديمقراطية في العالم

الهند .. غرائب أكبر ديمقراطية في العالم

بدأت الانتخابات العامة في الهند قبل نحو أسبوعين، فمنذ الخميس 11 نيسان (أبريل) الماضي، شرع أزيد من 900 مليون ناخب هندي، مسجل لدى مفوضية الانتخابات، في عملية تصويت ستجرى على سبع مراحل على مدار ستة أسابيع، تنتهي في 19 أيار (مايو) المقبل، قصد انتخاب البرلمان الـ17 في تاريخ البلاد، منذ استقلالها عن الاستعمار البريطاني سنة 1947 بقيادة الزعيم الوطني غاندي.
تمتد فترة الانتخاب 39 يوما، بسبب المساحات الشاسعة، حيث تحتل المرتبة السابعة عالميا، وكذا بسبب السكان، فهي ثاني أكبر دولة في العالم بعد الصين. ويجري تقسيم الانتخابات جغرافيا على هذا الشكل، لإعطاء الوقت الكافي لقرابة مليون عنصر أمني للتنقل من منطقة إلى أخرى لتأمين سير العملية الانتخابية، في بلد قوامه تعددية ثقافية وعرقية فريدة، يؤرق الصراع الناجم عنها مسيري البلد.

الهند بالأرقام
تعد الهند دولة اتحادية، تضم 29 ولاية وسبعة أقاليم اتحادية في نظام برلماني ديمقراطي. تنقسم الولايات والأقاليم الاتحادية إلى مزيد من المقاطعات وإلى مزيد من التقسيمات الإدارية الأصغر. بعد الإصلاحات الاقتصادية لعام 1991، أضحى الاقتصاد الهندي سابع أكبر اقتصاد في العالم، وأصبحت بفعل الكثافة السكانية ثالث أكبر قوة شرائية على الصعيد الدولي.
تعد اللغتان الهندية والإنجليزية اللغتين الرسميتين في التعامل داخل مؤسسات الدولة، إلى جانبهما يعترف الدستور الهندي بـ23 لغة، تستخدم محليا في بعض الولايات الهندية. في المسألة الدينية ونقيض اللغة، لا ينص الدستور الهندي على وجود ديانة رسمية للبلد، ما يعني اعترافا ضمنيا بجميع الأديان.
لكن الهندوسية تبقى الديانة السائدة في الهند، إذ تمثل نسبة انتشارها 80 في المائة بين سكانها، في حين تبقى باقي الديانات الأخرى "أقلية" بنسب ضعيفة، في مقدمتها الإسلام بأزيد من 13 في المائة من مجموع السكان، والمسيحية بنسبة 2.3 في المائة، ثم السيخ بنسبة 1.8 في المائة، وأقليات أخرى "البوذية، الجاينية، اليهود، الزرادشتيون، القديانيون، البهائيون" بنسب لا تتجاوز 1 في المائة.
مؤسساتيا، يتألف البرلمان من مجلسين، هما: مجلس النواب "لوك سبها" الذي يضم في تركيبته 545 عضوا، يختارهم الناخبون باستثناء اثنين فقط يعينهما الرئيس الهندي من الجالية الأنجلو-هندية. ومجلس الشيوخ "راجيا سبها" أو مجلس الولايات الذي يبلغ عدد أعضائه كحد أقصى 250 عضوا، منهم 233 منتخبا من الأقاليم الاتحادية، و12 عضوا يرشحهم الرئيس الهندي، من شخصيات لها مساهمات مميزة، وفق تقدير الحكومة.
سياسيا دائما، يحتاج أي حزب أو ائتلاف حزبي إلى أغلبية داخل مجلس النواب، تقدر بـ272 مقعدا حدا أدنى، قصد تشكيل الحكومة المركزية، إلى جانبها توجد داخل كل ولاية من الولايات الـ29 حكومة محلية، يتم انتخابها كل خمس سنوات، باستثناء ولايتي جامو وكشمير اللتين تستمران لمدة ست سنوات. فيما تبقى سبعة أقاليم اتحادية خاضعة للحكم المباشر الحكومة المركزية.

أكبر ديمقراطية
في العالم
تعد الانتخابات في الهند هي ثاني أكثر الانتخابات تكلفة في العالم، بعد الولايات المتحدة الأمريكية. تكشف العودة إلى انتخابات 2014 أن عدد الأحزاب المشاركة فيها وصل إلى 464 حزبا سياسيا، فيما بلغ عدد المرشحين الذين تنافسوا في هذه الانتخابات ثمانية آلاف و251 مرشحا. وقد بلغ حصاد الإنفاق ما يزيد على خمسة مليارات دولار.
تعترف المفوضية العليا للانتخابات في الهند بوجود 2293 حزبا سياسيا مسجلا لديها بشكل قانوني، من حقهم خوض غمار هذا النزال الانتخابي الممتد على سبع مراحل تباعا، أخدا في الحسبان مساحة وساكنة الدوائر الانتخابية المقترع فيها؛ الأولى 91 دائرة، الثانية 97 دائرة، الثالثة 115 دائرة، الرابعة 71 دائرة، الخامسة 51 دائرة، السادسة والأخيرة 59 دائرة لكل منهما.
لكن هذه الانتخابات تجري بين أقوى حزبين في المشهد السياسي الهندي منذ الاستقلال، هما: حزب الشعب الهندي ذو التوجهات الهندوسية المتطرفة -وهو الحزب الحاكم منذ أيار (مايو) 2014، وبين حزب المؤتمر الهندي ذي التوجهات الليبرالية والعلمانية.
يرفع حزب الشعب؛ الحزب الحاكم، شعار "الهند للهندوس"، ويردد في أدبياته أن الإسلام والنصرانية ديانتان جاءتا من الخارج، وقد ازدادت شعبيته بداية التسعينيات، بعد هدمه مسجدا أثريا قديما "بابري مسجد" عمره أكثر من 400 عام.
وجد الحزب نفسه مجبرا على توظيف الورقة العرقية في هذه الانتخابات بعد فشله في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي وعد بها، ما جعله يعود مجددا إلى استغلال هذه الواقعة، حيث وعد الهندوس ببناء معبد هندوسي فوق أرض المسجد، وبلغ توظيف هذه الورقة حد الإعلان عن نيته - لو أعيد انتخابه - العمل على إلغاء مادتين من الدستور الهندي تعطيان منطقة كشمير الهندية نوعا من الحكم الذاتي.
في المقابل، يركز حزب المؤتمر بقيادة راهول غاندي، ابن رئيس الوزراء الأسبق راجيف غاندي، على فشل السياسات التي يتبناها حزب الشعب، التي أدت إلى تدمير الاقتصاد، وانتشار الفساد في المؤسسات. فحكومة مودي في نظر هذا الحزب، حكومة الطبقة الغنية فقط، لا عموم المواطنين الهنديين. يعد حزب المؤتمر بإنعاش الاقتصاد من جديد، وتقديم مساعدات مالية، تقدر بنحو 72 ألف روبية "نحو ألف دولار" سنويا لأفقر سكان الهند الذين يبلغون 20 في المائة من السكان.

غرائب سياسية
رغم قوة الحزبين؛ الشعب والمؤتمر، فالتقديرات تفيد بصعوبة حسم أي منهما المعركة الانتخابية لمصلحته، ما يعني بالضرورة الاستعانة بأحزاب إقليمية، التي تكون عادة قوية غير أنها تبقى محصورة في ولايات معنية، ولها برامج إقليمية محدودة أو تدور حول بعض العائلات القوية في هذا الإقليم أو تلك الولاية.
معظم الأحزاب الإقليمية القوية في المشهد السياسي خرجت من رحم الحزبين الكبيرين، بسبب إهمالهما في فترات تولي الحكم لكثير من الولايات والمناطق، وتجاهل الحزب لقاداتها المحليين ما دفعهم إلى تأسيس أحزاب صغيرة، أضحى بين يديها القول الفصل في حسم المعارك الانتخابية مركزيا.
علاوة على ظاهرة الأحزاب الصغيرة تظل أغرب قصة في الشأن السياسي الهندي أن المتطرف الهندوسي الذي اغتال غاندي الأب الروحي للهنود، ينتمي إلى منظمة هندوسية متطرفة "المجتمع التطوعي الوطني" RSS، التي خرج منها الحزب الحاكم في الهند الآن؛ حزب الشعب الهندي BJP، الذي يوصف بالحزب المتطرف، الذي يحكم بأغلبية ساحقة بواقع 282 مقعدا من أصل 545 مقعدا في عموم الولايات الهندية، رغم أنه بدأ عند تأسيسه بمقعدين فقط عام 1984.
إن ما يجري في الهند أحد تجليات أهم نقاط قوة الفكرة الديمقراطية، ألا وهي القدرة على التكيف والتأقلم مع المتغيرات، فلا المساحة الشاسعة ولا الكثافة السكانية الكبيرة وانتشار التخلف والفقر ولا ضعف الإمكانات اللوجستيكية... ولا غير ذلك مما تعرفه الهند من عراقيل، بإمكانه الحيلولة دون مشاركة الجميع في اختيار من يحكمهم، في أكبر عملية ديمقراطية في العالم.

الأكثر قراءة