المشتقات .. معركة تنتقل عبر المانش إلى الأطلنطي بقارب «بريكست»

المشتقات .. معركة تنتقل 
عبر المانش إلى الأطلنطي 
بقارب «بريكست»
المشتقات .. معركة تنتقل 
عبر المانش إلى الأطلنطي 
بقارب «بريكست»

فكر في موضوع اقتصادي مهم لا يبدو أن أي سياسي بريطاني يهتم بمناقشته الآن: حالة سوق المشتقات الضخمة في لندن عقب الخروج من الاتحاد الأوروبي، إذا أردت استكمال وجهة نظر مختلفة حول هذه المسألة السياسية الدرامية المعروفة باسم "بريكست".
على الرغم من قدر ما من الغموض يحيط بهذا الموضوع، إلا أن أهميته القصوى بادية للعيان – ليس لضخامة سوق المشتقات وتداعياتها المؤثرة في الاستقرار المالي فحسب، بل لأن القضية التي تثير معارك غير عادية في الكواليس في الأصل أيضا، باتت تتكشف الآن عن عواقب تتجاوز القارة والجزيرة، عابرة المحيط الأطلنطي إلى الولايات المتحدة.
القضية التي على المحك تدور حول مقاصة تداولات المشتقات. في الأعوام الأخيرة، سيطرت غرفة مقاصة لندن على قطاع المقايضات والعقود الآجلة، حيث تخلص بانتظام معاملات تقدر قيمتها بأكثر من ثلاثة تريليونات دولار من التداولات كل يوم، نصفها مقومة بالدولار وربعها باليورو، إضافة إلى الجنيه الاسترليني.
الساسة في أوروبا، لطالما أبدوا كراهيتهم لحقيقة كثرة العمليات والمعاملات ذات الصلة باليورو في لندن، حتى قبل قضية "بريكست"، ربما بسبب عدم انضمام بريطانيا إلى منطقة اليورو.
بيد أنهم تحملوا هذا لأن بريطانيا كانت في الاتحاد الأوروبي. وفي حين أن المنظمين الأمريكيين كانوا أيضا قلقين من تعاظم حجم سوق الدولار في الخارج عموما وفي لندن بالذات، إلا أنهم قبلوا بذلك لأن السلطات البريطانية منحت لجنة تداول العقود الآجلة للسلع الأمريكية، إشرافا كافيا على أعمال الدولار في غرفة مقاصة لندن.
ليس بعد الآن، فقد خرج ساسة أوروبا عن طور مجرد التحفظ، معلنين أنه إذا أرادت غرفة مقاصة لندن تخليص تعاملات اليورو عندما يحدث، أو إذا حدث "بريكست"، فإن تلك الأعمال يجب أن تنتقل إلى القارة الأوروبية، أو أن يتم تنظيمها من قبل سلطة الأوراق المالية والأسواق الأوروبية، وهي كيان قائم في باريس.
من ناحية، هذا ليس بالأمر المفاجئ. على أن ما يبعث على الراحة بالنسبة للحي المالي في لندن – والمصارف تحديداً – هو أن هيئة الأوراق المالية والأسواق الأوروبية سبق لها أن أعلنت في شباط (فبراير) الماضي، أنها ستسمح لغرفة مقاصة لندن بأداء هذه الوظائف، حتى بعد عملية "بريكست" صعبة، طالما أنها تقبل قواعد الهيئة.
هذا الأمر مهم، لأن تقسيم أعمال المقاصة سيكون مكلفا للغاية بالنسبة للاعبين الماليين، كما أشار مارك كارني، محافظ بنك إنجلترا، في وقت لاحق من الشهر الماضي.
مع ذلك، تظل هنالك مشكلة تقدر قيمتها بتريليونات الدولارات، تقع بالكامل خارج ولاية البرلمان البريطاني، موضعها في الولايات المتحدة.
لجنة تداول العقود الآجلة للسلع الأمريكية، سبق لها أن أخبرت أوروبا أنها لن تقبل بتحكم هيئة الأوراق المالية والأسواق الأوروبية، في أعمال المقايضات في لندن طالما كان من شأن ذلك التأثير في أسواق الدولار والمصارف الأمريكية.
هذا قرار يتعلق جزئيا بالاعتزاز الوطني. على أن هناك معركة أيديولوجية أيضا. يغلب على المنظمين البريطانيين والأمريكيين الثقة بقوى السوق، ويعتقدون أن كيانات القطاع الخاص ينبغي أن تكون حرة في تحديد ما يجب أن يضعه المشاركون في سوق الضمان مقابل التداولات، لمواجهة مخاطر العجز عن السداد.
يقول كريستوفر جيانكارلو، مفوض لجنة تداول العقود الآجلة للسلع: "لدينا نحو عقدين من الخبرة في العمل مع بنك إنجلترا، ونادرا ما كانت تساورنا أي خلافات".
إلا أن المنظمين الأوروبيين لا يحبذون فكرة قيام السوق وحدها بتحديد متى تطلب مزيدا من الضمانات لأي معاملة في أزمة مالية.
ذلك لأنه خلال أزمة اليورو في عام 2011، كانت كيانات مثل غرفة مقاصة لندن تفرض "المطالبة بزيادة الضمانات" على الأصول الإسبانية والإيطالية وهو ما دفع مسؤولين أوروبيين إلى الإنحاء باللائمة على ذلك، في التسبب في دراما الأحداث الاقتصادية المفجعة في تلك البلدان، ناهيك عن حقيقة أن ذلك الخيار في عدم تفويض السوق بالكامل، يمثل إدارة مخاطر حكيمة بشكل مثير للإعجاب.
إذن، النتيجة النهائية هي أن منظمي وساسة أوروبا يريدون فرض مزيد من الضوابط المتطفلة على السوق: "يجب أن تكون لدينا كفاءة قانونية واضحة، ومن المهم أن تغطي أطرافا تعاقدية متقابلة في كل من الاتحاد الأوروبي والبلدان الثالثة"، كما قال بينوا كويريه، عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، أخيرا.
على أن الأمريكيين يعارضون هذا بشدة. كما حذر جيانكارلو الخريف الماضي – في خطاب قاس بشكل مدهش – بقوله إنه إذا تدخلت هيئة الأوراق المالية والأسواق الأوروبية كثيرا في معاملات بالدولار في غرفة مقاصة لندن، سينظر الأمريكيون في "مجموعة من الخطوات المتاحة بسهولة لحماية الأسواق المالية والمشاركين في الأسواق".
بشكل خاص، أشار بعض المسؤولين الأمريكيين إلى أن هذا يمكن أن يشمل طرد المشاركين الأوروبيين من بورصة شيكاغو التجارية. نعم، بالفعل. وهذه أشياء مثيرة للقلق بشدة.
هل هناك حل وسط؟ ليس واضحا. حتى الآن، تبدو الأطراف المتنازعة لطيفة علنا. حدد الاتحاد الأوروبي أخيرا إطار عمل سياسي واسع للتعامل مع المقاصة الأوروبية، ووعد بتحويل هذا إلى قواعد ملموسة بحلول عام 2021.
لجنة تداول العقود الآجلة للسلع وبروكسل، أعلنتا عن المشاركة في هذه الإعدادات.
يبدو لي أن المعركة الحقيقية ربما تم تأجيلها، وليس حلها، فإلى أن يكشف الاتحاد الأوروبي عن قواعده في عام 2021، من غير الواضح إلى أي مدى ستلتزم غرفة مقاصة لندن بمبادئ هيئة الأوراق المالية والأسواق الأوروبية للمقاصة، عندما يحدث، أو إذا حدث "بريكست" بالفعل.
عوامل اللبس المذكورة غير مرئية في ظل هدوء الأسواق، لكنها ستكون عكس ذلك إذا حدثت أزمة أخرى مع زيادة حجم المطالبة بالضمانات.
في هذه الأثناء، ينبغي على المستثمرين أن يأخذوا درسين من هذه الملحمة، الأول: أنها تبين درجة أن "بريكست" ليس مجرد مسألة عابرة لبحر المانش "القنال الإنجليزي" – اللوجستيات الجهنمية في التمويل تؤثر في الروابط عبر الأطلنطي أيضا.
الثاني: أنها تكشف الضعف السياسي للندن. من الواضح أن المشاركين العاجزين عن إلقاء ثقلهم في هذه الدراما، هم مسؤولو الأجهزة التنظيمية البريطانية.
ما سيحدث بعد ذلك سيتم تقريره من خلال معركة أيديولوجية وإقليمية معا، ستجري بين واشنطن وبروكسل.
ألا يكفي ذلك لإثبات بطلان فكرة أن البريطانيين سيستعيدون السيطرة على سيادة بلدهم؟ وهي الجوهر أو الجوهرة في الزعم العريض ضمن معسكر أنصار الخروج.

الأكثر قراءة