ثقافة وفنون

لبنان يحول سجنا تاريخيا إلى صرح ثقافي

لبنان يحول سجنا تاريخيا 
إلى صرح ثقافي

لبنان يحول سجنا تاريخيا 
إلى صرح ثقافي

لبنان يحول سجنا تاريخيا 
إلى صرح ثقافي

من على سفوح جبل لبنان بدأت المكتبة الوطنية في غرس الثقافة ونشرها في أرجاء المنطقة كافة، وتطورت عبر الزمن إلى أن أصبحت صرحا ثقافيا ينافس أكبر الصروح العالمية، فكيف أُشعل فتيل الثقافة في هذا المكان التاريخي، وكيف أصبح منارة تنير عقول الأطفال والشباب نحو درب الثقافة؟

التاريخ يحكي
كان نعوم باشا "1892–1902" متصرف جبل لبنان يحبذ بناء السرايات كمظهر من مظاهر محبته للعمران، وقد أولى هذه الناحية اهتمامه كاملا، فأشاد في مختلف قائمقاميات المتصرفية مجموعة من السرايات كانت سرايا بعقلين أبرزها. وقد أشرف القائمقام الأمير مصطفى أرسلان على بنائها كي تكون مركزا للقائمقامية التي كان يقوم بمهامها آنذاك.
يتحدث لنا غازي صعب مدير عام المكتبة الوطنية عن آثار الفن المعماري الإسلامي القديم الذي تجلى في سرايا بعقلين، وهو الفن الذي اعتمد في بناء مختلف السرايات التي شادها نعوم باشا في المناطق كجزين وجونيه والبترون واميون وبحنس وغيرها، تحول هذا المبنى في فترة من الفترات إلى سجن كبير، بغية منع فرار السجناء. ويخبرنا صعب بأن التعديلات التي أدخلت على البناء بهدف تحصينه أدت إلى تشويه معالمه من الداخل، فألغي الدرج الداخلي ونصبت الأبواب الحديدية، ما قلل من قيمة المبنى التاريخية فضلا عن فقدان معالمه التراثية، عبر إشغاله حتى سنة 1931 كمحكمة بدائية ومخفر وسجن ودائرة نفوس ودار لبلدية بعقلين. وفي عام 1984 عادت الدولة لإعادة هذا الصرح إلى سجن، لكن أهالي البلدة رفضوا ذلك، وطالبوا بأن يحول إلى مكتبة عامة.

بداية فكرة المسرح الثقافي
يعود صعب بالذاكرة إلى عام 1994 حيث كان القيمون على هذا الصرح الثقافي يطالبون الدولة بأن تتبناه، خاصة أنها كانت أكبر وأغنى وأنشط مكتبة عامة، وفعلا اتخذ مجلس الوزراء قرارا بأن تكون هذه المكتبة تابعة لوزارة الثقافة، وبدأ التطوير يلاحق تطويرا آخر، ونهضة من ناحية العمارة، حيث بني مبنى ثان هو قاعة محاضرات ومكان للأرشيف وقسم للمحفوظات إلى أن وصل الأمر إلى المسرح الثقافي الذي يتسع لـ400 مقعد. وكشف صعب عن وجود برنامج طويل يضم محاضرات وندوات وفعاليات تنظمها المكتبة بالتعاون مع جهات أخرى على مدار العام.
يؤكد صعب أن فكرة المسرح جاءت بعد دراسة عميقة للصروح الثقافية كافة، حيث إنه لا يوجد صرح ثقافي متكامل، وكان ينقص المكتبة بكل ما تحوي من أقسام مسرح يحتضن المواهب التي في نفوس الشباب ويطلقها لتدوي عاليا في سماء الثقافة، يغوص صعب في هذه المواهب التي ستقدم مستويات رفيعة، حيث سيشجع اللبنانيين كافة اللذين لديهم مشروع ثقافي على التقدم بتفاصيله وستتم دراسته وفق معايير معينة ليتم بعدها إنتاج عمل راق وإبداعي.
وعن تميز هذا المسرح يقول صعب "يتميز بأنه ليس مركزا تجاريا بل هو ثقافي بامتياز، ولا توجد إلا تكلفة التشغيل، فالهدف ليس الربح المادي بل النهوض في زمن تتدهور فيه الثقافة بشتى أنواعها، وتوجد لجان مختلفة تضم نحو 85 متخصصا في مجالات متعددة، أبرزها الرقص والموسيقى والعزف والغناء، وسيشرفون على نوعية البرامج التي ستظهر، وكل لجنة مفروض عليها تحضير عملين كل سنة على الأقل، كما أنه من الممكن عرض أفلام عربية وعالمية في مختلف المجالات شرط أن تكون ثقافية".

المكتبة تنافس المكتبات العالمية
تنافس المكتبة الوطنية كبرى المكتبات العالمية مثل مكتبة الكونجرس الأمريكية، والمكتبة الوطنية البريطانية وغيرها من المكتبات، ويعود الفضل في هذا الأمر إلى إدارة المكتبة التي تطور أنظمتها وفق المعايير العالمية، يقول صعب "اتبعنا نظام ديوي العشري المتبع في كل المكتبات العالمية من أجل تصنيف وفهرسة الكتب"، إضافة إلى ذلك اتبعت المكتبة منذ نحو أربع سنوات سياسة الإعارة الخارجية المجانية التي تقوم بالدرجة الأولى على الثقة بين المكتبة والقارئ، حيث يستطيع أي لبناني أو أجنبي مقيم على الأراضي اللبنانية أن يستعير أي كتاب من المكتبة بشكل مجاني، وبحسب صعب "ظهر في إحصاء عام 2018 أن المكتبة أعارت 17011 كتابا إلى 10560 مواطنا لبنانيا"، وهذا يدل على أن مجموعة كبيرة من الناس ما زالت تقرأ في لبنان رغم التطور التكنولوجي وانتشار الكتاب الرقمي وملايين المواقع التي توفر الكتب بشكل مجاني، إلا أن رائحة الكتاب الورقي - بحسب صعب - ما زالت نفحاتها في قلوب اللبنانيين.
وبلغت نسبة الشباب والأطفال المستعيرين 62 في المائة في حين بلغت نسبة طلاب الدراسات العليا 23 في المائة، وتوجه صعب إلى كل عربي مقيم في لبنان بالذهاب إلى المكتبة الوطنية واستعارة أي كتاب من دون أي شروط، ومجاني.
وعن أعداد الكتب الموجودة في المكتبة يقول صعب "لدينا 150 ألف كتاب و300 ألف مطبوعة دورية بين صحف ومجلات".

أين الكتاب في الزمن الإلكتروني!
في زمن تندثر فيه القراءة ويبدأ التطور التكنولوجي يعصف بقوة ليقضي على الكتب الورقية ويجعلها فتاتا يتطاير في السماء، تستغل المكتبة الوطنية حسنات التكنولوجيا وتعمل على تطوير نظامها، وأبرز التطور التكنولوجي الذي عمدت إلى تنفيذه كان الموقع الإلكتروني الذي يعد من أكبر المواقع الإلكترونية، حيث يدخل عليه شهريا بين 300 و500 ألف باحث عن معلومة، ويستطرد صعب قائلا "بدأنا بمكننة الكتب القديمة، فيوجد لدينا أقدم كتاب يعود إلى العام 1725، وهو باللغة الفرنسية ويتحدث عن المنطقة العربية، كما بدأنا بمكننة قسم الدوريات ثم جريدة الأنباء، إضافة الى بعض الأمور الخاصة مثل مقالات معينة أو موضوعات تعد مراجعا في معلوماتها". وعن مكننة المكتبة بالكامل يقول صعب "أعطوني مليون دولار وسأجعل من هذه المكتبة الوطنية مكتبة رقمية".

وتزداد غنى
لا تنضب الكتب في التوارد إلى المكتبة الوطنية في بعقلين من مختلف الجهات، ويشرح صعب عن شراء المكتبة كثيرا من المكتبات الأخرى، حيث يتم الذهاب ومعاينة أي مكتبة معروضة للبيع في أي منطقة كانت، ثم شراؤها بالكامل، يتم بعده تصنيف الكتب، فالكتاب غير الموجود يدخل إلى المكتبة الوطنية والكتاب الموجود يغلف ويقدم إلى مكتبات صغيرة، أما الجزء الأكبر من الكتب فهو عبارة عن تقدمة خاصة من وليد جنبلاط نائب المنطقة، الذي يواصل باستمرار تقدمة مئات وآلاف الكتب العربية والعالمية إلى المكتبة. تجدر الإشارة أنه في عام 2011 دخلت المكتبة الوطنية موسوعة جينيس، حيث سجلت تبادل 1440 كتابا خلال ثماني ساعات، وبهذا الإنجاز برهنت المكتبة الوطنية في بعقلين على أن لبنان بلد الحرف وبلد الثقافة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون