إيطاليا تثير قلق الغرب .. بوابة «الحزام والطريق» الصينية إلى أوروبا

 إيطاليا تثير قلق الغرب .. بوابة «الحزام والطريق» الصينية إلى أوروبا

عما قريب تصبح إيطاليا أول دولة عضو في مجموعة السبع الكبرى للدول الصناعية في العالم تنضم إلى "مبادرة الحزام والطريق" الصينية، وهو أمر أثار قلقا في الولايات المتحدة وأوروبا.
ووفقا لـ"الألمانية"، فإنه من المتوقع أن يتم التوقيع على مذكرة تفاهم لدعم إيطاليا للمبادرة المعروفة أيضا باسم "طريق الحرير" خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج لروما الأسبوع الجاري.
و"مبادرة الحزام والطريق" هي مشروع ضخم يتضمن إقامة شبكة بنية تحتية وتجارية، لتعزيز ربط الصين بدول وسط وجنوب شرق آسيا، وأوروبا، والشرق الأوسط وإفريقيا. ويشير "الحزام" إلى النقل البري وطرق التجارة، أما "الطريق" فهو يشمل الربط بين الموانئ البحرية.
وتسعى الصين بالتحديد إلى تأسيس شراكات مع دول أخرى لإقامة موانئ وخطوط سكك حديدية ومحطات للطاقة، إضافة إلى تعزيز العلاقات معها في مجالات التعليم والبحث العلمي والثقافة.
ويصف "مجلس العلاقات الخارجية" وهو مركز أبحاث أمريكي رائد، طريق الحرير بأنه "أكثر مشروعات الاستثمار طموحا في مجال البنية التحتية عبر التاريخ".
وتشعر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بقلق إزاء التداعيات المحتملة حال انضمام إيطاليا بالفعل إلى المبادرة الصينية العابرة للقارات، حيث سيسمح ذلك لبكين بتوسيع نطاق وجودها ونفوذها في قلب أوروبا.
وغرد جاريت ماركيز، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي على موقع "تويتر" للتواصل الاجتماعي من أن "الموافقة على مبادرة الحزام والطريق تعطي شرعية لنهج الصين الشره في مجال الاستثمار ولن تجلب نفعا للشعب الإيطالي".
وقال جوزيبي كونتي، رئيس وزراء إيطاليا، إن الاتفاق مع الصين سيكون "اقتصاديا وتجاريا" تماما، وليس له أي تداعيات بالنسبة للسياسية الخارجية.
وقال كونتي في مقابلة مع صحيفة "كوريا ديلا سيرا" الإيطالية، إن المطروح على الطاولة هو مذكرة تفاهم، وليس اتفاقية دولية ملزمة، وهي تضع "إطارا للأهداف والمبادئ وأنماط التعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق".
ونشرت الصحيفة الإيطالية نسخة من مذكرة التفاهم مع المقابلة.
وقال ميشيل جيراسي، وزير الدولة في وزارة التنمية الاقتصادية الإيطالية لصحيفة "إل ميساجارو"، الذي يتحدث لغة الماندرين الصينية، إن مذكرة التفاهم تتعلق بقواعد توفير الحماية للشركات الإيطالية التي لها علاقات تجارية مع الصين. وينظر إلى جيراسي على نطاق واسع على أنه يقف خلف المحور الصيني- الإيطالي.
ويقول نيقولا كاساريني، الخبير في شؤون الصين في مركز "آي أيه آي" الإيطالي للأبحاث: "القول إن مذكرة التفاهم اقتصادية وتجارية بحتة ليس صادقا من الناحية العقلية. يرى كل شخص، بداية من الصينيين، التوقيع "على المذكرة" على أنه إيماءة سياسية على موافقة إيطاليا" على "مبادرة الحزام والطريق".
و"طريق الحرير" الذي كشف عنه النقاب لأول مرة في عام 2013 هو مشروع الرئيس الصيني، الذي يرى فيه كثيرون "حصان طروادة" الذي تسعى الصين من خلاله إلى توسيع نفوذها على صعيد الجغرافيا السياسية في العالم، ماليا واقتصاديا وعسكريا.
وترى الصين في المبادرة أداة لتحقيق مزيد من النمو الاقتصادي وتعزيز العلاقات التجارية وتنصيب نفسها زعيمة لقارة آسيا.
ويندد معارضون بـ "مبادرة الحزام والطريق"، حيث يرونها تمثل شكلا من أشكال "دبلوماسية الديون"، فقد اضطرت سريلانكا العام الماضي إلى تسليم موانئها إلى الصين بعدما عجزت عن دفع ديونها لبكين. وانسحبت ماليزيا من المشروع خشية عبء الديون.
وأشارت المفوضية الأوروبية الأسبوع الماضي إلى أن الاستثمارات الصينية كثيرا ما تتجاهل الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية والمالية، وقد ينجم عنها مستويات مرتفعة من الديون، وتحول في السيطرة على الأصول والموارد الاستراتيجية.
وعلى الرغم من ذلك، أبرمت عشرات الدول، وبينها 13 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي من وسط القارة، اتفاقيات مع الصين لدعم "مبادرة الحزام والطريق".
ويقول كاساريني، إن انضمام إيطاليا للقائمة سيمثل "نجاحا دعائيا لا يقدر بثمن" لبكين.
وتقول آليسيا أميجيني، كبير محللي الشؤون الآسيوية في مركز "آي إس بي آي" البحثي في إيطاليا، إن موافقة روما ستكون "نجاحا يعتز به" بالنسبة للصين و"تحركا مثيرا للشقاق" بالنسبة لأوروبا و"مجموعة شمال الأطلسي".
وتضيف أميجيني أن توقيع الصين اتفاقيات ثنائية مع دول أوروبية منفردة يمثل جزءا من استراتيجية "فرق تسد" التي تقلل من مخاطر التعامل مع الاتحاد الأوروبي كتكتل.
وهنا يتبادر سؤال، لماذا تقبل إيطاليا اتفاقا ثنائيا مع الصين؟
يقول كاساريني، إن هناك ثلاثة أسباب: الأول هو أن روما تأمل في زيادة صادرات المنتجات الإيطالية إلى السوق الصينية، وتشديد الضوابط على تقليد البضائع الإيطالية في الصين.
ثانيا، تأمل روما تحت مظلة "مبادرة الحزام والطريق" في جذب المزيد من الاستثمارات الصينية إلى الاقتصاد الإيطالي الذي يعاني الانكماش.
ثالثا، في ظل المخاوف من أن تتعرض إيطاليا لهجوم من الأسواق المالية، بسبب ديونها الضخمة وتراجع معدلات الإنتاج، تريد الحكومة الإيطالية ضمانات من الصين بأنها يمكن أن تشتري الديون السيادية الإيطالية، حتى في أوقات الاضطرابات المالية.
ويضيف كاساريني: "لا تتضمن الاتفاقية (مذكرة التفاهم) شيئا من هذا، إنها مقامرة واضحة: تصدر الحكومة الإيطالية إيماءة ودودة إلى بكين، أملا في تنفيذ الوعود التي تتم خلف الكواليس".
في المقابل، فإن الثمن سيكون استعداء حلفاء روما التقليديين، الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، كما يبدو أن حزب "الرابطة" الشريك في الائتلاف الحاكم في إيطاليا يعيد التفكير بشأن التقارب مع الصين.
ويقول ماتيو سالفيني، زعيم الحزب ونائب رئيس الوزراء: "ليس لدينا أحكام مسبقة، ولكننا في منتهى الحذر".
وأضاف سالفيني في مقابلة مع وكالة الأنباء الإيطالية "آنسا" يوم الثلاثاء الماضي: "لا نريد أن نصبح مستعمرة (صينية)".
أما الشريك الآخر في الائتلاف الحاكم، حزب "حركة خمس نجوم"، فقد أعرب عن مخاوف وهواجس أقل، وحاول جيوفاني تريا وزير الاقتصاد الإيطالي، وهو تكنوقراطي، التقليل من شأن الجدل حول مذكرة التفاهم مع الصين على أنه مجرد "زوبعة في فنجان".
وأعربت أميجيني عن قناعتها بأن الضرر قد وقع بالفعل، وقالت: "سواء تم توقيع الصفقة أو لم يتم، لقد فقدنا احترامنا وسنكون في عزلة داخل أوروبا. إنها اتفاقية ليست بلا ثمن".

الأكثر قراءة