FINANCIAL TIMES

«المركزي الأوروبي» يطرح برنامجا للتحفيز المالي

«المركزي الأوروبي» يطرح برنامجا للتحفيز المالي

عمل البنك المركزي الأوروبي بشكل مفاجئ على تغيير مساره من خلال إعادة إحياء برنامج التحفيز، الذي كان موجودا خلال فترة الأزمة المالية، بعد عامين من تخلي منطقة اليورو عن سياساتها النقدية الميسرة، كدلالة على تزايد القلق إزاء الاقتصاد الآخذ في التعثر في المنطقة.
هذا القرار المتمثل في تقديم عرض جديد من القروض الميسرة لمصارف منطقة اليورو، اقترن بالإشارة إلى أنه سيعمل على إبقاء أسعار الفائدة في مستوياتها المنخفضة تاريخيا حتى العام المقبل، ما وضع البنك المركزي الأوروبي في معسكر المصارف المركزية الرئيسة التي أحدثت انقلابا تاما في توجهاتها، في الأسابيع الأخيرة وهي تواجه تصاعد المخاطر التي أصابت الاقتصاد العالمي.
في إشارة إلى مدى القلق الذي يشعر به صناع السياسة في البنك المركزي الأوروبي، فقد قلصوا بشكل حاد من توقعاتهم حول نمو الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو هذا العام لتصل إلى 1.1 في المائة، هبوطا من توقع بنسبة 1.7 في المائة قبل ثلاثة أشهر فحسب.
كما تم خفض توقعات التضخم أيضا، حيث من المتوقع أن يعجز ارتفاع الأسعار الآن عن بلوغ المستوى المستهدف من قبل البنك، والبالغ 2 في المائة حتى عام 2021.
قال بول ديجل، كبير خبراء الاقتصاد لدى شركة أبردين ستاندرد للاستثمارات: "من المؤكد أن ذلك سيتجاوز الحد الذي اعتقد كثيرون أن البنك المركزي سيصل إليه. في هذه المرحلة، سيكون محور الاهتمام هو مدى مضي البنك المركزي قدما، نحو الاعتراف بأن الاقتصاد الأوروبي يواجه بعض الرياح المعاكسة الخطيرة في الأشهر المقبلة".
مع ذلك، بدلا من إنعاش الأسواق نتيجة وعود بمزيد من التمويل الرخيص، بدا الإعلان وكأنه يسبب الخوف للمستثمرين الذين أشاروا بشكل خاص إلى تحذير من رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي، يتضمن القول إن منطقة اليورو تمر "بفترة من الضعف المستمر، وعوامل اللبس السائدة".
كانت مصارف منطقة اليورو بصفة خاصة من أشد المتضررين، مع تراجع "دويتشه بنك" بنسبة 5.1 في المائة، و"كوميرتزبنك" بنسبة 4.9 في المائة، و"سوسييتيه جنرال" بنسبة 4.3 في المائة.
قال فريدريك داكروزيه، الخبير الاقتصادي لدى شركة بيكتيت لإدارة الثروات: "المخاطر التي يتعرض لها الاقتصاد تقع جميعا خارج نطاق سيطرة البنك المركزي الأوروبي. وهذا ما يجعل توقيت الخطوة التي اتخذها البنك أكثر إثارة للدهشة".
القروض الميسرة المقدمة للمصارف، والتي يطلق عليها اسم عمليات إعادة التمويل المستهدفة الأطول أجلا، من شأنها أن تشهد قيام البنك المركزي الأوروبي بإجراء سلسلة من المزادات للقروض متعددة السنوات بأسعار فائدة منخفضة من أجل درء خطر حدوث انهيار في الإقراض - وهذه هي المرة الأولى التي يعيد فيها تطبيق هذا البرنامج منذ نحو ثلاث سنوات.
تأتي هذه الخطوة بعد مضي ثلاثة أشهر على دعوة دراجي بإيقاف التوسع في برنامج شراء مجموعة من السندات بقيمة 2.6 تريليون يورو، في محاولة لإخراج منطقة اليورو من أزمتها المالية.
هذا التغيير في رسالة البنك المركزي الأوروبي حول أسعار الفائدة تعني أن من المحتمل أن يصبح دراجي، الذي سيترك منصبه كرئيس للبنك في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، الرئيس الوحيد للبنك المركزي الذي ينهي فترة ولايته دون زيادة أسعار الفائدة. كما استبعد كل من مجلس الاحتياطي الفيدرالي "المركزي الأمريكي" وبنك إنجلترا إدخال زيادات على أسعار الفائدة في أي وقت قريب، وسط بوادر تشير إلى حصول تعثر في الطلب العالمي.
حتى مع السياسات الجديدة، فقد أقر دراجي أنه لا تزال هنالك مخاطر سلبية تواجه اقتصاد منطقة اليورو – في دلالة على القيود التي تحد من قدرة البنك المركزي الأوروبي على التصدي لتهديدات منبثقة من مناخ سياسي تشوبه عوامل اللبس حول التجارة و"بريكست". كما أن أسعار الفائدة المعيارية لدى البنك المركزي هي أصلا عند مستوى الصفر.
قال ديفيد رايلي، كبير خبراء الاستثمار الاستراتيجيين لدى بلوباي لإدارة الأصول: "الحقيقة هي أن البنك المركزي الأوروبي عمل على الحد من الذخيرة النقدية لمواجهة المخاطر".
كثير من الأشخاص المرشحين لإشغال منصب دراجي – بمن فيهم رؤساء المصارف المركزية الفرنسية والألمانية والهولندية والفنلندية – شاركوا في المناقشات التي جرت في فرانكفورت، حيث أيد حتى الصقور التقليديين في مجلس المحافظين التدابير الجديدة.
الدعم المقدم من الصقور - مثل يينس فايدمان من ألمانيا والهولندي كلاس كنوت - سيعزز مصداقية برنامج التحفيز، وسيخفف من حدة المخاوف بأن السياسة النقدية سوف تتغير بمجرد رحيل دراجي.
على الرغم من جهود بعض أعضاء المجلس البالغ عددهم 25 شخصا لتمديد التزام بإبقاء أسعار الفائدة دون تغيير حتى آذار (مارس) من عام 2020، إلا أنه لم يجر تصويت رسمي بشأن ذلك، لأن آراءهم كانت متقاربة حول الخطوة المقترحة من قبل كبير خبراء الاقتصاد في البنك المركزي الأوروبي بيتر برايت، والمتمثلة في تجميد زيادات أسعار الفائدة والاستمرار في ذلك حتى نهاية العام.
بعد إعلان البنك المركزي، تراجع اليورو وصل إلى 0.9 في المائة لمستوى منخفض خلال الجلسة بنسبة 1.1206 دولار، وهو مستوى وصل إليه آخر مرة في منتصف شباط (فبراير) الماضي.
لاحظ المحللون لدى وكالة تي دي للأوراق المالية أن إعلان أظهر "أن البنك المركزي الأوروبي أصبح الآن أكثر قلقا بكثير إزاء التباطؤ في النمو، مما كان عليه في بداية العام".
احتفظ البنك المركزي الأوروبي بسعر إعادة التمويل الرئيس لديه عند مستوى الصفر وأبقى سعر الإيداع بنسبة سالب 0.4 في المائة. وقد تغير بيانه المقدم حول أسعار الفائدة عن النسخة التي صدرت مسبقا، والتي نصت على أن من المتوقع أن تبقى أسعار الفائدة دون تغيير "على الأقل حتى صيف عام 2019".
قال مجلس البنك المركزي الأوروبي إنه سيواصل إعادة استثمار عوائد السندات المستحقة ضمن برنامجه الخاص بالتسهيل الكمي بقيمة 2.6 تريليون يورو، "بشكل كامل" و"لفترة طويلة من الزمن" تتعدى التوقيت الذي ستبدأ فيه أسعار الفائدة في منطقة اليورو الارتفاع.
قال دراجي إن عمليات إعادة الاستثمار ستصل إلى ما قيمته نحو 20 مليار يورو من المشتريات شهريا.
يعتمد اقتصاد منطقة اليورو بشكل كبير على الصادرات، وقد ألقت المخاوف المتعلقة بمعارك التجارة العالمية و"بريكست" بظلالها على الأداء الاقتصادي للمنطقة.
إيطاليا، ثالث أكبر اقتصاد في المنطقة، تشهد حالة من الركود، وحتى ألمانيا محرك الاقتصاد، لم تتمكن سوى في اللحظة الأخيرة من تفادي الركود في نهاية عام 2018.
لا يزال مسؤولو المركزي الأوروبي يرجون أن يكون التباطؤ الاقتصادي مؤقتا، حيث أشاروا إلى سوق العمل القوية، وزيادة يسيرة في الإنفاق الحكومي، وسلسلة من العوامل التي حدثت لمرة واحدة وأثرت في الصناعة الألمانية في السنة الماضية، علاوة على ظهور علامات من الممكن أن تفلح في تحسين البيانات الاقتصادية في القريب.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES