في التكيف مع الأسواق .. المصارف الأمريكية تتفوق على الأوروبية

في التكيف مع الأسواق .. المصارف الأمريكية تتفوق على الأوروبية

بجانب بنك إنجلترا "المركزي"، يوجد تمثال لجورج بيبودي، "فاعل الخير الأمريكي والمحسن الكبير إلى الفقراء".
لقد كان أيضا ممولا جاء إلى الحي المالي في لندن، المركز المالي غير المتنازع عليه في العالم في ذلك الحين، وأنشا مصرفا بالشراكة مع والد جون بيربونت مورجان في عام 1854.
بورصة وول ستريت في ذلك الحين كانت موضعا فقيرا مقارنة بالحي المالي في لندن، بالذات في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية، قبل أن تنعكس تلك الأدوار بالطبع. بنك جيه بي مورجان تشيس، أحد خلفاء بيبودي ومورجان وشركاه، لديه الآن قيمة سوقية تبلغ عشرة أضعاف قيمة بنك باركليز، و20 مرة ضعف قيمة "دويتشه بنك".
على أن المكان الذي يبحث فيه أصحاب الأموال عن الثروة الآن هو نيويورك، وليس لندن أو فرانكفورت.
ظهرت الفجوة في القوة والربحية بين أسواق رأس المال في الولايات المتحدة وأوروبا منذ منتصف العقد الأول من الألفية، عندما اقتربت المصارف الأوروبية من اللحاق بمؤسسات أمريكية مثل جولدمان ساكس ومورجان ستانلي. إلا أن الفجوة قد تصبح أكبر حتى من ذلك الآن – بعض من أكبر مساهمي "دويتشه بنك" يريدون منه تقليص عملياته الخاسرة في بورصة وول ستريت.
كما يتعرض بنك باركليز أيضا للضغط من المستثمرين. إدوارد برامسون، الناشط الذي اتخذ الرحلة المعاكسة لرحلة بيبودي، من خلال مغادرة المملكة المتحدة في عام 1975 ليصبح من أصحاب المال في نيويورك، يضغط عليه من أجل تقليص أعمال المصرف الاستثماري.
المصرف الاستثماري المذكور يشتمل على العمليات الأمريكية السابقة لبنك ليمان براذرز، التي استحوذ عليها بنك باركليز بعد انهياره في الأزمة المالية عام 2008.
إذا نجح برامسون ومستثمرو "دويتشه بنك"، فإن المصارف الأوروبية لن تحاول مرة أخرى المنافسة بشكل مباشر مع مصارف وول ستريت الكبيرة.
بدلا من ذلك ستتراجع إلى قارة أقل ربحية، حيث تعيد هيكلة القروض السيئة والتخلص منها بأثر رجعي يعود إلى زمن الأزمة.
من خلال فصل لندن عن فرانكفورت وباريس، من المرجح أن يؤدي "بريكست" إلى تجزئة أوروبا أكثر.
معظم المصارف الأوروبية التي يفضلها المستثمرون انسحبت من الخدمات المصرفية الاستثمارية المتقلبة والخطرة، لمصلحة الخدمات المصرفية الاستهلاكية الثابتة في الأسواق المحلية، وإدارة الاستثمارات.
بنك يو بي إس هو من بين المصارف الأوروبية الأعلى قيمة، حيث كبح التداول في عام 2012 للتركيز على الخدمات المصرفية الخاصة.
قد لا يكون لدى المنافسين أي خيار سوى أن يحذوا حذوه. المصارف مثل دويتشه بنك توسعت في الولايات المتحدة في مطلع هذا القرن، لكن أعمالها تراجعت، وكان من الصعب استبدالها. جهودها للتقدم في بورصة وول ستريت من خلال الحجم الكبير واستخدام رأس المال ذي الرفع المالي العالي، تعثرت بسبب تشديد التنظيمات المصرفية.
تكيفت المصارف الأمريكية بسهولة أكبر لتقديم المشورة حول عمليات الدمج وجمع رأس المال للشركات، بمساعدة العلاقات القديمة مع الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات.
إن المصارف من شاكلة "جولدمان" تواجه تحديات تخصها، إلا أن لديها تاريخا وجذورا في السوق الأمريكية تقف إلى جانبها. أما "دويتشه بنك"، الذي تم تصنيفه بين أكبر ثلاثة مصارف استثمارية عالمية بعد الأزمة، فقد خرج من قائمة المراكز الخمسة الأولى.
هناك تاريخ طويل للمصارف الأوروبية التي ذهبت إلى نيويورك وحاولت اقتحام وول ستريت. بنك كريدي سويس كان رائدا في عام 1988 عندما اشترى حصة في بنك فيرست بوسطن، وفي وقت لاحق استحوذ على المصرف بالكامل.
"دويتشه بنك" بدوره، حقق تقدما آخر من خلال شراء "بانكرز تراست"، الذي كان متخصصا في المشتقات، في عام 1988. وبنك يو بي إس اشترى شركة الوساطة الأمريكية للتجزئة باين ويبر، بعد ذلك بعامين.
في حين إن مصرفي جولدمان ومورجان ستانلي "سليل آخر من بنك بيبودي" متمسكان بأعمالهما في أوروبا، عبر حماية الربحية من عملياتهما في الداخل، إلا أن التقدم كان أكثر صعوبة بالنسبة إلى الأوروبيين في الولايات المتحدة. الضغط الحالي على مصرفي باركليز ودويتشه بنك، هما أحدث مظهر من مظاهر المستثمرين الذين يتساءلون عن سبب اهتمامهم.
الجواب هو أن بورصة وول ستريت، بعد أن تقدمت على لندن في القرن التاسع عشر، هي سوق أكبر وأكثر ربحية من أوروبا.
هوامش الأرباح أعلى وهناك فرصة أكبر. ولديها مجموعة عميقة من المدخرات الخاصة وهي القاعدة الرئيسة للمؤسسات الاستثمارية الكبيرة مثل بلاك روك وفانجارد. لم تأمل المصارف الأوروبية فحسب، المشاركة بل أيضا للتعلم كيف تم الأمر.
هذه صورة طبق الأصل للحقبة الفيكتورية، عندما أقدم بنك بيبودي - الذي أُعيدت تسميته لاحقا "جيه إس مورجان آند كومباني" على اسم شريكه جونيوس سبنسر مورجان - على جمع المال من أجل مشاريع أمريكية مثل السكك الحديدية من مستثمري لندن.
الشركات في مؤشر فاينانشيال تايمز 100 أو مؤشر كاك CAC 40 في فرنسا تريد الآن استغلال المستثمرين الأمريكيين، لتعويم الشركات وجمع الديون، وتستطيع القيام بذلك من خلال بورصة وول ستريت.
بالنسبة إلى الشركات الكبيرة والمستثمرين الكبار في أوروبا، فإن اختلال القوة بين المصارف الأمريكية والأوروبية، ربما لا يبدو مثيرا للانزعاج إلى حد كبير في الوقت الحاضر – هناك دائما جهة ما لخدمتهم.
هذا الاختلال هو مشكلة أكبر بالنسبة إلى المصارف الأوروبية، خصوصا "دويتشه بنك"، الذي لديه سوق محلية ذات تنافسية عالية ولا يستطيع ببساطة التراجع إلى ألمانيا.
يجادل برامسون أن التركيز على مصرفية التجزئة هو فكرة أكثر جاذبية بالنسبة إلى بنك باركليز.
المصرف البريطاني يحقق الآن أرباحا كبيرة للغاية، حيث يزيد العائد على حقوق الملكية ثلاث مرات على مصرفه المخصص للشركات والعمليات الاستثمارية.
كما أن العمليات المصرفية ذات طابع دوري، وجيس ستانلي، الرئيس التنفيذي لبنك باركليز، محق في تقدير قيمة سعة المصرف – ويوما ما ربما تعود إحدى الفرص إلى المصرف.
ليس الأمر مجرد ارتباط عاطفي حين ترجو أن يقوى مصرف أوروبي واحد على الأقل للاحتفاظ بحضور بين مصارف الطبقة الأولى في بورصة وول ستريت.
تمثال بيبودي الجالس خارج بنك إنجلترا يبين القيمة طويلة الأمد للمغامرة في العاصمة العالمية لرأس المال والتمسك بها.
هذا أمر مهم بالنسبة إلى لندن، وسط الجيشان وعوامل اللبس المحيطة بـ "بريكست"، ومهم أيضا بالنسبة إلى أوروبا.

الأكثر قراءة