"ماتيرا" الإيطالية .. من ماضٍ مؤسف إلى عاصمة للثقافة الأوروبية

"ماتيرا" الإيطالية .. من ماضٍ مؤسف إلى عاصمة للثقافة الأوروبية

زاد غطاء مفاجئ من الثلوج البيضاء روعة الجمال الطبيعي الذي تتمتع به مدينة "ماتيرا" الإيطالية؛ مدينة الكهوف والمنحدرات، بعد وقت قصير من بداية العام الجديد، لكن بعد أيام قليلة، وبالتحديد أمس الأول، تم تدشين المدينة "عاصمة (ثانية) للثقافة الأوروبية لعام 2019".
وجاء تدشين "عاصمة الثقافة الأوروبية" الثانية بعد نحو أسبوع من إطلاق "عاصمة الثقافة الأوروبية (الأولى) لعام 2019"، مدينة بلوفديف البلغارية، برنامجها، بحسب "الألمانية".
وعلى مدار عام كامل، تضطلع سلطات المدينتين بالعمل الجاد من أجل تقديم برامج ثقافية متنوعة تسهم في إبراز هويتهما الثقافية، وتسلط الضوء على الثقافة الأوروبية، ودورها في تعزيز البنيان الأوروبي.
وتهدف مبادرة "عاصمة الثقافة الأوروبية"، إلى إلقاء الضوء على تنوع الثقافات في أرجاء القارة، والقواسم المشتركة بينها، وتعزيز مكانة وصور المدن الأوروبية على الساحة العالمية.
ودخلت "ماتيرا" التي تقع في إقليم "بازيليكاتا"، جنوبي إيطاليا، عامها الثقافي الأوروبي بشعار "مستقبل مفتوح"، حيث يتم تسليط الضوء على مظاهر الاندماج الاجتماعي والثقافي والابتكار الجماعي. ومن المقرر أن تنظم المدينة، بحسب بيان سابق للمفوضية الأوروبية، عديداً من الفعاليات والمعارض والبرامج عن دور المنطقة في تطوير الفن والعمارة في "عصر النهضة".
وتعد "ماتيرا" ثاني أكبر مدينة في إيطاليا ويعتمد اقتصادها على الزراعة، ويبلغ عدد سكانها 160 ألف نسمة، كما تعد ثالث أقدم مدينة في العالم بعد حلب في سورية وأريحا في الضفة الغربية في فلسطين، وبها منازل محفورة في الصخر تطل على وديان سحيقة وتسمى "ساسي".
ويقول ماريو داديجو؛ صاحب أحد المحال التجارية في "ماتيرا": "الآن.. سيعرف العالم أن ماتيرا موجودة.. المدينة جوهرة مدفونة".
ويقف داديجو؛ الذي يبلغ من العمر 46 عاماً داخل متجره، المنحوت من الصخور، مثله في ذلك مثل جميع المتاجر الأخرى والمساكن والمطاعم في ماتيرا. وتشتهر المدينة بمساكنها الكهفية التي تعود إلى آلاف السنين. ويملك داديجو؛ داخل متجره عديداً من التراث المسيحي، وفي الخلفية الكهوف القديمة.
واكتسبت "ماتيرا" سمعة سيئة كـ "وصمة عار"؛ حيث عاش الإيطاليون داخل المساكن الكهفية في "ساسو كافيوسو" و"ساسو باريزونا" حتى خمسينيات القرن الماضي، في ظل ظروف صحية سيئة، حيث كان السكان يربون الحيوانات داخل المنازل، ويتقاسمون معها أماكن النوم حتى عام 1952 عندما أصدرت الحكومة قانوناً يقضي بإخلاء هذه المساكن قسراً وإعادة ترميمها والاهتمام بالكهوف القديمة. وتمت إعادة توطين نحو 17 ألفاً من السكان.
ولكن خزي الماضي تحول إلى "أعجوبة" الحاضر، عندما صدر قرار عام 1986، بترميم المساكن الكهفية والحفاظ عليها. وبعد أقل من عقد من الزمان، وبالتحديد عام 1993، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) إدراج المدينة في 1993 ضمن قائمة التراث العالمي، ووضعت برنامجاً لإحياء المدينة من جديد لجعلها مزاراً للسائحين.
وتجذب "ماتيرا" اليوم كثيراً من السائحين، بتاريخها العريق وأقبيتها الحجرية التي لا تحصى ولا تعد. وتتوقع المدينة تحقيق 800 ألف ليلة سياحية على مدار عام "عاصمة الثقافة الأوروبية"، بحسب أحد مسؤوليها، سيرافينو باتيرنوستر. وسجلت "ماتيرا" 480 ألف ليلة سياحية في عام 2017.
ويقع أقرب مطار من المدينة على مسافة نحو 60 كيلو متراً، وهو ما يعني أن مَن يأتي إلى "ماتيرا" يقصدها، ولم تحمله المصادفة إلى هناك.
ويقول رئيس "مؤسسة ماتيرا بازيليكاتا 2019" باولو فيري: "هناك مَن يردد أنه لن يأتي أحد ليزور ماتيرا بعد عام 2019، وهناك مَن يقول إن الكثيرين قد جاءوا بالفعل".

الأكثر قراءة