الصلب الأخضر أداة مهمة لضبط تغير المناخ

الصلب الأخضر أداة مهمة لضبط تغير المناخ

وراء الكثبان الرملية على ساحل بحر الشمال الهولندي، سحب الدخان والبخار تملأ الهواء من كتلة المداخن والأنابيب والرافعات التي تشكل معامل الصلب المهيبة في إيمودن.
في أعماق هذا المجمع الصناعي، الذي أنتج لمدة قرن المعادن للسيارات والبناء والعلب الغذائية، يجري تنفيذ مشروع تجريبي – لجعل الصلب أنظف وأرخص.
الشركة المالكة للمعمل، أي التكتل الهندي تاتا، تصف عمليتها الجديدة بأنها "أداة لتغيير قواعد اللعب" قادرة على خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون واستهلاك الطاقة بمقدار الخمس في الوقت نفسه.
قال هانس فيشر، الرئيس التنفيذي لمجموعة تاتا ستيل في أوروبا: "هناك واجب كبير جدا بالنسبة لنا، كصناعة الصلب، لأننا أحد أكبر منتجي ثاني أكسيد الكربون".
على الرغم من مرور أكثر من عقد من الزمن في المرحلة الأولية، إلا أنه من غير المرجح طرح هذه التكنولوجيا الجديدة لصناعة الصلب على نطاق تجاري حتى الثلاثينيات من الألفية على الأقل.
أوضح فيشر: "السبب ليس ماليا، ولا يتعلق بالاستثمار. في الواقع، الأسباب الفنية هي التي تفرض استغراق هذا الوقت الطويل". في وقت يتسم بتجديد الجهود الدولية لتجنب كارثة بيئية، وتيرة التقدم البطيئة توضح المهمة الضخمة المتمثلة في إصلاح قطاع ضخم يشكل المصدر الصناعي الأكبر الوحيد لتلوث المناخ.
على الصعيد العالمي، يعد الصلب مسؤولا عن من 7 في المائة إلى 9 في المائة من جميع الانبعاثات المباشرة من الوقود الأحفوري، حيث إن كل طن يتم إنتاجه يؤدي إلى انبعاث 1.83 طنا من ثاني أكسيد الكربون في المتوسط، وذلك وفقا لجمعية الصلب العالمية.
وفي الوقت الذي ينمو فيه عدد السكان في العالم، من المتوقع أن يزيد الطلب.
قالت نيكول فويجت من مجموعة بوسطن الاستشارية: "من الواضح تماما أننا إذا أردنا الوصول إلى أهداف خفض الانبعاثات، وإبقاء الارتفاع الحراري درجتين مئويتين، يجب أن يصبح الصلب أيضا بشكل أو بآخر محايدا من حيث الانبعاثات".
هدف صناع السياسة، الذين شاركوا في مفاوضات اتفاق باريس برعاية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ في عام 2015، هو ضمان عدم ارتفاع درجات الحرارة العالمية بأكثر من درجتين، فوق المستويات التي كانت سائدة قبل الحقبة الصناعية.
حتى مع قيام شركات إنتاج المعدن الرمادي بتطوير مجموعة من التكنولوجيات الجديدة، من التعامل مع غازات النفايات إلى إعادة التفكير في المعادلات المعدنية الأساسية، يقول الخبراء إن إزالة الكربون على نطاق واسع من الصناعة لا تزال أمامها عقود من الزمن.
باعتباره مادة رئيسية محورية للاقتصاد الحديث، الذي هو أيضا السلعة الأكثر تداولا بعد النفط، ربما التحدي الأكبر هو تقديم ما يسمى صلبا أخضر بسعر تنافسي.
قال ديفيد كلارك، رئيس الاستراتيجية وكبير الإداريين للتكنولوجيا في شركة آرسيلور ميتال، وهي الأكبر لإنتاج الصلب في العالم من حيث عدد الأطنان: "من حيث المبدأ، هناك طرق تكنولوجية لخفض الانبعاثات من صناعة الصلب". وأضاف أن المشكلة هي أن "المجتمع عليه تقبّل ارتفاع تكاليف إنتاج الصلب".
الطريقة التقليدية لصناعة الحديد وخليطه المعدني من الصلب الأكثر قوة، من خلال صهر المواد الخام بدرجات حرارة عالية جدا، لم تتغير بشكل جذري منذ انتشار المعدن الرمادي قبل أكثر من 150 عاما.
أفران الصهر الكبيرة تعتمد على فحم الكوك، وهو وقود غني بالكربون مصنوع من الفحم الحجري، لتقليص خام الحديد إلى معدن سائل، الذي يتم تكريره إلى صلب.
على الرغم من التحسينات التي لا يستهان بها في الكفاءة على مر السنين، إلا أن قوانين الكيمياء تعني أن أكسيد الكربون هو نتيجة لا يمكن تجنبها لهذا التفاعل.
قالت فويجت: "هناك طريقتان لتتمكن من خفض بصمة الكربون. الأولى هي أن تتجنب ثاني أكسيد الكربون في إنتاج الصلب، بمعنى أن تحاول استخدام خردة سابقة، أو تستخدم شيئا غير الكربون كعامل اختزال.
"أو أن تستخدم تكنولوجيا المرحلة الأخيرة، وهي تخزين الكربون أو استخدامه. السؤال هو أي طريقة ستختار؟ لا يزال الأمر يخضع للنقاش، على الرغم من أنك تستطيع الجدال بأن الطريقة الأخيرة أكثر جدوى".
هناك بديل ثابت لأفران الصهر هو أفران القوس الكهربائية المعروفة بـ"إيفس" EAFs التي تصهر الخردة، بدلا من استخدام المواد الخام. أفران القوس الكهربائية أصغر وأقل تكلفة، ولأنها لا تستهلك فحم الكوك فإنها تضخ كميات ثاني أكسيد كربون أقل من أفران الصهر. وهي تمثل الآن نحو ربع إنتاج الصُلب العالمي.
مصادر الطاقة المتجددة وحدها لا تستطيع تلبية مطالبها الضخمة من الكهرباء – ما يكفي لتزويد مدينة مكونة من 100 ألف شخص بالكهرباء. هناك قيد آخر هو توفير الخردة، بينما الدرجات التي تنتج في أفران القوس الكهربائية، غالبا ما لا تكون النوعية المناسبة لصناعات معينة، مثل السيارات.
بالنسبة لكثيرين في صناعة الصلب، تكمن الكأس المقدسة في العثور على طريقة أقل تلويثا لاستخلاص الحديد من مادته الخام.
قال كريس ماكدونالد، الرئيس التنفيذي لمعهد معالجة المواد القائم في المملكة المتحدة، وهو منظمة أبحاث: "هذا هو التحدي الحقيقي أمام شركات صناعة الصلب. لا يتعلق الأمر بكونها أكثر كفاءة فقط".
"هناك تفاعل كيميائي يحدث وبالتالي تحتاج إلى الكربون، لكن نأمل أن يكون بإمكانك يوما ما الحصول على الهيدروجين للقيام بهذه المهمة".
بسبب قدرة الهيدروجين على التخلص من جميع انبعاثات الكربون من مرحلة صناعة الحديد، تحاول بعض الشركات جعل الصلب القائم على الهيدروجين قابلا للتطبيق اقتصاديا.
مجموعة الصلب السويدية ساب SSAB تبني منشأة تجريبية بتكلفة 150 مليون يورو، مقرر إنهاؤها في عام 2020 وسيجعل ذلك الحدث البلد الاسكندنافي أول بلد يصنع المعدن بدون وقود أحفوري.
الهيدروجين الذي ينتج عن طريق التحليل الكهربائي من مصادر الطاقة المتجددة الوفيرة في السويد، سيتم استخدامه لتقليص الخام إلى منتج يسمى الحديد الاسفنجي، الذي يمكن تحويله إلى صلب من خلال أفران القوس الكهربائية.
إنتاج الهيدروجين النظيف مكلف وقد يتطلب توسيعا هائلا في القدرة على توليد الطاقة المتجددة.
شركتا بوسكو في كوريا الجنوبية وفويستالباين في النمسا تسعيان لتنفيذ مشاريع مماثلة، على الرغم من أن الأخيرة قالت إن الأمر قد يستغرق عقدين من الزمن ليصبح حقيقة واقعة.
حتى ذلك الحين، فإن شركات صناعة الصلب تتخذ خطوات وسيطة. نظام مجموعة تاتا يزيل عدة مراحل من المواد الخام في مرحلة ما قبل المعالجة، وإذا ما اقترن ذلك مع اقتناص وتخزين غازات النفايات، بإمكان الشركة خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 80 في المائة.
شركة آرسيلور ميتال تدعم مشروعا بتكلفة 150 مليون يورو لنشر الميكروبات لتحويل غاز أول أكسيد الكربون النفايات إلى ثنائي الإيثانول، الذي يمكن استخدامه كوقود نقل أو في صناعة البلاستيك. هناك مبادرة أخرى تهدف إلى استبدال فحم الكوك في أفران الصهر بالفحم الحيوي المصنوع من النفايات الخشبية.
في حين أن عددا من المشاريع في أوروبا تتلقى تمويلا عاما، إلا أن أرقام الصناعة تشير إلى أن المبالغ تتضاءل أمام المساعدات المقدمة للطاقة المتجددة.
يقول المشككون أيضا إنه طالما أن هناك بعض البلدان التي لا تعطي الحوافز لشركات صناعة الصلب لتغيير نهجها، فهناك الخطر المتمثل في أن المواد الأرخص – والأقذر – ستغمر المناطق، مثل الاتحاد الأوروبي، التي تفرض فيها رسوم على الشركات مقابل الانبعاثات، ما يضعف القدرة على الاستثمار في التكنولوجيات النظيفة.
وقال يينس بوركهاردت من مجموعة بوسطن الاستشارية: "هذا يجعل الصلب واحدا من أكبر المعضلات من منظور تقليص ثاني أكسيد الكربون على المستوى العالمي، لأنه من الصناعات القليلة التي تحتاج إلى مجهود متكافئ في أنحاء العالم، وإلا فستحصل على اختلالات تجارية لا يستهان بها".

الأكثر قراءة