الطاقة- النفط

محللون: تأثير عزل إيران ماليا يفوق انخفاض صادراتها النفطية

محللون: تأثير عزل إيران ماليا يفوق انخفاض صادراتها النفطية

في خضم الاهتمام العالمي بالعقوبات الدولية المفروضة على نظام الملالي في إيران، انصب أغلب التركيز وجله على العقوبات النفطية، وتأثير تراجع صادرات النفط على الاقتصاد الإيراني ومستقبله، وخف الضوء عن الجوانب الأخرى من العقوبات، التي تعد من وجهة نظر كثير من الخبراء والاقتصاديين أكثر تأثيرا وضررا على الاقتصاد الإيراني في الأمد الطويل، بل إن تأثيرها سيتواصل حتى وإن عاد الملالي يوم ما إلى رشدهم، وأدركوا أن استمرارهم في غيهم سيقودهم إلى التهلكة، دولة كانوا أم مجتمعا.
وتعتقد الباحثة الاقتصادية إنبر ماك، أن تركيز الإعلام الدولي على موضوع النفط في الحزمة الثانية من العقوبات الدولية على إيران، يعود إلى مجموعة من الأسباب، من أبرزها الطابع العالمي لسوق النفط، وتأثيره على جميع دول العالم بلا استثناء، كما أن طهران لاعب رئيس في منظمة أوبك وأحد كبار المصدرين للنفط في العالم.
وتضيف لـ "الاقتصادية"، أن "الجوانب الأخرى في حزمة العقوبات الثانية وأعنى فرض عقوبات على شركات الشحن والموانئ الإيرانية أو النظام المصرفي الإيراني أو شركات التأمين، ربما تكون أقل تأثيرا على الأسواق الدولية، ولكنها أكثر خطورة على الاقتصاد الإيراني، ويمكن أن تؤدي إلى الوفاة الكاملة لعديد من الصناعات التي استثمرت فيها إيران لسنوات مثل صناعة الشحن البحري، والموانئ".
وتستدرك ماك قائلة، إنه "حتى التطوير النسبي الذي شهده القطاع المصرفي، إثر رفع العقوبات من قبل إدارة أوباما سيذهب أدراج الرياح، كما أن قطاع التأمين سيمنى بضربة قاسية للغاية تجعل من المشكوك فيه أن تستطيع شركات التأمين الإيرانية مواصلة العمل وربما تعلن إفلاسها، أو مواصلة العمل بتكلفة مرتفعة".
وفي الواقع، فإن كثيرا من الخبراء المصرفيين يعدون أن قيام نظام سويفت الدولي المالي بتطبيق العقوبات الأمريكية على النظام الإيراني، عبر منع الوصول لمعظم المصارف الإيرانية ضمن منظومة التحويلات المالية الدولية بين مصارف العالم، يمثل ضربة قاصمة لكل من النظام المالي الإيراني من جانب وكذلك للتجارة الخارجية الإيرانية.
ويوضح لـ "الاقتصادية"، إليستر بين الخبير المصرفي، أن "عزل إيران ماليا ربما يتجاوز تأثيره في بعض الجوانب انخفاض العائدات الإيرانية من النفط، فتأثير الخروج من النظام المالي العالمي مباشر وملموس على جميع مكونات المجتمع الإيراني ومن بينهم الأفراد، فالأسر الإيرانية التي تعول على التحويلات المالية التي تحصل عليها من أبنائها المهاجرين في الخارج، ستعاني الأمرين نتيجة توقف تلك التحويلات، وبالطبع سينعكس ذلك على مستوى معيشتها، وسيزيد ذلك من درجة الاحتقان الاجتماعي، كما أن الأسر الإيرانية الميسورة التي يدرس أبناؤها في الخارج ستزداد تكلفة الإنفاق عليهم، بل سيكون من الصعب للغاية مواصلة تمويلهم خاصة في ضوء تواصل انخفاض العملة الإيرانية في مقابل الدولار الأمريكي، وحتى إذا استطاعت الشركات الإيرانية الكبرى المقربة من الدولة التحايل على النظام المالي العالمي، بطرق ملتوية وغير قانونية، فإن ذلك سيكون شبه مستحيل للشركات المتوسطة والصغيرة، وإذا أخذنا في الاعتبار أن تلك الشركات هي اللاعب الرئيس في عمليات التصدير الإيرانية سواء للمنتجات التقليدية كالسجاد أو السلع الزراعية، فإننا نتوقع أن تمنى أغلبها بالإفلاس، ولن يكون أمام الحكومة إلا تقديم دعم سخي لصغار رجال الأعمال لمواصلة العمل، وهو أمر يصعب تحقيقه في ظل تراجع العائدات النفطية، ومن ثم فإن عزل إيران ماليا يعني عمليا خنق الاقتصاد الإيراني بصورة عنيفة".
ويبدو أن هذا النوع من العقوبات برز تأثيره بشكل مباشر على علاقة إيران الخارجية، حتى قبل دخول الحزمة الثانية من العقوبات حيز التنفيذ، إذ أعلن رئيس غرفة التجارة الإيرانية الصينية توقف المعاملات البنكية بين التجار الصينيين ونظرائهم الإيرانيين، ما سيؤدي عمليا إلى عراقيل كبيرة بشأن الصادرات الإيرانية إلى الصين، كما أن المحادثات الثنائية لم تسفر عن تحقيق نتائج إيجابية بين الطرفين على أرض الواقع.
ويعتقد كثير من المعنيين بالشأن الإيراني أن طهران ستحاول التحايل على تلك العقوبات بطرق مختلفة سواء عبر الوسائل غير الشرعية مثل غسيل الأموال والتهريب، أو عبر ابتزاز المشاعر الدولية بالحديث عن التأثير السلبي لتلك العقوبات على الأوضاع الإنسانية في البلاد.
ويحذر الخبراء بأن الاستجابة للابتزاز الإيراني لن يصب بأي حال من الأحوال في مصلحة أبناء الشعب الإيراني وإنما في مصلحة الطغمة الحاكمة في البلاد.
ويشير الدكتور فريهاد علي شيرازي الخبير الاقتصادي إلى أن العقوبات الدولية ستقلص بشدة الناتج المحلي الإجمالي الإيراني، ومعدل النمو سيتحول إلى سلبي بحلول عام 2020.
ويرجح فريهاد أن يسهم ذلك في تنامي حدة الاستقطاب الاجتماعي في المجتمع بما لذلك من تداعيات سلبية على الجانبين الاقتصادي والسياسي.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن "الفكرة الرئيسة في الحزمة الثانية من العقوبات الدولية، ترتكز على تقليص هامش المناورة والحركة أمام نظام الملالي، وتغيير التوازن بين التكاليف والفوائد المترتبة على أنواع معينة من السياسات الخارجية، عبر رفع التكاليف وتقليص الفوائد الناجمة عن اتباع مسار سياسي قائم على نشر الإرهاب في العالم، وهذا يعني عمليا أن المنظومة الاقتصادية الإيرانية يجب ألا تكون قادرة على تمويل مجمل الأهداف السياسة للنظام، كما أن تقليص إجمالي المداخيل المالية للدولة الإيرانية، سيؤدي إلى تخبط وتصارع الأجنحة المختلفة للنظام على الكم المتراجع من تلك المداخيل، وهذا سيضع رأس النظام أي المرشد الأعلى علي خامنئي أمام خيارات صعبة تتعلق بتوزيع تلك المداخيل على القوى المختلفة داخل النظام، وإذا أخذنا في الاعتبار أن الحزمة الأولى من العقوبات، وهي أقل حدة من الحزمة الثانية، قد أدت إلى خروج مسيرات غاضبة نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي، فإن خامنئي سيواجه وضعا صعبا يتمثل في محاولة رشوة الطبقة المتوسطة والبازار (بازار مفردة فارسية تعني السوق، أو بالأحرى السوق الكبير، وهو مكان للبيع والشراء، غير أن البازار في إيران تحول عبر القرون إلى مؤسسة اقتصادية تقوم بدور توزيع السلع والمنتوجات على نطاق واسع، وتمثل الرأسمالية التقليدية في إيران)، بمنحهم مزيدا من الإعانات والدعم للحيلولة دون استغلال معارضيه للوضع، وهذا يعني إثارة حفيظة كبار رجال الحرس الثوري، وإذا قام بإرضاء الحرس الثوري فإن نطاق الغضب الشعبي سيزداد، وسيتنامى الاحتقان الداخلي".
ويبدو من تصريحات كبار المسؤولين في البنك المركزي الإيراني، أن البند الأولى على جدول أعمالهم حاليا، يتمثل في السيطرة بكل السبل على معدلات التضخم، التي يمكن أن يؤدي ارتفاعها إلى إذكاء روح الغضب والثورة على نطاق واسع في البلاد، خاصة في ظل مخاوف بعض الاقتصاديين الإيرانيين من إمكانية أن تقفز معدلات التضخم، بعد أن يبدأ مفعول العقوبات في التبلور إلى ما يراوح بين 80 - 90 في المائة.
ومع هذا يطلق بعض أنصار النظام أطروحات بأن إيران قادرة على تجاوز العقوبات، بل هزيمتها، فالعقوبات لم تأت مفاجأة، أو على حين غرة، كما أنها لا تعد المرة الأولى التي تواجه فيها طهران عقوبات دولية، حتى وإن كانت أقسى ما تعرض له نظام الملالي حتى الآن، أفلا يعد هذا التاريخ الطويل من التعامل مع العقوبات، والمعرفة المسبقة بها كفيلا بأن تكون طهران مستعدة لمواجهتها والانتصار عليها.
يرى الدكتور بيرت برودي أستاذ الاقتصاد الدولي، بأن إيران استعدت دون شك وبقدر الإمكان لمواجهة تلك العقوبات، كما أنها شأنها في ذلك شأن جميع الحكومات التي تتعرض للعقوبات ستسعى إلى استخدام جميع الأوراق المتاحة لديها لتخفيف التأثيرات السلبية لتلك العقوبات، ومع هذا فإنه لن يكون أمامها من مفر غير تعديل نهجها السياسي أو مواجهة الانهيار الاقتصادي.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أنه "ليس هناك بيانات أو معلومات موثوق بها متاحة بشكل منتظم عن الاقتصاد الايراني، وهناك ثغرات كبيرة وشكوك حول مصداقية الأرقام التي تستخدمها الحكومة، لكن إذا نظرنا إلى بيانات المؤسسات الدولية سنجد أن هيكل الاقتصاد الإيراني وحتى قبل فرض العقوبات يتصف بمحدودية في التنوع ويعتمد على النفط، كما أن العلاقة بين السياسة والاقتصاد شديدة الالتباس في إيران، وكثير من المشروعات التي تديرها الدولة غير مجدية اقتصاديا، ولكن يستمر العمل بها لتمويل شبكة المصلحة السياسة والأيدلوجية، والفساد مستشر بدرجة مخيفة، والبيروقراطية المعرقلة تهيمن على مفاصل صنع القرار، ونتيجة لذلك فإن الإدارة السياسة في إيران تستطيع دائما حماية نفسها، بينما لا تمتد شبكة الأمان تلك إلى الشعب الإيراني".
ويشير برودي إلى أن "الإجراءات والتدابير التي اتخذها نظام الملالي لمواجهة العقوبات محدودة بطبعها لأن الاقتصاد الإيراني بتركيبته وهيكله محدود القدرة، ومن ثم قدرته على مراكمة الثروات لاستخدامها في وقت الأزمات محدود، وتلك الثروات المحدودة تستخدم بالأساس لحماية النخبة الحاكمة، ولن يستفيد منها المواطن كثيرا، ولذلك الإجراءات الإيرانية لمواجهة العقوبات قد تنفع لبعض الوقت ولفترة محدودة للغاية، ولكنها لا يمكن أن تهزم العقوبات الدولية".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من الطاقة- النفط