Author

«الترمبية» وآ ثارها الاقتصادية

|
كاتب ومستشار اقتصادي
منذ دخوله مرشحا في الانتخابات وحتى فوزه برئاسة الولايات المتحدة ودخوله البيت الأبيض في بداية 2017 بفضل أصوات ناخبي ولايات Rust-belt ودونالد ترمب يوصف بأنه رئيس مختلف عمن سبقه، وهو ما جعل الإعلام الغربي يستخدم مصطلح "الترمبية" Trumpism للتعبير عن أفعال الرئيس الذي نقل مكتبه من البيت الأبيض إلى فضاء "تويتر"، وهو ما جعله أكثر السياسيين في العالم متابعة على هذا الموقع (يبلغ عدد متابعيه 55 مليونا). و"الترمبية" وصف لفلسفة وتصرفات الرئيس ترمب، التي تنطلق من شعاره "أمريكا أولا"، وما تلاه من تصريحات وأفعال منذ جلوسه في المكتب البيضاوي بداية من الهجوم على المكسيك وتهديده ببناء جدار عازل على طول حدودها، ثم انسحابه من اتفاقية الشراكة على جانبي المحيط الهادئ المعروفة اختصارا بـTPP، وكذلك تخليه عن اتفاقية باريس لمكافحة التغير المناخي. والحديث عن ترمب وظاهرة "الترمبية" حديث يطول، إلا أن أهم ما أفرزته "الترمبية" إلى اليوم في الشأن الاقتصادي هو قيام ترمب بفرض الضرائب على واردات الصين، وعقوباته على إيران بسبب أنشطتها النووية المحظورة دوليا وما تقوم به من أعمال تخريبية في المنطقة وعديد من دول العالم. وفيما يخص الأولى، فترمب انطلق من شعار"أمريكا أولا"، وفرض ضرائب مقدارها 200 مليار دولار على واردات الصين، والسبب الذي يسوقه ترمب لتبرير تلك الخطوة هو أن الميزان التجاري الأمريكي يحقق عجزا كبيرا ومستمرا في مقابل الصين، حيث تصدر الصين لأمريكا ما قيمته 500 مليار دولار في مقابل استيراد 130 مليار دولار فقط. وقبل إقدامه على هذه الخطوة ضحى ترمب بالسياسة المالية حينما خفض ضرائب الشركات من 35 إلى 15 في المائة وهو ما أدى لوصول عجز الموازنة الأمريكية من بداية هذا العام وحتى نهاية أغسطس إلى898 مليار دولار بزيادة نسبتها 40 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ترمب يحارب الصين تجاريا معتمدا على قوة السوق الأمريكية الشرائية، حيث ستجد بعض الشركات أنه لابد من الانتقال إلى الإنتاج داخل أمريكا وهو ما يعزز الإنتاج الأمريكي ويوظف الأمريكيين ويحسن معدل التبادل مع الصين وغيرها. وفيما يتعلق بحظر ترمب التعامل التجاري مع إيران، فالقرار - وإن كان لأسباب سياسية وأمنية لتصرفاتها وأعمالها العدائية - إلا أنه استخدم أدوات الاقتصاد وهي الحظر التجاري ومنع الشركات والدول من التعامل معها، وبحسب ترمب فإن أي جهة تقوم بذلك لن يكون بإمكانها التعامل تجاريا مع الولايات المتحدة، داعيا إلى "صفر" تعامل مع إيران. وتجاوبت الدول الآسيوية الأربع المستورد الأكبر للنفط الإيراني وهي الصين والهند واليابان وكوريا وقللت وارداتها من إيران، في حين لم تعلق تركيا بشيء وهي المستورد الخامس للنفط الإيراني، وقالت أوروبا إنها ستنشئ مؤسسة مالية مستقلة للتعامل مع إيران وهي خطوة رمزية ليس لها أي تأثير اقتصادي لأن التبادل سيكون عن طريق المقايضة وليس البيع والشراء بسعر السوق. بالطبع، رفع الضرائب على صادرات الصين لأمريكا سيحرم شركات الصين من السوق الكبرى عالميا، ومن المنتظر أن تعيد بكين توجيه بوصلتها بحثا عن أسواق أخرى عبر طريق الحرير، كما ينتظر أن تسجل معدلات النمو الصيني انخفاضا متوسطا لعدم وجود البديل للسوق الأمريكية في الوقت الراهن. وفيما يتعلق بالنفط فعقوبة إيران رفعت أسعار النفط لما فوق 80 دولارا للبرميل، ولم تستجب "أوبك" لدعوة ترمب لزيادة الإنتاج لخفض أسعار النفط، ولم يعلق أي من أعضائها على هذه الدعوة، ولن تستطيع "أوبك" تعويض سوق النفط دون الاتفاق مع حليفها الروسي المنتج الأكبر من خارج المنظمة. والخلاصة، أن الأمور ما زالت في بداياتها، فالضرائب على واردات الصين سيظهر أثرها بشكل جلي في نتائج الربع الأخير من هذا العام، في حين ستبقى أسعار النفط تراوح عند مستواها الحالي وليس منتظرا من "أوبك" تعويض كل صادرات إيران النفطية لأنه لم يتدخل أحد لمصلحتها عندما انخفضت الأسعار إلى 25 دولارا للبرميل، وبالتالي فلن تزيد المنظمة إنتاجها بشكل يؤثر في مصالح وعوائد دولها من بيع النفط الخام الذي تعتمد عليه موازناتها بشكل شبه كلي.
إنشرها