ترف ثقافي.. حاجة إنسانية.. أم نزعة كتابية تملأ الفضاء؟

ترف ثقافي.. حاجة إنسانية.. أم نزعة كتابية تملأ الفضاء؟

بداية التدوين

تعود كلمة ''تدوين'' إلى الكلمة الإنجليزية blog أو weblog ويرمز الجزء web إلى اختصار للشبكة العنكبوتية، فيما تُرجمت كلمة blog إلى الفعل ''يدوّن''. أو يسجل ويكتب بشكل دوري ومستمر.
يختلف المدونون على طريقة بدئهم الأولى. لكنها، على الأرجح، بدأت ببداية انتشار الشبكة في نطاقها الحالي. وإن كان البدء، بالطبع أكثر صعوبة وتعقيداً مما هو عليه الآن. بدأ الأمر كأفكار برمجية للمواقع الشخصية أو المختصة بتجمع معين يقوم على هواية ما أو توجه عرقي أو سياسي أو أيديولوجي.
اقتبست الفكرة كبريات المواقع المختصة بتقديم مساحات للاستضافة المجانية، حيث طورت برمجيات وأكواد أتاحت لزائريها الحصول على مساحات مجانية محدودة، مقابل نشر ارتباط دعائي يعود للموقع الأم، وأعطت للزائرين مطلق الحرية في نشر ما يريدون، وقلصت الرقابة إلى حدود قصوى، أعطت للمدونين اللبنة الأولى لمشروعهم: الحرية، تقلص الرقابة!
ظل التعامل مع هذه البرمجيات صعباً، ومحصوراً في فئة معينة من هواة التصميم والنشر الإلكتروني. لذلك اختصت المدونات الأولى بالكمبيوتر والتقنية. وغاب منحاها الحياتي نوعاً ما. إلى أن دخل موقع Blogger.com إلى الساحة وأعلن في صفحته الأولى أن خمس دقائق فقط هي ما تحتاج إليه كي تصير مدوناً!
يمكن القول إن الانطلاقة الحقيقية للتدوين جاءت عن طريق هذا الموقع، مما دفع بمواقع كثيرة إلى أن تحذو حذوه، وتقدم الخدمة نفسها، مع فارق جوهري الآن: ثلاث دقائق فقط!
تقدم هذه المواقع للمسجلين فيها مساحة منظمة للكتابة، وتظهر كتاباتك على الشاشة بشكل منظم، الأحدث فالأحدث. مع مساحة لمقدمة تشرح فيها اهتماماتك، والغرض من كتابتك، ومجال الكتابة، والسيرة الذاتية بالطبع، مع إضافة خاصية تجعل أي زائر، أي زائر في العالم لموقعك يملك حق الاعتراض الكامل على ما تكتب. أو حتى يكتب مقاله المعترض الكامل، في مساحة.
إنها تشبه سبورة فضائية: من حق كل سكان الأرض الكتابة!
أهمية التدوين:
هل تصل الكتابة أم تطير؟
قد لا تصل لبغيتك من المدونات عبر أي محرك بحث عادي. إذ إن تركيبتها البرمجية وعناوينها المركبة لا تجعل محركات البحث المعتادة -google على سبيل المثال - تتعرف عليها بسهولة. هذا أوجد حاجة لمحركات بحث تختص بالمدونات، لترتيبها وتصنيفها حسب الموضوع والمكان. من هنا جاء محرك البحث : http://www.technorati.com/ المختص بالمدونات.
دخول هذا الموقع مغامرة أفقها العالم. حيث يكتب أصحاب المواقع، المدونون، آراءهم بإطلاق وحرية عن أحداث العالم الساخنة: أعاصير أمريكا، وجوائز إيمي التلفزيونية، وحرب العراق ومحمود درويش ونادي برشلونة الإسباني وإطلاق لا حد له تماماً، والكتاب بلا تصنيف واضح أيضاً: أدباء وفنانون وأطباء ووزراء سابقون ومهندسون وطلاب ومشردون وعاطلون. كل الأصناف موجودة.
الكلام يدور غالباً، ويصدر دوياً أكبر من قيمته الحقيقته، بفعل التعليقات والنقولات والنقاشات. وفي مؤتمر محلي أقامه مدونو أمريكا وكندا في سياتل في آذار (مارس) الماضي اتفقوا على إيجاد مساحة أكبر من الحرية، ومطالبة الجهات الإعلامية والرسمية بالاعتراف بهم ككيانات مستقبلة. كانوا قد طرحوا مطالبهم في سلسلة اجتماعات مع الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش. إبان حملته الانتخابية السابقة، ويخططون لاعتراف علني بهم كشخصيات اعتبارية قيمية: يريدون أن يصبحوا صحفاً صغيرة!
في إيران: اجتمع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بجمع قوامه عشرة آلاف مدون إيراني. أبدوا فيه ملاحظاتهم واقتراحاتهم لسياسة إيران، ولما يكون عليه مستقبل إيران. كان هذا إبان حملته الانتخابية، والمدونون باللغة الإنجليزية في إيران يرجعون لأنفسهم الفضل في تزايد شعبيته في الأوساط الشبابية!

التدوين العربي..
البداية السريعة!
ينتقد أسامة، المدون الإماراتي على موقعه http://www.osama.ae أداء أحد كبار البنوك الإماراتية، ليأتيه رد سريع من مسؤول كبير في البنك، ينشر في المدونة نفسها.
وفي مدونة ''نصف كوب'' http://www.halfcup.net/mag/ يعلن مساعد لقرائه أنه سيكون إيجابياً تماماً، وسيكتب، دائماً، عن نصف الكأس الممتلئ. هذه الفكرة إضافة للشكل الأنيق الذي عليه التصميم. تزيد عدد قرائه دائماً.
وفي ''مجتمع رحلة حياة'' تجمع موسع لمدونين عرب - غالبيتهم سعوديون - يعطيهم الموقع مساحة غير مشروطة بتصميم أنيق، تراوح الكتابة فيها بين ما هو أدبي وشعري جاد، وبين ما هو مكتوب بدافع التسلية المحضة. إلى حد أن يعلن أحد المدونين أن السبب الحقيقي في افتتاح مدونته الخاصة هو شعوره الشخصي بأنه يدخل بيوتاً حقيقية عند دخوله مواقع التدوين، مما دفع به إلى افتتتاح بيته الخاص!
بدأ التدوين العربي كمحاولات متفرقة تستعمل اللغة الإنجليزية كلغة تواصل وخطاب. بالإضافة لكونها تجارب معزولة غاب نطاقها التأثيري بغياب شرط الاجتماع والحوار. يحصي موقع ''الشامل في المدونات العربية'' ما يقارب الخمسمائة مدونة عربية، معظمها لكتاب مصريين يكتبون باللغة العامية، ويصنعون لأنفسهم رأياً عاماً مستقلاً ينتقد سياسة الحكومة وغلاء الأسعار وظروف المواطن والانتخابات الرئاسية الأخيرة.
ويحصي موقع Saudi blog ما يقارب الستين مدونة باللغتين العربية والإنجليزية. وحتى لو كان الطابع العام للكثير هو المظهر التقني أو الترفيهي الصرف، فإن محاولات جادة تكتب الرأي المستقل بموضوعية. مع بعض الكتابات الإبداعية المتناثرة هنا وهناك.
الكتابات الإبداعية ظلت بحصة ضئيلة طوال الوقت، حيث يكتبها بشكل متفاوت محمد الشموتي من مصر ويتبعه عدد قليل على النطاق العربي الآخذ في الازدحام.
احتكاكك الأول بهذا المجتمع، قد يجعلك جزءاً منه بسرعة، وقد تجد نفسك بدون علم مشاركاً في فضاء الكتابة. سنسألك وقتها: هل وجدت الأمر ضرورة ثقافية؟ أم حاجة إنسانية؟ أم نزعة كتابية تملأ الفضاء؟

الأكثر قراءة