السياسية

حسن نصر الله .. صبي طهران وأمين تنقلات "داعش"

حسن نصر الله .. صبي طهران وأمين تنقلات "داعش"

"في منتصف أغسطس الماضي نقلت لنا شاشات التلفزة لقطات تبدو شاذة للناظرين، مقاتلي تنظيم "داعش" ينتقلون برفقة أسرهم في حافلات يحميها الجيش اللبناني وحزب الله والجيش السوري. فأعداء الأمس، أي الجيش اللبناني وحزب الله والجيش السوري، صاروا اليوم حريصين على نقل عناصر التنظيم بأمان من الحدود اللبنانية إلى الحدود السورية العراقية، منهين بذلك أحد فصول رواية لحرب داخلية طويلة بالوكالة".

بهذه الصورة الفجة والحقيقية في آن لنهاية معركة عرسال العبثية يستهل ماجد عاطف الباحث في معهد واشنطن للدراسات تقريره حول تمدد ميليشيا حزب الله بأمر من طهران وبمتابعة وتنفيذ من صبيها المطيع في المنطقة حسن نصر الله. ولعبة الكر والفر، ما بين سورية والعراق وحدود لبنان، التي امتهنها الحزب، وفقا لوقائع ميدانية يسوقها التقرير، متباينة جغرافيا ومتقاربة زمنيا، فيما الجامع الأوحد بينها هو تأذي بيروت والمنطقة المباشر منها.

فبعد دخول حسن نصرالله الحرب في سورية، يضيف عاطف، التي بالطبع كان للتكليف الإيراني له بدخولها دور بارز، لكنها أيضا كانت نقلة في مسار حزب الله الذي يسعى جاهدا للتحول من حركة مقاومة في بلد صغير مثل لبنان إلى قوة إقليمية لها ثقل في المنطقة، وهذا ما أكده بالفعل خلال معركته الأخيرة في جرود عرسال التي أعلن فيها انتهاء وجود "داعش" على الحدود اللبنانية والسورية وإحكام سيطرته على الداخل اللبناني بشكل كبير ومحاولة حزب الله إشراك الجيش اللبناني معه في كل شيء بهدف تكرار النموذج الإيراني (الحرس الثوري والجيش النظامي).

ومع قيام الثورة السورية في 2011 وما أعقبها من انقسامات وتطاحن بين القوى المختلفة، نزح عدد غير قليل من سكان مدينة القلمون السورية (أغلبهم من السنة) وعبروا الحدود اللبنانية واستقروا ببلدة "عرسال" اللبنانية، التي تقع على الحدود السورية اللبنانية. وربما بسبب وجودها على مرتفعات جبلية اكتسبت عرسال التي لا يتجاوز عدد سكانها 35,000 نسمة اسمها، الذي يعني باللغة الآرامية القديمة "عرش الرب" البلدة الصغيرة التي باتت مسرحا جديدا لصراعات إقليمية.

ونظرا لأن البلدة الصغيرة لا تستوعب الأعداد النازحة، تم إنشاء مخيمات للاجئين. وبمرور الوقت أحكم تنظيم "جبهة النصرة" قبضته بدرجة كبيرة على مخيم عرسال، وبدأت الاحتكاكات بين المسلحين بعضهم بعضا تزداد، وكثيرا ما كان الجيش اللبناني نفسه يتعرض لإصابات أو لاختطاف جنوده، حين كان يحاول السيطرة على الموقف، وفي الوقت ذاته كان حسن نصر الله يعلن بوضوح أن حزب الله يحارب إلى جانب بشار فيما أسماه بالحرب المقدسة، وهم ما جعل المسلحين يبدأون بتوجيه ضربات للداخل اللبناني.

وفي منتصف أبريل عام 2013، تحدث بشار الأسد عن عرسال واصفا إياها بأنها باتت معسكرا لمن أسماهم بالمسلحين، التي يجب قصفها. وبالفعل زادت حدة الغارات والاختراقات من جانب الجيش السوري للأجواء اللبنانية لتوجيه ضربات لهذا المعسكر.

لكن التحول الدراماتيكي الأكبر في المشهد حدث في أغسطس 2014 مع واقعة اختطاف 16 جنديا لبنانيا على يد جبهة النصرة، وهنا بدأت أصوات التذمر تعلو داخل الشارع اللبناني من حسن نصر الله وتنظيم حزب الله، الذي اعتبر اللبنانيون أن تدخله في الحرب السورية دعما لبشار هو الذي جلب الدواعش إلى بلادهم.

وباءت كل محاولات إنقاذ هؤلاء الجنود بالفشل، إلى أن تدخلت قطر ونجحت في إقناع "جبهة النصرة" بإطلاق سراح الجنود المختطفين في مقابل إطلاق سراح 26 سجينا لهم في السجون اللبنانية (من ضمنهم سجى الدليمي طليقة أبو بكر البغدادي). ومع ذلك، فإن نفوذ جبهة النصرة (داعش) لم ينته أو يقل بالعكس، زاد نفوذهم ليصل إجمالي المساحة التي تحت سيطرتها داخل البلدين لما يقرب من 300 كم² واستمر اقتناص الجنود والمناوشات، وبدأت النصرة توجه عملياتها للداخل اللبناني عقابا لحزب الله على مشاركته بالحرب السورية.

وفي ذكرى احتفالات نصر تموز، أعلن نصر الله أنه حان الوقت لاستعادة عرسال، لم يكتف نصر الله بإعلان الحرب هذا بل أعلن تقسيم الأدوار قائلا "بفضل القرار السياسي الحكيم مع الرئيس ميشال عون سيخوض المعركة من ناحية حدود لبنان الجيش اللبناني ونحن والجيش السوري سنقود المعركة من القلمون بسورية وخلال أيام سنعلن النصر".

وبالفعل تحرك الجيش اللبناني ليحرر 120 كم من أصل 140 كم كانت تحت سيطرة تنظيم داعش على الحدود اللبنانية وفي المقابل على الحدود السورية كانت "داعش" تسيطر على 310 كم استعاد منها حزب الله والجيش السوري 270 كم على عدة مراحل ثم تمت المفاوضات.

قرار نصر الله دخول الحرب الآن رغم أنّ حزب الله كان قادرا منذ عام 2015 على إنهاء وجود المسلحين القادم معظمهم من القلمون التي سيطر عليها الحزب، يشي بوضوح عن نوايا نصر الله الذي من جانب رآها فرصة لاستعادة شعبيته المفقودة نسبيا في لبنان، ليظهر من جديد كالبطل الذي حررهم من الإسرائيليين في تموز، وها هو يحررهم من الدواعش اليوم مستفيدا من التوافق الدولي على حتمية الخلاص من الكابوس الداعشي، ومن جانب آخر يعزز مكانته الإقليمية، وأخيرا يساعد حليفة الأول إيران على بسط نفوذها بالإقليم.

لكن نصر الله فاجأ الجميع بقبوله التفاوض مع الدواعش منفردا، لينهي المشهد باتفاق يضمن خروج النصرة (670 فردا) من لبنان متجهين إلى البوكمال بشرق سورية في مقابل أن يرشدهم على مكان جثث شهداء حزب الله والجنود اللبنانيين، إضافة إلى جثة الجندي الإيراني محسن حججي (الذي أعدمته داعش أمام الكاميرات) - ليعلن بعدها نصر الله انتهاء الحرب مهنئا الشعب اللبناني بالنصر، وهو ما أزعج الحكومة العراقية بشدة، إذ فجأة وجدوا الدواعش مرة أخرى على حدودهم، وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قائلا "نقل أعداد كبيرة من داعش إلى المناطق الحدودية مع العراق أمر غير مقبول".


دير الزور هي ثاني أكبر المحافظات السورية وترجع أهميتها إلى عدة أسباب، فهي المعبر الجغرافي الأهم بين سورية والعراق، نظرا لملامستها محافظتي (نينوى والأنبار) العراقيتين، واحتوائها على حقول غاز ونفط كثيرة. ولأهمية دور الزور الاستراتيجية واللوجستية حرص تنظيم "داعش" على إحكام السيطرة عليها منذ 2014.

وبالقطع ترى واشنطن وموسكو أن دير الزور من أهم النقاط التي يجب القضاء على داعش بها، وكلاهما ينظر إلى ما بعد الحرب ومن سيبسط نفوذه بها، وقد لقي الجنرال فاليري أسابوف (كبير المستشارين العسكريين الروس في سورية) مصرعه في تلك المعركة، ولعل اشتراك قائد عسكري بحجم أسابوف في المعركة، يعكس مدى الاهتمام الذي توليه موسكو لتلك البقعة الاستراتيجية.

التحالفات في تلك المعركة عكست ما يمكن أن نسميه الحرب بالوكالة، فمن جانب تحالفت قوات سورية الديمقراطية (المدعومة من أمريكا) والأكراد، ومن جانب آخر تحالف الجيش السوري وإيران وحزب الله (المدعوم من روسيا) - للخلاص من عناصر داعش بالمحافظة.

من جانبه، وجد نصر الله في معركة دير الزور فرصة مناسبة للإعلان عن قوته الإقليمية أو إرهاصاتها، وهو ما يفسر لماذا (ولأول مرة) يرفع الحزب السرية عن قيادة عسكرية ميدانية له، فقد كشف "حزب الله" عن القائد الميداني لقواته بدير الزور والملقب باسم الحاج أبو مصطفى من خلال لقاء تلفزيوني له ظهر فيه شارحا دور حزب الله في المعركة موجها الشكر لحلفائهم الروس وبشار مهنئا الشعب السوري بهذا النصر.

ظهور الحاج أبو مصطفى عبر شاشات التلفزة لم يكن عشوائيا أو صدفة، بل كان مقصودا تماما فيما يعد نقلة نوعية في سياسة حزب الله الإعلامية، يمكن القول بأن التنظيم قرر أخيرا الظهور من تحت الأرض، مصدرا بيانا حربيا شبه رسمي هنأ فيه الشعب السوري بانتصاره مؤكدا "أن سورية الواحدة الموحدة ستبقى عصية على المؤامرة الكبرى".

لكن دور حزب الله الذي يحلم بالتمدد لا يقف عند سورية، ففي العراق أيضا يلعب جنوده دورا بارزا وإن كان مختلفا نسبيا، ففي الوقت الذي يقاتل حزب الله في سورية بنفسه، فإن دوره في العراق يقتصر على التدريب، حيث يشرف حزب الله على تدريب لواء "فاطميون الإيراني" إشرافا كاملا في العراق ووفقا لروايات بعض المقاتلين فإن أحيانا ترسل بعض العناصر إلى مخيمات الحزب في جنوب لبنان لتتلقى تدريبا نوعيا على حرب الشوارع.

لا يمكن الجزم ما الخطوة القادمة لنصر الله، وهل سينجح في خلق نموذج جديد من الحرس الثوري الإيراني؟ أو هل يمكن وقفه؟ وفقا لماجد عاطف. ولكن بحسب محللين آخرين كثر فإنه وبزوال داعش تنظيميا يجب على المجتمع الدولي الالتفات لخطورة تمدد حزب الله ووضع حد لتوسع نفوذه الإرهابي في المنطقة.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من السياسية