70% من الأدوية التي تصرف للمرضى في المملكة ليسوا بحاجة إليها

70% من الأدوية التي تصرف للمرضى في المملكة ليسوا بحاجة إليها

كشف طبيب سعودي النقاب عن قضية خطيرة تواجه المستهلك السعودي وصحة المواطن والمقيم معا حين أفصح عن أن 70 في المائة من الأدوية التي تصرف للمرضى ليسوا بحاجة إليها.
ويقول الدكتور أحمد العيسى، استشاري أمراض طب وجراحة الجلد والليزر، إن الوصفات الطبية التي يصرفها الأطباء للمرضى تحتوي على أكثر من سبعة أنواع من الأدوية بينما تجد المريض لا يحتاج سوى دواءين منها، مرجعا هذا السبب إلى الهدايا المالية والعينية التي تقدمها شركات الأدوية للكثير من الأطباء لتسويق منتجاتهم خصوصا في الأدوية الآمنة وغير الفعالة.
وحدد الدكتور العيسى هذا التلاعب في الأدوية التجميلية وقال" تشترط وزارة الصحة في فسحها للأدوية على الفعالية والأمان، بينما تشترط وزارة التجارة في السماح باستيراد المنتجات على الأمان وهو ما حدا بالكثير من الشركات إلى الترخيص لأدويتها على أنها منتجات تجميلية لا طبية.

في مايلي مزيداً من التفاصيل:

كثيرا ما يرى أحدنا وهو في صالة انتظار عند عيادة من العيادات الطبية شخصا بالغ الأناقة ينتظر أمام العيادة حاملا حقيبته "السامسونايت" ومع خروج المريض من العيادة يدخل هذا الشخص إلى الطبيب متجاوزا كل المرضى الذين قدموا قبله، ويصمت الجميع ظنا منهم أنه شخص مهم لن يمكث طويلا عند الطبيب.
ما قصة هذا الشخص؟ ولماذا دخل قبل الجميع؟ وماذا يفعل مع الطبيب؟ وماذا تحوي حقيبته؟
الجواب ببساطة أن هذا الشخص مندوب مبيعات لإحدى شركات الأدوية ودخل قبل الجميع لكي لا تفوته زيارات أخرى لأطباء آخرين، حتى يعرض عليهم منتجات شركته التي وضع في حقيبته عينات منها.
الأمر في حقيقته لا غبار عليه، فالأطباء يقولون إنه لابد من دخول المندوبين عليهم ليطلعوهم على الجديد في عالم الأدوية، لكن الأمر ليس بهذا الصفاء والوضوح كما يدعي بعضهم، فقد ثبت أن كثيرا من مندوبي شركات الأدوية يقومون بإغراء الأطباء بهدايا معينة مقابل وصف أدويتهم للمريض المسكين، وللأسف فقد انجرف كثير من الأطباء في هذا التيار وأخذوا يصفون لمرضاهم أدوية لا يحتاجون إليها، والمضحك المبكي في الوقت نفسه أن المريض في هذه الحالة تم نهبه من جهتين: فقيمة هذه الهدايا المقدمة للأطباء مقتطعة من تسعيرة الدواء الذي ارتفع سعره للسبب نفسه، والجهة الأخرى تكون من خلال إجباره على شراء دواء لا يحتاج إليه.

"الاقتصادية" ألقت الضوء على هذه القضية الخطيرة، والتقت الدكتور أحمد العيسى -استشاري أمراض طب وجراحة الجلد والليزر- الذي أوضح أن مما يسهم في ازدياد هذه الظاهرة في المملكة وجود جهتين رسميتين لترخيص الأدوية، بشروط مختلفة، وهاتان الجهتان هما وزارة الصحة ووزارة التجارة، ووزارة الصحة تشترط أن يكون العلاج آمنا وفعالا، بينما تشترط وزارة التجارة شرطا واحدا وهو أن يكون العلاج آمنا فقط دون اشتراط الفعالية.
وأضاف الدكتور العيسى أن شركات الأدوية استغلت الشرط الوحيد لوزارة التجارة في إدخال كثير من الأدوية الطبية التجميلية على أنها منتجات غير طبية، وبذلك صارت السوق السعودية مليئة بهذه المنتجات، وصارت من أكبر أسواق الأدوية التجميلية في العالم. موضحا أن وجود هذا الكم الهائل من الأدوية الآمنة غير الفعالة جعل شركات الأدوية تتنافس بأي طريقة كانت من أجل تسويق بضاعتها تلك، ومن أكثر طرق المنافسة انتشارا هي تشجيع الأطباء على وصف أدويتها مقابل هداية منوعة.
وحول آلية هذه الطريقة قال العيسى إن مندوبي هذه الشركات يأتون إلى الطبيب ويعرضون عليه نسبة مالية معينة من أي دواء يصرفه، ويعطون الاستشاري تسعيرة والإخصائي تسعيرة وهكذا، وأضاف العيسى أن الشركات تتابع كل ما يصرف من الأطباء في جميع الصيدليات المنتشرة في البلد، وقال: "لو أكتب أنا -مثلا- وصفة لمريض، وصرفها هذا المريض من صيدلية بعيدة جدا عن عيادتي فإن الشركة تعلم في نهاية الشهر أنني وصفت الدواء؛ وذلك لمتابعتها السوق بشكل دقيق، مما يعني أن الطريقة القديمة في صرف الدواء والطلب من المريض أن يصرفه من الصيدلية القريبة قد انتهت".
وأضاف: " تقوم بعض الشركات الكبيرة في نهاية كل شهر بجرد للوصفات وإذا رأوا أن طبيبا معينا صرف عددا كبيرا من أدويتهم يأتون بطريقة لطيفة ويهدونه هدية قد تكون عبارة عن تذكرة لبلد معين، أو جهاز حاسب آلي أو غير ذلك، وعندما يستفسر الطبيب عن السبب يقولون إن ذلك جزاء خدمته لهم، وبعض الأطباء لا يرفض، بل إن بعضهم يتنافسون على ذلك للأسف، لذلك تجد الوصفة الطبية حاليا لا تحتوي على دواء أو دواءين بل قد تجد سبعة ويكون الفعال منها واحدا بينما الستة الباقية لا فائدة منها".
ومن أجل ذلك أكد الدكتور العيسى أن 70 في المائة من الأدوية التي تصرف لا يحتاج إليها المريض، وهي تمثل دخلا إضافيا للطبيب، ومصروفا ضائعا للمريض.
وحول وجود أضرار محتملة جراء تعرض المريض للأدوية الإضافية قال الدكتور العيسى إنه لا يوجد أضرار؛ فشركات الأدوية –كما ذكر- ذكية جدا، ومن المستحيل أن تضع شيئا ضارا، خصوصا وأن هذه الأدوية لا تباع إلا بعد إجازتها من هيئة المواصفات والمقاييس وهي هيئة دقيقة ولديها مختبرات ممتازة، ولذلك لن يجازف أحد بعلاج من الممكن أن يحتوي على مادة ضارة.

في الغرب: المسألة منظمة

وعن مدى قانونية قيام شركات الأدوية بهذا العمل قال الصيدلي فهد الشدي إنه من المتعارف عليه في دول العالم المتقدمة أن يكون لشركات الأدوية ممثلين للدعاية الطبية لتسويق منتجاتها، حيث يقوم ممثل الشركة بزيارة الأطباء والصيادلة وإطلاعهم على الجديد في مجال الأدوية وعلى الأبحاث الجديدة في هذا المجال وأيضاً عن طريق مشاركة الشركة في المؤتمرات الطبية.
وتقوم هذه الشركات بدعم الأطباء بعدة طرق منها:
1- حضورهم للمؤتمرات الطبية على حسابها.
2- دعم الأبحاث في المستشفيات.
3- الاشتراك في مجلات علمية .
4- إهداء كتب علمية.
وهذا منصوص عليه في نظام المكاتب العلمية لشركات الأدوية.
واستدرك الشدي موضحا أن هناك تنظيما لهذه العملية في الدول الغربية بحيث يفرض على الطبيب ألا يأخذ هدايا تزيد قيمتها على 100 دولار سنوياً مثلاً.
أما في المملكة فقال الشدي إنه - ولكونها من أكبر الأسواق في المنطقة- فقد قامت شركات الأدوية بزيادة عدد مندوبيها فأصبح –أحيانا- عدد الذين ينتظرون عند عيادة الطبيب من المندوبين أكثر من عدد المرضى ما حدا ببعض المستشفيات والمستوصفات إلى منعهم من الدخول أو وضع وقت محدد لهم، ونتيجة لذلك قام بعض المندوبين باستخدام الأساليب غير الأخلاقية في تسويق الأدوية غير عابئين بالأنظمة وأخلاقيات المهنة وبدؤوا بإعطاء الأطباء هدايا لا علاقة لها بالمجال الطبي وهذه الهدايا أغرت الكثير من الأطباء للانسياق في هذا العمل. ولذلك يطالب الشدي بمراقبة شركات الأدوية ووضع حد لعدد مندوبي شركات الأدوية من قبل وزارة العمل ووزارة الصحة.
من جهته أكد محمد مطر -وهو طبيب عام تحول للعمل مندوبا لإحدى شركات المعدات الطبية- أن هذه الظاهرة لا تختص بشركات الأدوية فقط بل تمتد لتشمل شركات المعدات الطبية.
وقال إن بعض الشركات لا تكتفي بتوزيع هذه الهدايا بل تزود الأطباء بنصائح مدروسة حول كيفية وصف الأدوية دون الوقوع تحت أية شبهة.
وألقى مطر باللائمة على شركات الأدوية في المقام الأول ومن ثم بعض المراكز الطبية التي تعطي منسوبيها الأطباء رواتب متدنية لا تكفي حاجاتهم الأساسية ما يجعل البعض منهم ضعيفا أمام ما يراه من إغراءات.
وكشف مطر عن وجود مراكز طبية خاصة تفرض على أطبائها إدخال مبلغ مالي معين كل شهر مما يحفز الطبيب على تصرفات تخالف أخلاقيات مهنته، فيطلب تحاليل وفحوصات لا حاجة إليها.
ولم يستثنِ محمد مطر بعض الصيادلة من هذه الظاهرة، إذ قال: "في ظل الوضع الحالي للصيدليات في المملكة حيث تصرف كثير من الأدوية دون وصفات طبية يقوم بعض مندوبي شركات الأدوية بالطلب من الصيدلي بتصريف دواء قاربت مدة صلاحيته على الانتهاء مقابل نسبة معينة من الأرباح".

التأمين الطبي هل زاد المشكلة؟

يرى البعض أن ظهور التأمين الطبي في المملكة أدى إلى استفحال هذه الظاهرة، ففي السابق كان عبء قيمة الدواء يقع على كاهل المريض الذي قد لا يشتري كل الأدوية التي وصفت له، أما بعد وجود الضمان الطبي فقد زادت شراهة بعض الأطباء في وصف المزيد من الأدوية وأصبح المريض يتساهل في قبولها فهو لا يدفع قيمتها، وبذلك يقع العبء على شركات التأمين. هل هذه النظرة صحيحة؟
الصيدلي فهد الشدي أيد ذلك، واتهم معظم شركات التأمين بالسلبية في محاربة هذه الظاهرة، فهي –كما قال- لا تراقب وصفات الأطباء ومدى ملاءمتها للتشخيص، بل وضعت قائمة بالأدوية التي لا يغطيها التأمين مما أثر في زيادة عدد الأدوية في وصفات الأدوية المغطاة بالتأمين.بعكس الموجود في الدول الغربية من مراقبة الوصفات.
لكن رائد عبدالله التميمي -نائب الرئيس التنفيذي للتأمين الطبي والتكافل بالتعاونية للتأمين- نفى هذه الاتهامات موضحا أن "التعاونية" –مثلا- لديها جهاز وحدة مراجعة عالي الخبرة وهي تحارب هذه الظاهرة من خلال عدة وسائل أهمها وجود أطباء على دراية كافية يعملون لدى التعاونية ويقومون بمراجعة كافة التقارير الطبية ومستندات المطالبات التي تقدم لها من مقدمي الخدمة الطبية، كما لديها أيضاً خبرة كافية ونظام معلوماتي دقيق يقدّم لها المؤشرات الأساسية التي تساعد على اكتشاف حالات الاحتيال والتعاون معها بالشكل القانوني المناسب، كما أن التعاونية للتأمين تدعّم علاقاتها مع المستشفيات والمراكز الطبية المعتمدة التي من خلالها توضع مجموعة من القيود التي تضمن الحد من هذه الظاهرة.
واشار التميمي إلى أنه يوجد حالياً في المملكة نظام للربط الإلكتروني المتقدم "وصيل" يتيح للشركة الإطلاع على ملفات المرضى في المستشفيات ومن ثم اكتشاف أي تلاعب في التعامل مع الحالات المرضية سواءً من الطبيب أو المريض متوقعاً في الوقت نفسه أن تقل هذه الظاهرة بعد وعي المجتمع عن الأبعاد التي تسببها مثل هذه التصرفات وتكاتف شركات التأمين في التصدي لمثل هذه الحالات عبر أسس علمية وبرامج توعوية منظمة.
وعن دور إدارات المراكز الطبية الأهلية قال ضاري الشمري - مسؤول المشتريات في مستوصف أهلي- إن دخول المندوبين على الأطباء أمر ضروري وذلك لإطلاع الأطباء على أحدث المستجدات في عالم الأدوية، لكنه أوضح أن إدارة المركز الذي يعمل فيه نظمت عملية دخول المندوبين بحيث يأتي المندوب إلى الإدارة ويسجل موعدا مع الطبيب ويفتح ملفا باسمه ويسجل فيه عدد الزيارات، ولا يدخل على الطبيب إلا ببطاقة موقعة من الإدارة، ويتم تنبيه المندوب إلى أنه من حق المركز تأجيل الموعد في حال ازدحام المرضى عند الطبيب في الموعد الذي حدد سابقا.
ويؤكد الشمري أن إدارتهم تمنع الهدايا منعا باتا، كما تراقب ذلك من قبل الممرضين والعمال، وعن ضبط حالات من هذا النوع قال: "سبق أن اكتشفنا أن أحد الأطباء لدينا أخذ جهاز حاسب آلي من أحد المندوبين فتم الاستغناء عنه مباشرة. كما تم إخبار جميع الأطباء بما حصل لكي يتجنبوا هذا الفعل".

هدايا أم رشا؟

"الاقتصادية" توجهت للشيخ عبد الله بن سليمان المنيع عضو هيئة كبار العلماء للسؤال عن الحكم الشرعي في هذه الهدايا، فكان جوابه: "إن قيام الشركات المصنعة للأدوية بتقديم هدايا للأطباء من أجل الإعلان عن أدويتها وإيثارها على غيرها فيه شبهة الرشوة؛ لأن الغرض منها استمالة عواطف الأطباء نحو الترويج لهذه الأدوية على أنها أفضل من غيرها".
وأضاف الشيخ المنيع: "إن القول بأنها قريبة من أنواع الرشا أو أنها من الرشا قول وجيه؛ لأن الغرض من الرشوة استمالة هوى المرتشي ليقدم للراشي خدمة على حساب الآخرين إما على سبيل ظلمهم وإما على سبيل الغش والخداع والغرر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام"، ولا شك أن الطبيب الحريص على أمانته ورسالته الطبية يجب أن يبتعد عن هذه الأمور المشتبهة وأن يحافظ على نزاهته وأمانته ورسالته الطبية".

الأكثر قراءة