FINANCIAL TIMES

الإقامة في بريطانيا تتحول إلى عملية مرهقة ومكلفة

الإقامة في بريطانيا تتحول إلى عملية مرهقة ومكلفة

ماريك، الحاصل على درجة الماجستير في الاقتصاد وخبرة مدتها خمس سنوات في العمل في قطاع صناعة الخدمات المالية في لندن، شعر بالثقة عندما جلس مساء أحد أيام الأحد من آب (أغسطس) للتعامل مع استمارة طلب تفرضها المملكة المتحدة لمن يرغب في الحصول على إقامة دائمة.
لكن مثل كثير من الأشخاص الآخرين سرعان ما شعر بالإحباط -وهُزِم في نهاية المطاف- بسبب وثيقة من 85 صفحة أصبحت بمثابة لعنة لكثير من الأجانب الذين يعيشون في بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.
قال ماريك، المغترب البولندي الذي رفض استخدام اسمه الحقيقي بسبب مخاوف تتعلق بوضعه كمهاجر: "جئت من بلد يعاني قدرا لا بأس به من البيروقراطية، لكن البيروقراطية في هذا البلد عالية للغاية. حين ترى استمارة مثل هذه - لديك هذه القائمة من الوثائق المطلوبة - تشعر أن الهدف منها لا شيء سوى الإزعاج والتنفير".
عضوية الاتحاد الأوروبي كانت على مدى عقود تضمن الحق لمواطني الاتحاد في العيش والعمل في بريطانيا، لكن مع اقتراب انتهاء ذلك الوضع بعد أن صوتت المملكة المتحدة في حزيران (يونيو) لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، باتت الإقامة الدائمة عونا قانونيا لا غنى عنه يسعى للحصول عليه كثير من الأفراد القادمين من قارة أوروبا، البالغ عددهم ثلاثة ملايين شخص يعيشون في بريطانيا.
دانا يوزيفكوفيتش، وهي مستشارة في أمور الهجرة في "مركز الموارد لأوروبا الشرقية" في لندن، تقول: "يعتقدون أنهم سيكونون أكثر أمانا بعد الحصول على هذه الوثيقة - مهما سيحدث بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي".
وقال كمال الرحمن، وهو محام مختص في الهجرة لدى مؤسسة ميشكون دي ريا: "جاء إلينا عدد لا يحصى من الناس الذين لم يكونوا حتى قد فكروا في السابق في الحصول على الإقامة الدائمة".
لكن ذلك يعني مواجهة بيروقراطية مرهَقة تعمل على بث الإحباط وتفرض رسوما قانونية ضخمة على كثير من المقيمين في المملكة المتحدة منذ وقت طويل.
اشتكت مارتا جرابينسكا، التي تنتظر منذ ستة أشهر للحصول على رد: "هناك 85 صفحة يجب ملؤها وهم يسألون الأسئلة نفسها مرارا وتكرارا، لكن بأسلوب يجعلك لا تعرف مطلقا الإجابة الصحيحة".
ويفرض "مركز الموارد لأوروبا الشرقية" رسوما قيمتها 50 جنيها فقط زيادة على رسوم الطلب البالغة 65 جنيها لكل فرد في الأسرة. ويفرض المحامون الخاصون و"المستشارون" غير الرسميين رسوما على المهاجرين تراوح بين 200 جنيه و1000 جنيه. واستثار الغضب من مثل هذه التكاليف التماسا على الإنترنت وقَّع عليه أكثر من 26 ألف شخص.
بالنسبة لبعض المختصين في هذا المجال لا يوجد مبلغ من المال يستحق هذا العناء. قال سباستيان ديرفيسينسكي، وهو بولندي يمتلك مع زوجته، مالجورزاتا بيوتروفسكا، شركة محاسبة في نورثامبتون اسمها "رينيسينس وشركاه": "عندما يطلب مني شخص ما المساعدة في هذا الأمر، لا آتي حتى على ذكر السعر - فقط أرفض لأني أعلم أن هذا سيكون كابوسا". وأمضى هو وزوجته أسبوعين في الإعداد لطلب الحصول على الإقامة الدائمة الخاص بهما مباشرة بعد الاستفتاء الذي جرى في حزيران (يونيو). ويستذكر: "كان ذلك هو ما دفعنا لتقديم الطلب".
هذا الطلب الذي يبلغ عدد صفحات ملاحظاته الإرشادية وحدها 18 صفحة، وُضِع في أواخر عام 2015. قبل ذلك كان مواطن الاتحاد الأوروبي يعتبر بكل بساطة مقيما دائما بعد أن يعيش خمس سنوات متواصلة في المملكة المتحدة.
يقول محامون إن الطلب مرهق إلى حد كبير بسبب العدد الكبير من الوثائق المطلوبة لإثبات أن شخصا ما كان يعيش ويعمل في المملكة المتحدة على مدى السنوات الخمس الماضية.
مثلا، يجب على المتقدمين أن يوثقوا كل مرة غادروا فيها المملكة المتحدة - وهو سجل لم يعد مشمولا في كثير من جوازات السفر بسبب حرية الحركة الممنوحة للأشخاص في الاتحاد الأوروبي. كذلك تطلب وزارة الداخلية مجموعة متنوعة من الوثائق الموزعة بالتساوي عبر السنوات الخمس لإثبات واقعة التوظيف، بما في ذلك كشوف الأجور وعقود العمل وما شابه ذلك.
يقول ماركوس مالك، الشريك الإداري في مؤسسة آدامز للمحامين، التي تفرض رسوما تراوح بين 800 و1000 جنيه استرليني لإعداد الطلب: "إذا قدمت إلى هذا البلد وعملت في قطاع الاقتصاد غير الرسمي، سيكون من الصعب جدا توفير تلك المتطلبات". ويمكن أن يكون من الصعب إثبات الإقامة لزوج لا يعمل أو ربة بيت.
تضاعفت الطلبات المقدمة من مواطني الاتحاد الأوروبي ثلاث مرات تقريبا في الربع الذي أعقب الاستفتاء، مقارنة بالفترة الزمنية نفسها من العام السابق. وفترات الانتظار هي أربعة أشهر أو أكثر، يضحي خلالها كثير من المتقدمين بجوازات سفرهم. يقول أزرا مالك، الشريك في مؤسسة آدامز: "أنت حقا تحت رحمة هؤلاء البيروقراطيين".
وتقول وزارة الداخلية إنها لم تطلب من أي متقدم استكمال تعبئة جميع الصفحات الـ85، وإنها تعمل لجعل العملية "أسرع وأسهل". ويستطيع كثير من مواطني الاتحاد الأوروبي الآن تقديم الطلب عبر الإنترنت.
ووفقا لأحد المسؤولين: "يقدم المواطنون الأوروبيون المقيمون في المملكة المتحدة إسهاما حيويا لكل من الاقتصاد والمجتمع. ولهذا السبب سنعمل على تأمين وضعهم، إضافة إلى مكانة المواطنين البريطانيين في الاتحاد الأوروبي، وهي أولوية في مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي".
ربما يكون في هذا بعض العزاء لماريك الذي لم يدرك، إلا بعد أن قطع نصف الشوط في تعبئة الطلب، أن مواطن الاتحاد الأوروبي يمكن أن يُحرَم الإقامة إذا أخفق في شراء "تأمين صحي شامل" أثناء دراسته، أو إذا كان عاطلا عن العمل لفترة خلال وجوده في المملكة المتحدة. في عام 2014 بقي بلا عمل لمدة ستة أشهر – رغم أنه يصر على أنه لم يطالب بمنافع البطالة.
وأبلغه محام أن عليه الآن الانتظار حتى عام 2019 ليتقدم بالطلب مرة أخرى للحصول على الإقامة الدائمة - وحتى في ذلك الحين لن يكون متأكدا من حصوله على الموافقة. وقال: "ما الذي يمكننا فعله؟ فالجميع يعيش في شيء يشبه عالم النسيان".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES