FINANCIAL TIMES

الطبيب في جيبك .. هاتفك الذكي أقرب عيادة إليك

الطبيب في جيبك .. هاتفك الذكي أقرب عيادة إليك

في مساء يوم بارد جداً في أواخر كانون الأول (ديسمبر)، بعد قضاء معظم اليوم وأنا أعاني ألما في المعدة، قررت أنه لم يعُد بإمكاني تجنّب المشورة الطبية. بعد أسبوع من الإفراط في تناول الطعام في احتفال ـ وكسل ـ نهاية العام، من الواضح أن جسمي كان يحتج على ذلك. لذلك سعيت على مضض للمساعدة التي كنت أحتاج إليها، وبدأت بسرد سلسلة عللي.
اشتكيت: "معدتي تقتلني". الألم كان شعورا خفيفا بالحرقة يأتي ويذهب عندما أتحرك، المنطقة كانت فيها مضاضة عند الضغط عليها. لم يكُن لدي ارتفاع في الحرارة أو غثيان، لكنني شعرت بانتفاخ. لم أكُن حاملا ولا تزال لدي شهية عادية، لكن مضت ساعات منذ أن بدأْتُ الشعور بالأعراض، وعلى ما يبدو لم تكن تتحسن.
وجاء الرد: "حسنا، الخبر السار هو أن أعراضك لا تبدو مُثيرة للقلق على المستوى الطبي ويُمكن التعامل معها في المنزل. هذا يبدو سوء هضم بالنسبة لي. ينبغي لك محاولة تجنّب المهيّجات مثل الأطعمة الغنية بالتوابل، والقهوة والشاي، أو مضادات الالتهاب. إذا لم تستقر المشكلة أو عادت مرة أخرى، عليك التحدث إلى طبيب عام".
التشخيص، على الرغم من أنه يبدو عاديا، لم يأت من أي طبيب بشري. وصلني من هاتفي الذكي. من "بابيلون" Babylon، المستشار الطبي الاصطناعي الذي كنت أتبادل معه الرسائل عبر أحد التطبيقات.
رحلة واحدة لمدة عشر دقائق للطبيب العام في منطقتي، الذي كنت سأُجري معه المحادثة نفسها، كان سيُكلّف خدمة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة 45 جنيها. إذا كنت سأطلب رؤية ممرضة، كان ذلك سيُكلّف خدمة الصحة الوطنية 13 جنيها. بدلا من ذلك، استشارتي لمدة خمس دقائق لم تكلّف بابيلون - وخدمة الصحة الوطنية - أي شيء على الإطلاق. بعد يوم من اتّباع مشورته تحسّنت معدتي.
تطبيق بابيلون يهدف ليكون أكثر من مُدقق أعراض على غرار موقع WebMD. فريق الشركة التي يوجد مقرها في لندن، المكون من 100 باحث في مجال الذكاء الاصطناعي، لا يبني فقط معجما من الأمراض، إنه يحاول استحداث مستودع المعرفة الطبية الأكبر في العالم، الأقرب إلى كونه طبيبا سوبرمان يستطيع تحليل وتشخيص علتك، وحتى معالجتك عبر هاتفك الذكي.
تأمل الشركة أن تكون نسخة التطبيق الجديدة التي سيتم إطلاقها في نيسان (أبريل)، أول روبوت مُصدّق سريريا من وكالة تنظيم منتجات الرعاية الصحية والأدوية في المملكة المتحدة، الذي يوفّر تشخيصا طبيا.
التشخيص الذي قدّمه بابيلون لي كان يستند على ملايين نقاط البيانات التي تم جمعها من آلاف من استشارات الاختبارات التي أجراها كل يوم منذ إطلاقه (الشركة تدعي أن هذه التشخيصات دقيقة بنسبة 92 في المائة).
في المقابل، الطبيب البشري العادي يُجري نحو سبعة آلاف استشارة سنويا. يقول علي بارسا، مؤسس بابيلون: "لا أعتقد أنه سيكون جيدا بقدر الطبيب البشري. أعتقد سيكون دقيقا عشر مرات أكثر من الطبيب. لا يوجد دماغ بشري سيكون على الإطلاق قادرا على فعل أي شيء من هذا القبيل".
طبيب الذكاء الاصطناعي لبارسا واحد من عدد كبير من الأدوات التي حوّلت الهواتف الذكية إلى عيادات طبية يُمكن تشغيلها من قِبل أي شخص لديه اتصال بالإنترنت. هذه الأدوات تعد أكثر تطوّرا بكثير من جيل "فيتبيت "من الأجهزة اللاسلكية التي تُساعد في تعقب الخطوات، وحساب السعرات الحرارية، وتحليل أنماط النوم.
الثورة الرقمية تجري منذ فترة. في العام الماضي، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على 36 تطبيقا وجهازا يتعلّق بالصحة، بدءا من شاشات وظائف الرئة على الجوال إلى اختبارات مستوى السكر في الدم التي توفّر مشورة طبية إلى المستهلكين. وفي عام 2015 تعهدت خدمة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة بتعزيز أربعة إلى ستة مراكز اختبارات إقليمية، في مناطق جغرافية تضم نحو مليون شخص لكل منها، لتجربة هذه الابتكارات على مرضى حقيقيين خلال الأعوام الخمسة المُقبلة.
في هذا العام سنرى أطباء يستخدمون الهواتف الذكية لإجراء فحوص تقليدية على أعضائك، وإجراء تصوير بالموجات فوق الصوتية، وقياس المؤشرات الحيوية، مثل نبضات القلب وضغط الدم ومستويات السكر، وتنفيذ مجموعة من الفحوص المخبرية من الكبد ووظائف الكلى إلى تشخيص العدوى وحتى تسلسل الحمض النووي. كل هذا من خلال مجموعة كاملة من المرفقات المُصغّرة التي يُمكن توصيلها ببساطة إلى هاتفك الذكي.
التحويل التدريجي لهاتفك الذكي إلى طبيب عام سيتسبب في تحوّل جذري في البنية التحتية للرعاية الصحية كما نعرفها. يقول كيث ماكنيل، كبير الإداريين للمعلومات السريرية في خدمة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة: "في غضون خمسة أعوام، الهواتف الذكية - أو أيّا كان الجهاز الذي نستخدمه للوصول إلى المعلومات - سيُزيل العبء عن العدد المحدود من الأطباء البشريين الذين لدينا".
"سيحصل الناس فعلا على تحليل ذكي تم تخصيصه لهم من هواتفهم، أو سيتم تمكينهم من رعاية الحالات المرضية المُزمنة الخاصة بهم، مثل مرض السكري، عن طريق المراقبة المنزلية".

الأخطاء الطبية

اليوم، نقطة الانطلاق الأساسية للحصول على رعاية طبية هي ترتيب موعد مباشر مع الطبيب العام، أو الوصول إلى غرفة الطوارئ. وسط تقلّص الميزانيات وارتفاع الطلب، واحد من كل خمسة بريطانيين لا يُمكنه رؤية الطبيب عندما يحتاج إليه. وواحد من ثمانية يتم تشخيصه بشكل خاطئ. الخطأ الطبي، الذي يقتل نحو ألف شخص شهريا في المملكة المتحدة، هو أيضا السبب الرئيس الثالث للوفاة في الولايات المتحدة، وذلك وفقا لدراسة نشرت في 2016 في المجلة الطبية البريطانية.
يقول ماكنيل: "هناك تغيير كبير في الطلب الآن، من حيث أعداد الأشخاص، لأننا نعيش فترة أطول، وكذلك ازدياد عدد كبار السن في جميع أنحاء العالم. وفي الوقت الذي يتقدم فيه الناس في السن ويعانون عدة أمراض مزمنة، يتطلبون أنموذجا جديدا من العلاج في المنزل، خارج إطار المستشفى أو العيادة".
في هذا النظام الطبي الذي يتم تشغيله من الهاتف الذكي، أنت - المريض - ستكون الوصي على صحتك. هاتفك سيكون مركزا للسجلات الطبية، بما في ذلك التاريخ الصحي، والنظام الغذائي، واللياقة البدنية. سيحتفظ بسجل لنمط الحياة والبيئة المادية والموقع الخاص بك، حتى يتمكن من إضافة طبقة من السياق لتشخيصه الطبي.
إذا كان جسدك يتصرف بطريقة غير معتادة، فإن تطبيق الهاتف الذكي - الذي تُديره منظمات رعاية صحية إما عامة وإما خاصة - سيُشير إلى الأمر ويُقدّم المرحلة الأولى من التحليل: إشارة تنبيه لجعل حياتك أكثر صحة، أو تشخيصا واضحا لوجود مشاكل لمرة واحدة، مثل حرقة في المعدة، أو التواء، أو إنفلونزا. في الحالات ذات الصلة، يُمكنه طلب إحالة إلى طبيب عام أو أخصائي بشري، حتى لا تندفع إلى غرفة الطوارئ.
بياناتك، جنبا إلى جنب مع بيانات الآخرين، سيتم تخزينها وجمعها وتحليلها من قِبل خوارزميات التعلّم الآلي في خدمة السحابة، ما يسمح للأطباء البشر بعد ذلك بانتقاء الاتجاهات العامة والتفاعلات على مستوى السكان - وفي نهاية المطاف – بلوغ الغاية المبتغاة: التنبؤ بالأمراض ومنعها حتى قبل أن تحدث.
هذا الانفجار في البيانات الطبية يُثير أسئلة كبيرة تتعلق بالخصوصية والأمن، وهي مشكلة سيكون على المبتكرين التصدّي لها أثناء بنائهم للتكنولوجيا.
يقول كارثيك رانجان، مدير الرعاية الصحية والتكنولوجيات الناشئة في "آرم"، التي تُصمم الهواتف الذكية والرقائق: "في الوقت الذي يبدأ فيه المزيد من الهيئات (وليس فقط طبيبك) في استهلاك بياناتك، فإن وجود أمن قوي بين جهازك وخدمة السحابة يُصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى".
لكن الفوائد التي ستعود على أنظمة الرعاية الصحية المُثقلة يُمكن أن تكون هائلة. عادة ما تكون هذه الأجهزة بسيطة بما فيه الكفاية ليستخدمها أي مستهلك هاو في المنزل. كل ما تحتاج إليه هو مترجم للبيانات التي تجمعها؛ مهمة تتم بسهولة من خلال الخوارزميات الذكية.
الأنظمة، المُخبأة خلف تطبيقات سهلة الاستخدام، لديها قدرة ممتازة على رصد الأنماط. بإمكانها تحليل البيانات الطبية الخام - مثلا، دقات قلبك - باستخدام القوة الحاسوبية في هاتفك، وكشف المشكلة ذات الصلة - مثل الرجفان الأذيني أو خفقات القلب - وإعادة نتائج الاختبار في غضون دقائق، بدلا من أيام أو حتى أسابيع.
بالنسبة للذين يعانون أمراضا على المدى الطويل، مثل مرض الانسداد الرئوي المزمن أو مرض السكري، سيُقدّم هاتفك طرقا ذكية لمراقبة هذه الحالات والتعامل معها في المنزل. طبيبك العام سيعطيك إرشادا شاملا، وتعاطفا ولمسة إنسانية؛ المستشفيات ستُعالج فقط الذين يعانون صدمة قوية وغيرها من الاحتياجات الطبية الطارئة.
خدمة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة ستواجه فجوة تمويل تصل إلى 30 مليار جنيه بحلول العام المالي 2020-2021. يقول ماكنيل: "ستكون هناك حاجة لمعالجة جزء كبير من ذلك الطلب عن طريق التكنولوجيا بتكلفة أقل بكثير. كل زاوية وركن من نظام الرعاية الصحية سيتأثر بهذا بإحدى الطرق أو الأشكال أو الصور".
في تشرين الأول (أكتوبر) 2011، إيريك توبول، وهو طبيب قلب بارز ورائد في مجال الصحة الرقمية في معهد الأبحاث وعيادة سكريبس في سان دييجو، كان مسافرا في الطائرة عائدا إلى بلدته من العاصمة واشنطن، عندما أصبح أحد الركاب المرافقين غير قادر على الحركة بسبب ألم حاد في الصدر. حين هرع توبول للمساعدة، أول شيء وصل إليه كان جهاز الآيفون الخاص بالمسافر.
الهاتف كان مُغطى بغطاء وافقت عليه إدارة الغذاء والدواء، كان توبول يختبره على مرضاه. الغطاء الذي صنعته شركة ناشئة تُسمى "ألايف كور"، كان يحتوي على أجهزة استشعار تلتقط معدل نبضات قلب المستخدم من خلال أطراف أصابعه وتنقل النتائج إلى تطبيق على الهاتف الذكي.
توبول وضع غطاء شركة ألايف كور على صدر الرجل، وفتح التطبيق. على الفور، أصبح بإمكانه قراءة نبضات القلب - جهاز تخطيط قلب جوال في الوقت الحقيقي على ارتفاع 35 ألف قدم في الجو، أظهر أنه كان يُعاني نوبة قلبية. هبطت الطائرة اضطراريا، والراكب نجا.
في أيار (مايو) الماضي، وجد باحثون في جامعة بفالو أن إضافة شركة ألايف كور التي بقيمة 99 دولارا على الهاتف الذكي كانت دقيقة بقدر جهاز "هولتر" لمراقبة نبضات القلب - المعيار الذهبي الحالي للكشف عن خفقات القلب - وأشارت إلى أن جهاز تخطيط القلب على الهاتف الذكي ينبغي أن يحل تماما محل جهاز هولتر المُكلف والضخم باعتباره أداة تشخيص أولية.

فحص شامل

يقول توبول: "الآن، نحن في مرحلة حيث معظم الفحوص الطبية الروتينية على وشك أن تتم بواسطة الهاتف الذكي - ليس مجرد مخطط القلب، لكن فحص طبلة الأذن، والكشف عن توقف التنفس أثناء النوم، واختبار كريات الدم الحمراء، وإشارات حيوية مثل ضغط الدم، وتركيز الأكسجين في الدم، هذه جميعا تُصبح متوافرة بسرعة بأسعار رخيصة للمستهلكين عبر هواتفهم".
"هذه خطوة هائلة تتجاوز الأجهزة الرائدة السابقة لتعقب النشاط وعد الخطوات. الهاتف الذكي يُصبح المحور المركزي للطب".
ومنذ فترة بدأت الشركات الناشئة في أنحاء العالم كافة، بإنشاء أجهزة على الجوال لمسح الجسم، بما في ذلك سماعات طبية على الهاتف الذكي، ومنظار لفحص العين، ومنظار للنظر داخل الأذن.
وتنوي خدمة الصحة الوطنية اختبار بعض من هذه في الأعوام المقبلة، بما في ذلك "كليني كلاود" - ميكروفون يتم شبكه على هاتفك لتحويله إلى سماعة طبيب رقمية - الذي أظهر أنه تفوّق على قدرة الطبيب البشري في تشخيص الالتهابات الصدرية في التجارب السريرية. تطبيق آخر سيختبرونه هو "كورديو"، الذي يُحلل التغيير في نبرة صوت المستخدم للتنبؤ بما إذا كان فشل القلب الاحتقاني الذي يعانيه المريض يزداد سوءا.
كما ستوفر خدمة الصحة أيضا تمويلا أوليا لشركات مثل كوبريس هيلث، الشركة الناشئة في المملكة المتحدة التي تصنع منظار الأذن الذي يوضع داخل الهاتف الذكي ويلتقط صورا عالية الدقة لداخل أذنك. بالنسبة لوالد لديه طفل مريض، بإمكانه فعل هذا في غرفة نومه في منتصف الليل. ويتم إرسال الصور عالية الدقة من منظار الهاتف الخليوي إلى خدمة السحابة، حيث يمكن لممرضة أو طبيب أو، في نهاية المطاف، خوارزمية أن تشخص من بُعد أي التهابات هذه.
هناك أجهزة أخرى، مثل جهاز الفحص بالموجات فوق الصوتية على الجوال، من إنتاج شركة فيليبس، الذي يصل عميقا أكثر في جسم الإنسان. في كانون الثاني (يناير) الماضي، أرسل توبول تغريدة بصور لفحص بالموجات فوق الصوتية من الرأس إلى أخمص القدمين عن طريق الهاتف الذكي كان قد أجراه على نفسه باستخدام الجهاز - كل عضو فيه من الغدة الدرقية، إلى المرارة والشريان الأورطي، إلى الكبد، تم تصويره بشكل رائع عن طريق الهاتف الذكي الخاص به.
يقول: "يساوي 199 دولارا شهريا مقابل استخدام غير محدود، مقارنة بجهاز الموجات فوق الصوتية الذي بقيمة 350 ألف دولار في أي مستشفى. بالنسبة لي، هذا يُعتبر ثورة. سأستخدمه على كل مريض في عيادتي".
بإمكان الأطباء مسح جسمك بالتصوير بحثا عن أمور شاذة، لكنهم يعتمدون على المختصين في علم الأمراض في المختبر لتشخيص أية إصابة بشكل دقيق. هناك يتم اختبار سوائل الجسم، مثل الدم أو البول أو اللُعاب بحثا عن ميكروبات كامنة أو مركبات غير متوقعة ناتجة عن عمليات الاستقلاب، أو مواد كيماوية تعيث فسادا في جسمك. الآن تعمل الشركات على تصغير هذه الاختبارات لإيجاد مختبرات علم أمراض على الجوال.
في مركز رعاية دريكسل للنساء في فيلادلفيا، 900 امرأة تم اختبارهن لأمراض تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي حصلن على نتائج فورية - عبر أجهزة الآيفون الخاصة بهن. حزمة الهاتف الذكي التي صممتها الشركة الناشئة المحلية "بيوميم"، يتم تجربتها بديلا عن الاختبارات القائمة في المختبر لأمراض الحراشف البرعمية، والسيلان، وداء المشعرات التي عادة ما تحتاج إلى أيام من أجل الحصول على النتائج.
على الرغم من أنها قابلة للشفاء، إلا أن الأمراض المنقولة جنسيا غالبا ما لا يتم كشفها إلا بعد عدة أشهر في كل مرة، ما يتسبب في عواقب صحية خطيرة على المدى الطويل مثل العُقم. أي تأخير في التشخيص يُمكن أن يُلحق الضرر بصورة لا رجعة فيها بالصحة الإنجابية للمرضى، بالتالي الاختبار الذي يُجرى في الموقع - اختبار يمنح المريض نتائج فورية - لا يُقدّر بثمن بالنسبة للملايين.
"بيوميم" التي تأسست قبل أربعة أعوام تجري الاختبارات المخبرية نفسها عن طريق جهاز الآيفون الخاص بك. الجهاز الذي يتم توصيله وتشغيله يتطلب نقطة من أحد عينات السوائل، مثل البول، وسيكشف عن المادة الوراثية موضوع البحث باستخدام أسلوب تضخيم الحمض النووي الذي يعمل من خلال الرقاقة الخاصة من الشركة، فضلا عن خدمة الإنترنت اللاسلكية في جهاز الآيفون، وإشارة خليوية وكاميراتين. وسيتم عرض النتائج في التطبيق.
على مدى تسعة أشهر اختبرت العيادة أكثر من 900 عينة بول باستخدام حزمة بيوميم على الهاتف الذكي وقارنتها بالنتائج من الطرق التقليدية. ووجدت أن الاختبار على الجوال كان مساويا في الدقة لكن استخدامه أسهل بكثير. قال أطباء العيادة في عرض توضيحي عن البحث: "حزمة عزل الحمض النووي من بيوميم أسرع بكثير ولا تتطلب معدات إضافية".
"اختبار كامل من عينة للحصول على إجابة يُمكن أن يتم في غضون ساعة تقريبا. بالتالي هذه التكنولوجيا تُعتبر مثالية للاختبارات التي تتم في موقع الرعاية".
يتم استخدام الحزمة التي بقيمة 500 دولار الآن من قِبل أكثر من 100 منظمة عامة وخاصة وأكاديمية لاختبار وجود كل شيء من فيروس إيبولا وفيروس زيكا والملاريا إلى فيروس حمى الكلاب في النمور السيبيرية في حديقة برونكس للحيوانات في نيويورك.
كل اختبار مفرد يكلّف تصميمه خمسة دولارات. وتحوّلت الشركة إلى إيجابية من حيث حركة النقد في عام 2016، من خلال تحقيق نحو خمسة ملايين دولار إيرادات، لكنها لا تجني أي أرباح حتى الآن.
يقول ماكس بيرلمان، أحد المؤسسين المشاركين في شركة بيوميم: "هدفنا هو تمكين المستخدمين العاديين من الحصول على قدرات المختبر في أي مكان؟ إنه إلى حد كبير يعتبر بمثابة الحصول على طبيب في جيبك. شعرت بالإحباط من قطاع الرعاية الصحية والخدمات التي كنت أحصل عليها بوصفي مريضا. بكوني لا أعمل في مجال علوم الحياة، بإمكاني استخدام هذا لاختبار نفسي وأطفالي وطعامي ومنزلي. بإمكاني الذهاب إلى الحديقة الخلفية واختبار نبضاتي.
تعمل شركات مثل بيوميم على تحول جذري يغني عن الحاجة إلى المختبرات الطبية. من خلال تصغير الاختبارات التشخيصية، هي تنشئ مختبرات على الجوال بإمكانها تشخيص المرض بدقة وبسعر رخيص في أي مكان يوجد فيه اتصال لاسلكي.
الشركات الناشئة، بما في ذلك بيوميم، تستهدف الأطباء في الميدان، لا سيما في مساحات شاسعة من آسيا وإفريقيا بما في ذلك الهند وزامبيا ورواندا وكينيا، حيث مرافق المختبرات مُثقلة بالأعباء، وحيث الموافقات التنظيمية الصارمة المطلوبة في البلدان الغربية غير لازمة. لكن في نهاية المطاف يقول بيرلمان إن بيوميم تأمل في بيع جهاز استهلاكي يستطيع المرضى في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا استخدامه لاختبار أنفسهم، على غرار اختبار الحمل المنزلي. يقول: "نحن نريد أن تكون الاختبارات المخبرية المعقدة في متناول الجميع".
الحلول مثل بيوميم لن تعمل في حالة الالتهابات الأكثر تعقيدا، عندما لا تعرف أي ميكروب تريد إجراء الاختبار بشأنه. مثلا، تعفّن أو تسمم الدم يُمكن أن يكون ناتجا عن مجموعة متنوعة من مسببات الأمراض، بالتالي الطريقة الوحيدة لمعرفة المُسبب هي إجراء تسلسل الحمض النووي في عينة والبحث عن مواد وراثية غير متوقعة.
تعفّن الدم يقتل نحو 400 ألف شخص في الولايات المتحدة وأوروبا كل عام، في الغالب لأن معرفة أسبابه تستغرق عدة أيام، وكذلك معرفة المضادات الحيوية التي يمكن أن يكون العامل المسبب للمرض مقاوما لها.
يقول جاستن أوجريدي، اختصاصي علم الميكروبات المختص في الأمراض المُعدية في جامعة إيست أنجليا في المملكة المتحدة: "الآن إذا كنت مُصابا بتعفّن الدم، كل ساعة تأخير تزيد احتمال الوفاة بنسبة 10 في المائة. المعالجة السريعة هي أساس البقاء على قيد الحياة. إذا كان بإمكاني تقديم نتيجة الحمض النووي لطبيب في غضون ثماني ساعات، فسأكون قدمتها قبل إعطاء المريض جرعة ثانية من المضادات الحيوية. عندها بإمكانهم إعطاء مضادات حيوية مخصصة لذلك المريض وللالتهاب الذي يعانيه".
لتسريع هذه العملية بشكل هائل، يختبر أوجريدي جهازا يُسمى "مين أيون" - جهاز يتم تشغيله بجهاز موصول عن طريق "يو إس بي" بإمكانه إجراء تسلسل الحمض النووي في الوقت الحقيقي. جهاز مين أيون الذي صممته شركة أكسفورد نانوبور للتكنولوجيا، في المدينة الجامعية البريطانية التي تحمل الاسم نفسه، يستخدم الطريقة الحاصلة على براءة اختراع لتصغير وأتمتة تسلسل الحمض النووي. ويتم استخدامه حاليا من قِبل 3500 مختبر - مثل مختبر أوجريدي - لتشخيص حالات تفشي أمراض مثل فيروس إيبولا والالتهاب الرئوي في الوقت الحقيقي، وحتى أنه تم إجراؤه على متن المحطة الفضائية الدولية لإجراء تسلسل الميكروبات خارج كوكب الأرض.
لفحص تسلسل الحمض النووي الخاص بك، عليك توصيل جهاز مين إيون بجهاز الكمبيوتر واستخدام منصة التحليل الخاصة بالشركة للكشف عن وجود أي مُسببات أمراض معروفة أو تشوهات أخرى. يقول أوجريدي: "لا يزال يُعتبر أداة للاستخدام في المختبرات ولم تتم الموافقة عليه للتشخيص، لكننا اختبرناه على مجموعة من الأطفال في زامبيا يُشتبه بأنهم يعانون التهابا رئويا ووجدنا أنه كان قادرا على الكشف عن العوامل المسببة للمرض على الفور".
في وقت لاحق هذا العام تُطلق شركة أكسفورد نانوبور نسخة على الهاتف الذكي من جهازها تُسمى سميدج إيون - وحدة صغيرة يُمكن شبكها في أسفل جهاز الآيفون لإحراء تسلسل الحمض النووي في أي عينة، مثل اللُعاب. يقول كليف براون، كبير الإداريين للتكنولوجيا في شركة أكسفورد نانوبور: "هذا الجهاز يُمكّن الناس في المنزل من تحديد كمية الحمض النووي ذاتيا. إنها الطريقة الأكثر حساسية وشمولا لأخذ لمحة على ما يحدث في جسمك".
جهاز تسلسل الحمض النووي في الهاتف الذكي لن يجعل فقط التكنولوجيا محمولة للأطباء والمساعدين في المختبرات، لكن بإمكانه أيضا المساعدة في إضفاء الطابع الديمقراطي على الطب القائم على الحمض النووي. هذه الاختبارات ليست فقط مفيدة للأمراض المُعدية - يُمكن استخدامها لتشخيص السرطان، وتدهور الأعضاء، وفشل القلب، والإعاقات الوراثية مثل التليف الكيسي. يقول أوجريدي: "في المستقبل، لن تحتاج إلى طبيب. ربما سيُصبح بإمكان المريض استخدامه لتشخيص أنفسهم".
وفي حين أن الرعاية الصحية على الجوال تدخل إلى التيار العام، إلا أن هناك سلبيات خطيرة لا يزال يجب معالجتها، وهي الخصوصية والفعالية. سجلاتنا الصحية تؤوي بعض التفاصيل الأكثر حساسية عنا، من تعاطي الكحول أو المخدرات إلى الأمراض المنقولة جنسيا أو تفاصيل عمليات الإجهاض - أشياء قد لا نرغب أبدا في كشفها لأصحاب العمل أو الأصدقاء أو حتى أفراد العائلة.
الأهم من ذلك أن مجموعة البيانات هذه دائمة. لا يمكن تغييرها، لكن من الممكن تغيير كلمة السر أو رقم بطاقة الائتمان. يقول كارثيك رانجان، من شركة آرم: "هذا الأمر مخيف فعلا حين تفكر فيه. الخصوصية والتشفير والأمن في هذه المرحلة أمور غير قابلة للنقاش".
في الوقت الذي تصبح فيه هواتفنا مستودعات طبية، يصبح أمنها قضية حاسمة حتى أكثر من قبل. ويتساءل رانجان: "كمريض، لا تعلم عدد السحابات التي تنقلت فيها بياناتك، وعدد المرات التي انتقلت فيها من شخص إلى آخر. ما هي السياسات الأمنية بخصوص الخوادم السحابية المتعددة التي تتنقل فيها بياناتك".

أهداف للقرصنة

منذ الآن أصبحت مخازن البيانات الطبية هدفا رئيسا لمجرمي الإنترنت: في عام 2015 تم اختراق شركتي التأمين الصحي في الولايات المتحدة، "أنثيم" و"بريميرا بلو كروس"، ما أدى إلى المساس بالسجلات الطبية الخاصة بأكثر من 90 مليون مريض. وتوصل مسح أجري في ذلك العام من قبل "كيه بي إم جي" إلى أن 81 في المائة من منظمات الرعاية الصحية اعترفت بأن أنظمتها تعرضت لهجوم في العامين الماضيين.
يقول بعض مختصي الأمن إن المجرمين ليسوا المصدر الوحيد الذي يبعث القلق - الأجهزة الحكومية والهيئات التجارية تعتبر غير موثوقة بالقدر نفسه. يقول روس أندرسون، أستاذ الهندسة الأمنية في جامعة كامبريدج: "بمجرد أن تتم رقمنة كميات ضخمة من المعلومات الصحية الشخصية، تصبح مصدرا يحاول كثير من الناس الوصول إليه".
"نحن نعلم منذ الآن أن المسؤولين الرسميين يمكنهم بيع السجلات دون علمك أو موافقتك على نطاق صناعي وتمريرها إلى شركات الأدوية وغيرها من الجهات التي بدورها تسيئ استخدامها".
للحؤول دون حدوث ذلك، يوصي الأطباء واختصاصيو التكنولوجيا بتطبيق مبادئ اللامركزية على قواعد البيانات الصحية الكبيرة والسماح لكل مريض بالسيطرة الكاملة على البيانات الخاصة به، وبذلك يتم تقليل مخاطر الوصول إلى قاعدة بيانات واحدة كبيرة، ويقرر المريض وحده من يمكنه بشكل مشروع الاطلاع على سجلاته: الأطباء أم الباحثين أم أوصياء بيانات محددين، كأحد أفراد الأسرة، مثلا. ويحذر المتحمسون لفكرة الرعاية الصحية الرقمية من أن كل أداة رقمية وتطبيق رقمي جديد يجب أن تتم المصادقة عليه ومراجعته من قبل النظراء بشكل صارم، لتجنب الاحتيال أو حتى تعريض المرضى للموت.
في العام الماضي ادعت شركة ناشئة في وادي السيليكون تحمس اسم "ثيرانوس" أنها اخترعت أداة فعالة لفحص الدم من خلال وخز الأصبع، مجلس إدارتها يضم شخصيات بارزة مثل هنري كيسنجر. لكن الشركة فقدت صدقيتها بعد أن تعرضت لهجوم من قبل الصحافة بسبب إصدارها نتائج اختبارات كاذبة. وتم إلغاء رخصة المختبر الخاصة بها، ولا تزال قيد تحقيق جنائي من قبل النيابة العامة الفيدرالية بسبب قضية الخداع المزعومة.
يقول توبول: "هناك أمور كثيرة في هذا المجال تفتقد التنظيم، إنها غابة. نحن بحاجة لأن نكون قادرين على اختبار ليس فقط الأجهزة والتطبيقات، بل أيضا الخوارزميات. إذا أعطي شخص ما جرعة زائدة من الإنسولين بسبب وصفة خاطئة، يمكن لهذا الأمر أن يكون خطيرا فعلا".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES