FINANCIAL TIMES

اقتصاد منطقة اليورو يصمد في مواجهة الصدمات السياسية

اقتصاد منطقة اليورو يصمد في مواجهة الصدمات السياسية

حتى تكتسب إحساسا بالمتانة المكتشفة حديثا في اقتصاد منطقة اليورو، انظر في حالة جان إيمانيويل رودوكاناشي، الذي يدير سلسلة من دور الحضانة الفرنسية التي نفذت العام عمليات استحواذ في ألمانيا والمملكة المتحدة.
رودوكاناشي، رئيس مجموعة "الوصيفات الحمر الصغيرات"، مجموعة رعاية الأطفال للمسافرين، مع دور حضانة في جميع أنحاء فرنسا، لم يكترث لعدم اليقين السياسي الذي أصاب العالم في عام 2016.
بدلا من ذلك، يسعى للاستفادة من وضع اقتصادي مهم يصفه كثير من خبراء الاقتصاد بأنه المحرك الرئيسي لتعافي منطقة اليورو: المال الرخيص.
يقول رودوكاناشي الذي أسس شركته في عام 2000: "حقيقة أن أسعار الفائدة منخفضة تاريخيا هو أمر مفيد للغاية. إذا كنت لاعبا على المدى الطويل لديك شعور بما تريد تحقيقه من الناحية الاستراتيجية ولديك رؤية لمدة عشرة أعوام، من الواضح أنك ستستفيد من أسعار الفائدة المنخفضة اليوم".
تفاؤله النسبي هذا علامة على قصة أوسع للمتانة في منطقة اليورو.
مؤشرات الثقة والبيانات الكمية تشير إلى أن الشركات تبيع وتوظف أكثر من أي وقت منذ ما قبل أزمة الديون السيادية في المنطقة. ومعدل البطالة انخفض في الخريف إلى أقل من 10 في المائة وذلك للمرة الأولى منذ سبعة أعوام، في حين سجلت أرقام الإنتاج الصناعي مكاسب قوية - ليس فقط في ألمانيا، أكبر وأقوى اقتصاد في المنطقة، لكن أيضا في الأجزاء الأضعف من التكتل، مثل فرنسا وإسبانيا.
عدم الاستقرار السياسي غالبا ما يبدو أنه يهدد انتعاش منطقة اليورو الهش منذ أواخر عام 2013. اليوم ذلك الانتعاش يحافظ على الزخم، على الرغم من الهجمات الإرهابية في مختلف أنحاء أوروبا، والتوترات مع روسيا، والأصوات التي أرسلت بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي، ودونالد ترمب إلى البيت الأبيض. معدل البطالة لا يزال مرتفعا بشكل يثير القلق في الأجزاء الأكثر ضعفا، لكن الشركات أصبحت واثقة بما فيه الكفاية لتجاهل مخاطر مزيد من عدم اليقين السياسي من أجل التوسع.
برونو كافالييه، من شركة أودو للأوراق المالية في باريس، يقول: "الآن نحن في مرحلة الانتعاش، ويتم تفسير المخاطر السياسية بطريقة مختلفة جدا. المخاطر السياسية مجرد إلهاء بالنسبة للشركات الآن، لقد حصلنا على صدمات جيوسياسية، وهجمات إرهابية، و"خروج بريطانيا". لكن لم يكن لأي من هذه أي تأثير دائم على بيانات الاقتصاد الكلي. في بعض الحالات، لم يكن هناك أي تأثير على الإطلاق".
مؤشر مديري المشتريات، وهو مقياس للنشاط بناء على استطلاع للرأي يتم على خمسة آلاف شركة – الآن عند أعلى مستوياته منذ ستة أعوام تقريبا - يشير إلى أن الانتعاش سيستمر في الوقت الذي تلبي فيه الشركات مجموعة من الطلبات.
يقول كريس ويليامسون، من شركة آي إتش إس ماركيت، التي تجمع مؤشرات مديري المشتريات: "إلى أن يحدث شيء ما، إذن لماذا ينبغي لك تغيير خططك؟ إذا كنت رئيسا لشركة، مهمتك هي التوسع. لا يمكنك تبرير عدم فعل أي شيء للمساهمين في شركتك بالقول إن منطقة اليورو سوف تنهار. عليك أن تحافظ على هدوئك".
يعتقد خبراء الاقتصاد أن اليورو الضعيف وانخفاض أسعار النفط يساعدان في تهدئة الأعصاب. في الوقت نفسه سياسة المالية العامة أقل تقييدا، إذ اختفى كثير من التقشف المفروض على البلدان الأعضاء الأضعف في التكتل. لكن ربما العنصر الأكثر أهمية هو الائتمان الأرخص الأكثر وفرة.
البنك المركزي الأوروبي خفض أسعار الفائدة إلى مستويات تاريخية واشترى ما يساوي 1.5 تريليون يورو من السندات بموجب برنامج التسهيل الكمي الذي أطلقه. ومبالغ رأس المال الإلزامي الأكبر في المصارف، المخصصة للصدمات الاقتصادية، دعمت أيضا في استعدادها لتقديم القروض. وكان الأثر على الشركات عجيبا: انخفض متوسط تكلفة اقتراض الشركات من 4.33 في المائة في عام 2012 إلى 1.82 في المائة في تشرين الثاني (نوفمبر) ـ أحدث شهر توافرت بشأنه الأرقام.
وعلى الرغم من الأجواء الأكثر تفاؤلا، إلا أن جوانب من المنطقة تخاطر بأن تترك في الخلف. ففي حين أن معدل البطالة انخفض في معظم أوروبا، إلا أنه ارتفع في إيطاليا في العام الماضي، والمعدل الرئيسي للشباب الذين يبحثون عن عمل بالكاد تزحزح. ويخشى خبراء الاقتصاد الأكثر تشاؤما أن تبقى التوقعات على المدى الطويل ضعيفة، على الرغم من أن تدابير البنك المركزي الأوروبي استطاعت تأمين مهلة مؤقتة.
ألمانيا على وجه الخصوص لديها شكوك عميقة بشأن ما يعتبره كثيرون سياسة نقدية متساهلة تتجنب التعامل مع الضغوط الكامنة في اقتصاد منطقة اليورو.
ديفيد فولكيرتس لانداو، كبير خبراء الاقتصاد في دويتشه بانك، يجادل بأن سياسات البنك المركزي منعت إجراء عملية تصفية حساب لمنطقة اليورو، كان من الممكن لضغوط السوق أن تجبر الدول الأعضاء عليها، من خلال حملهم على تشكيل خطة ذات صدقية لمستقبل المنطقة. ويقول: "ليست هناك سياسات يتم تنفيذها من النوع الذي يتمتع بالزخم لمواجهة الأزمة الوجودية في أوروبا". ويعتقد رودوكاناشي أن أي صاحب مشاريع مثله يجب أن يكون متفائلا. لكنه يعترف بأن عدم وجود خطة على المدى الطويل من القادة السياسيين في أوروبا يعوق الاستثمارات.
وهذا يؤثر على قراره الخاص بالتوسع في الاقتصادات القوية، مثل ألمانيا والمملكة المتحدة، بدلا من الدول الأصغر.
يقول: "هناك شيء تنقصه رؤية مشتركة: يقول القادة إن هذا هو ما نريد أن يكون عليه المستقبل. بالنسبة للاقتصاد ما ينبغي أن يكون عليه المستقبل بسيط جدا: إذا تمكنت أوروبا من تحقيق نمو بنسبة 3 في المائة، فإن جميع المشاكل ستزول فورا".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES