المشهد الواقعي .. محاولة للتفسير

ونحن نعيش حياتنا اليومية قد تشغلنا متطلباتها، سواء في العمل، أو العائلة والمنزل، أو في العلاقات الاجتماعية الأخرى عن أوضاع تعج بها الحياة، أو بالأحرى تعج بالحياة، حتى نغفل هذه الأوضاع، أو ننساها كلية، حتى ليخيل للمراقب لسلوكنا أننا منفصلون عن الواقع المحيط بنا، مع أن هذا الواقع المحيط قد أسهمنا في نسج خيوطه، وتركيبه حتى بلغ ما بلغ من خطورة لا تهدد أفرادا، بل جماعات بكاملها إن لم يكن مجتمعات.
حالات التشظي والاقتتال التي تقع في أكثر من قطر عربي، لم تحدث بالصدفة، لكنها حدثت بسبب أفعال، وسياسات لم تأخذ في اعتبارها أن آثار هذه الأفعال، والسياسات قد ترتد يوما من الأيام لتصيبنا شظاياها، وأسهمها القاتلة، ونارها الملتهبة لتحرقنا، أو على أقل تقدير نتأذى من حرارتها، ودخانها الصاعد، والمنتشر في كل الاتجاهات.
التراكمات السلبية، لا شك أن آثارها قد لا تظهر مباشرة، بل قد تحتاج إلى وقت أطول، تختمر خلاله هذه الآثار، على شكل أفكار رافضة للممارسات السلبية السابقة، وتتحول هذه الأفكار إلى برامج عمل، وخطط يتبناها الجيل الذي وقعت عليه الممارسات الظالمة، ومن ثم تكون ردود الفعل التي قد تأخذ صورا انتقامية حادة، في واقع عالمنا العربي الذي أشرت إلى اقتراب نيرانه منا في الخليج العربي، كما في العراق المتمثل في حرب، ونزاعات طائفية مريرة تغذيها سياسات حكومية أغراها الشعور بالقوة، والغلبة، حتى انقسم المجتمع إلى طوائف متحاربة، بعدما كان ينعم بالأمن، والطمأنينة، والسلم الاجتماعي، وما يحدث في سورية منذ خمس سنوات، يكشف بجلاء النزعة الشوفينية، وحب الذات الأعمى الذي يقود صاحبه للاستئثار بكل شيء، حتى لو ترتب على ذلك دمار الوطن، وهلاك الناس، بغياب الحصافة.
المجتمعات بحكمائها، لا بالجهلة، وفاقدي الحكمة، ولا بأصحاب المصالح المتزلفين الذين لا اعتبار لهم في ما يطرحونه من آراء إلا مقدار المكاسب، والخسائر التي من نصيبهم، وهم بهذا السلوك لا اعتبار للمصلحة العامة لديهم، ولا للقيم، والمبادئ، وشعارهم الغاية تبرر الوسيلة، ومن كانت غايته المال، أو الشهرة الشخصية، والمكانة الاجتماعية، لا يرتجى منه رأي سديد لأن أسمى غاياته، المكاسب، والمصالح الذاتية.
كما قلت: زحمة الحياة تضيق الفرص على الفرد، وتحرمه أن يخلو بنفسه خاصة إذا كان من أصحاب المشاغل الكثيرة، كالقادة ليفكر بهدوء وطمأنينة، مما يمكنه من استبصار الواقع بصورته الحقيقية، لا بالصورة المزيفة التي ينقلها أصحاب المصالح الضيقة، أو عديمو الحكمة، ولذا فإن في تغير الأحوال ما بين ليل ونهار وظلمة، ونور، وانتهاء عام، وبداية آخر فرصة للمراجعة سواء على المستوى الفردي، أو المستوى الاجتماعي العام، أو المستوى الرسمي لنسأل أنفسنا إلى أين نحن متجهون؟، ومثل هذا السؤال سيترتب عليه إعادة النظر في الأهداف، إذ قد تكون الأهداف غير مناسبة للعصر، أو قد تكون مناسبة لكن الآليات المستخدمة للوصول إليها غير مناسبة.
وعي الواقع والكشف عنه، دونما خداع للذات التي غالبا ما تميل إلى سماع ما يطربها، حتى ولو كان على حساب الحقيقة، والمصلحة في ما بعد، يمثل مدخلاً طبيعيا لمن يرغب في التغيير الهادف الذي يحافظ على التماسك العام، وفي ذات الوقت يحقق الأهداف المرتجاة، ولو قدر لنا، وعرضنا أنفسنا على هذه المبادئ المتمثلة في الحكمة، والرجاحة العقلية، وسلامة الأهداف، ووضوحها، إضافة إلى سلامة الآليات، والإقدام على كشف الواقع بشجاعة، ووعي عميق يمكن من تحليله ومعرفة الأسباب التي أوجدت الواقع بإيجابياته، وسلبياته، لاكتشفنا أن النجاح الذي حققناه، لم يكن ليتحقق لو لم نأخذ بهذه المبادئ، كما أن الإخفاق الذي حدث لا بد أن يكون بسبب إهمالنا لواحد منها.
ليس لدي أدنى شك في أننا نحن من يوجد الواقع الشخصي، أو الاجتماعي الذي نريد، بتوظيف العقول الحكيمة، المخلصة، وبحسن تدبير الإمكانات، ووضعها في المكان الصحيح، وفي التوقيت المناسب، ولذا فما يحدث في عالمنا العربي، يتحمل الإنسان العربي مسؤوليته الكاملة، حتى وإن كان التدخل الخارجي واضحا، إذ إنه هو من سمح للآخر بالتدخل، وأعطاه الفرصة لذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي