تحديات العمالة والاستثمار

تحديات العمالة والاستثمار

هناك ظاهرتان بارزتان في مجريات التنمية الاقتصادية، تعملان على استنزاف الثروة الوطنية، إحداهما جيش العمالة الوافدة التي تجاوزت حاجز السبعة ملايين عامل. وقد قيل في أمرها الكثير وحاولت وزارة العمل وما زال التخفيف من وجودها ومن تقاطرها جاريا بوسائل شتى، آخرها ما تضمنه نظام العمل الجديد الذي أقره مجلس الوزراء أخيرا الخاص بإلزام مؤسسات القطاع الخاص بما لا يقل عن 75 في المائة من القوى العاملة السعودية فيها.
أما الظاهرة الأخرى التي استفزت مشاعر الغيورين من مسؤولين ومحللين اقتصاديين وكتاب فتتعلق بهروب الأموال السعودية لتوظيفات استثمارية خارج البلاد، فضلا عن طوابير المسافرين لإمارة دبي وغيرها للزج بنقودهم في مساهمات هناك. الظاهرتان شأنان استثماريان، لكننا نجد الأمل أكثر فسحة في فرملة جيش العمالة الأجنبية لصالح زيادات في توظيف القوى السعودية بعد قرار مجلس الوزراء الأخير بالالتزام بما نسبته 75 في المائة سعوديا من مجموعة منسوبي المؤسسة الخاصة. وهي فسحة من الأمل تزداد تحققا بصرامة المتابعة والشفافية بين وزارة العمل والقطاع الخاص، يتحمل فيها القطاع الخاص مسؤولية الصعود إلى أوج الإحساس بدوره في إنجاح هذه المهمة، فعلى ممثلي القطاع الخاص أولا وأخيرا تتحقق المهمة وبيدهم إنقاذ أبنائنا وبناتنا من ورطة التذبذب بين بطالة مفتعلة بسبب الأنانية والتمنع وإيثار الربح السريع وبين صدهم بتقديم فرص بثمن بخس طعمه مر للعمل في تلك المؤسسات.
أما هروب الأموال للاستثمار الخارجي ومعها جحافل المكتتبين في الأسهم الخليجية فلا يخرج عن كونه يشكل بالفعل حرجا لسياسة الاستثمار الأجنبي بكل صراحة. فلو وجدت تلك الأموال الوطنية القنوات الجاذبة والفاتحة لشهية الاستثمار، سواء عبر التخصيص أو عبر تفتيت الأسهم وبيع حصص من أسهم المؤسسين في الشركات والمؤسسات والمصارف والبنوك وطرح شركات أخرى، لما هرول رجال الأعمال وذوو الأرصدة الذهبية ومعهم العامة منهم جمعوها قرشا على قرش، إن لم تكن سلفا أو ديونا إلى خارج البلاد.
نحن نعول، بإذن الله، على نجاح مسعى وزارة العمل في ضوء القرار الملكي الأخير لزيادة العافية لاقتصادنا باستثمار سواعد وعقول وجهود أبنائنا في مؤسسات القطاع الخاص وإعادتهم إلى بلدهم ومكانهم الطبيعي عبر إحلالهم مكان الوافدين المقيمين سنين طوالا (بدا أن لا انقضاء لها)، خصوصا ونحن على يقين أن إرادة القيادة لم تعد تحتمل مماطلة ولا عذرا، فالوطن للجميع وقد قامت الدولة بأجل الجهود وأثقلها، بما فيها خلق القطاع الخاص نفسه وتسمينه. ووطن أعطى دون حدود، لا يستحق سوى شكره عبر إشراك أبنائه في إدارة وتشغيل وصيانة قطاعه الخاص، فصاحب الدار أولى وأحق من الغريب. على أن الأمل المفتوح على الإمكانية الكبرى في تطبيق قرار الـ 75 في المائة يصاب بخيبة الأمل وبشيء من الوجل والخوف حين يتعلق الأمر بالاستثمار الأجنبي والوطني أيضا. وإذا كنا نعرف أنه ليس لدى الهيئة العامة للاستثمار صلاحيات إيقاف نزيف الأموال للخارج ولا نملك حلا سحريا لإبقاء أموال الوطن في الوطن، فما بالنا بجذب المال الأجنبي! إذا كان هذا صحيحا، فالأصح أن شيئا ما يحترق وأن رائحة ما تفوح في صلب الآليات التي اعتمدتها الهيئة لتحقيق استراتيجية الاستثمار الطموح، (والذي هو كذلك على الورق. لكن حساب البيدر لا يسر الخاطر). ونحن نتطلع إلى ''حل ما'' فعال وقادر على شطب كل المعوقات نهائيا وسريعا وخلق مناخ استثماري لا يقاوم. وهذا لن يتم بالقناعة بالاستثمارات الأجنبية الشكلية الزهيدة النفعية (التي تمثل انتفاخا فقط في رقم أعداد الداخلين المسجلين ولا وزن لهم) وإنما في إزاحتها من السوق السعودية وقصره فقط على النوعية وما ينفع الوطن أولا وأخيرا.. أما كيف؟ فهذا هو التحدي الذي على الهيئة العامة للاستثمار مقابلته الآن.. الآن.. ونجزم أن المهمة لن تكون سهلة، ولكن قناعتنا بأهمية الجهود المبذولة في الهيئة هي التي تدعونا لأن نشد على عضدها وأيضا نطالبها بالتحرك العاجل لحفز الجهود لتوطين الاستثمارات.

الأكثر قراءة