كيف أصبحت السعودية وجهة الشركات الناشئة ؟

كيف أصبحت السعودية وجهة الشركات الناشئة ؟

في كتابه "رأس المال"، يقيس آدم سميث النجاح الحقيقي لأي مشروع، بمدى نمو رأسماله وتضخمه وقدرته على افتتاح أفرع جديدة في دول كثيرة، وبهذا المقياس، وخلال القرن العشرين، ظهرت الشركات العملاقة، ومتعددة الجنسيات، وصاحبة العلامات التجارية، ذات القيمة المليارية، لكن مع بدء ثورة الاتصالات خلال الألفية الثانية، وقف معيار "سميث" حائطا صادا أمام كل من لا يملك رأسمال كبير يمكنه خوض السباق.

ومن هنا بزغت فكرة الشركات الناشئة التي تمت مناقشتها أخيرا في المنتدى الاقتصادي العالمي في الرياض، خاصة بعد أن بلغت قيمتها في السعودية 3.3 مليار دولار خلال عقد، حسبما كشف نبيل كوشك، الرئيس التنفيذي للشركة السعودية للاستثمار الجريء، بعد أن كانت قيمتها 65 مليون دولار فقط في 2018، ما يعني أنها تضاعفت نحو 20 مرة خلال 5 سنوات.

وتعتمد الشركات الناشئة في تأسيسها على رأسمال صغير، ويكون مهمتها متناسبة معه، وليس مهما أن تفتتح أفرع لها لكن المهم أن تنجح اقتصاديا، ورغم أن دول كثيرة شجعت هذا القطاع بوصفه يسهم في خفض نسب البطالة ويشجع الشباب على الابتكار، فإن السعودية تعاملت مع هذا القطاع بمنهجية، من خلال استهداف تعزيزه كرافد مهم يحقق تنوع اقتصادي تنص عليه رؤية 2030.

وفي 2018 أي بعد عامين فقط من طرح الرؤية، أسست السعودية شركة "السعودية للاستثمار الجريء " بإجمالي 1.5 مليار دولار، وكانت المهمة الأساسية دعم الشركات الناشئة.

وهذا الدعم اتخذ أشكال متنوعة بداية من تقديم الاستشارات اللازمة قبل التأسيس، ومرورا بالطرح الأولي للاكتتاب، ثم تقديم التمويلات اللازمة لاحقا، وتمكنت الشركة من دعم أكثر من 700 شركة ناشئة ومنشأة صغيرة ومتوسطة، إضافة إلى 43 صندوقا.

وبجانب هذا المسار، كان تحديث البنية التحتية للسعودية خاصة الرقمية، وإنجاز كثير من الأوراق والتراخيص من خلال ضغطة زر، إذ تحتل السعودية المرتبة الثالثة عالميا في مؤشر نضج الحكومة الرقمية 2023، سببا آخر لازدهار الشركات الناشئة، ما حول الرياض إلى وجهة جاذبة للاستثمار وحاصدة الحصة الكبرى من اقتصادات الشركات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ولم يتوقف الدعم السعودي عند حدود التمويل، بل شمل مناحي أخرى مثل البرنامج الوطني لتطوير التقنية الذي ركز مهمته الأساسية على دعم الشركات الناشئة من خلال تعزيز علاقتها مع الجامعات ومراكز الأبحاث للعمل وفق استراتيجية متكاملة تخدم في النهاية رؤية 2030.

كما شمل برنامج "الشركات المليارية" الذي تم إطلاقه يوليو الماضي وركز على توجيه الدعم التقني وتوفير جميع الأدوات الرقمية التي تحتاجها الشركات مجانا أو مخفضة من منصات عالمية، وحاليا يضم هذا البرنامج أكثر من 500 شركة ناشئة تحت لوائه.

تلك الإجراءات وغيرها التي بسببها احتلت السعودية المركز الثاني في مؤشر ريادة الأعمال بحسب تقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال 2022، لم تكن لتنجح إلا بالطموح الشباب السعودي الذي استغل الفرصة وتخلى عن الأفكار التقليدية وحلم الوظيفة والراتب وخاض مجال الاستثمار، فبحسب دراسات السوق، لم تؤثر الشركات الناشئة اقتصاديا فقط، بل أسهمت في إعادة تشكيل بيئة العمل ، إذ بات أفراد تلك البيئة يفضلون قيم مثل الابتكار والموهبة وتطوير الذات خاصة المهارات الرقمية.

ولأن كل شئ مدروس ومخطط، فقد أدى ذلك في النهاية إلى تقدم السعودية واحتلالها المركز 48 في مؤشر الأمم المتحدة للابتكار عام 2023، كما انضمت الرياض وجدة لقائمة أفضل 100 مدينة في العالم في مؤشر جودة الحياة، وكان انخفاض نسبة البطالة إلى 7.7 مع بداية العام الجاري أوضح دليل على فعاليات وأثر الشركات الناشئة التي ينتظرها خطوات لن يكون آخرها ما أطلقته السعودية من حزم تمويلية مارس الماضي بقيمة 600 مليون دولار، لتؤكد بذلك أن "منافسة المواهب" مستمرة، وعلى السعوديين أن يتجهزوا جيدا بالأفكار الخلاقة والاستثنائية.

الأكثر قراءة