إعادة هيكلة الديون السيادية ضرورة ملحة

منذ اندلاع جائحة كورونا 2019 (كوفيد-2019)، واجه العالم النامي نقاط ضعف متنامية ترتبط بديون القطاع العام. وتسببت ارتفاعات أسعار الفائدة والقدرة المحدودة على الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية في تفاقم المشكلة - حتى أن البلدان القادرة على سداد ديونها أصبحت الآن تتصارع مع تحديات السيولة. علاوة على ذلك، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تظل مستويات ديون البلدان النامية في السنوات المقبلة أعلى مما كانت عليه في 2019. ويبدو من الواضح أن كثيرا من البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل ستظل تعاني إجهاد الديون، حتى لو لم تكن معرضة لخطر التخلف عن السداد. الواقع أن أقدم آلية قائمة لإعادة هيكلة الديون، أو نادي باريس، تغطي فقط الديون السيادية المستحقة على بلدانها الأعضاء الـ22 - وأغلبها في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. في بعض الأحيان، تبنى مقرضون متعددو الأطراف وحكومات أجنبية استجابات خاصة مرتجلة لأزمات الديون السيادية. على سبيل المثال، ساعدت خطة برادي، التي دعمتها الولايات المتحدة، والتي جرى تنفيذها بعد أزمة أمريكا اللاتينية في ثمانينيات القرن العشرين، في خفض ديون بعض البلدان وحفز تطوير سوق السندات السيادية للدول النامية. وفي 1996، أطلق صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون لتزويد البلدان منخفضة الدخل بإرجاء السداد الذي تحتاج إليه بشدة، ثم اسـتُـكمِـل ذلك في 2005 بالمبادرة متعددة الأطراف لتخفيف أعباء الديون، التي ألغت ديون البلدان المؤهلة للاستفادة منها والمستحقة لدائنين متعددي الأطراف. أثناء الجائحة، عندما سجلت مستويات الدين العام ارتفاعا شديدا، أنشأت مجموعة العشرين ونادي باريس مبادرة تعليق مدفوعات خدمة ديون البلدان منخفضة الدخل، التي أوقفت مدفوعات ديون 48 من أصل 73 دولة مؤهلة خلال الفترة من مايو 2020 إلى ديسمبر 2021. وفي نهاية 2020، أقرت مجموعة العشرين ونادي باريس الإطار المشترك لمعالجة الديون لتنسيق وتخفيف أعباء الديون عن البلدان المؤهلة للاستفادة من مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الديون. ولكن حتى الآن، توصلت ثلاث دول فقط -غانا، وزامبيا، وتشاد- إلى اتفاق بموجب هذا الإطار، في حين تقدمت دولة واحدة فقط -إثيوبيا- بطلب. وفقا لبعض تقارير، تسببت المخاوف من خفض التصنيف الائتماني في منع عدد كبير من المستفيدين المحتملين الآخرين من المشاركة. الواقع أن الحاجة واضحة إلى حل دائم: إنشاء آلية مؤسسية لإعادة هيكلة الديون السيادية، ومن الأفضل أن تكون تحت رعاية الأمم المتحدة. من الممكن أيضا أن يستضيف صندوق النقد الدولي مثل هذه الآلية، ولكن شريطة أن تظل هيئة تسوية المنازعات مستقلة عن المجلس التنفيذي للصندوق ومجلس محافظيه، كما اقـتُـرِح في 2003. كما يجب أن يدعو إطار إعادة التفاوض إلى عملية ثلاثية المراحل تتألف من إعادة التفاوض طواعية، والوساطة، والتحكيم، على أن تكون كل من هذه المراحل بأجل محدد. أخيرا، للتخفيف من أزمات الديون في المستقبل، اقترح البنك الدولي وجهات أخرى اعتماد سندات الدولة المشروطة على نطاق واسع، وهي تضبط العائدات على أساس الظروف الاقتصادية أو أسعار السلع الأساسية. وهذا من شأنه أن يخفف الضغط على الميزانيات العمومية السيادية أثناء فترات الركود. لن تحصل البلدان النامية المثقلة بالديون أبدا على الإغاثة التي تحتاج إليها إذا لم يضع المجتمع الدولي هذه القضية في صدارة أجندته. ولا بد أن تكون إعادة هيكلة الديون على رأس أولويات السياسة في قمة مجموعة العشرين هذا العام في ريو دي جانيرو والمؤتمر الدولي الرابع للتمويل من أجل التنمية، الذي ستستضيفه إسبانيا في 2025. خاص بـ "الاقتصادية" حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024. www.project-syndicate.org

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي