هل تصل أسعار النفط لمستوى ثلاث خانات ؟

في ذروة توترات جيوسياسية محتدمة وحربين لا يُرى لهما نهاية قريبة متوقعة، ووسط تأجج الصراع وامتداده إلى ممرات وشرايين النفط أخذت أحداث الحرب الروسية - الأوكرانية والحرب على غزة منحنى أصبح يضغط بشدة على أسعار النفط ولمس مناطق ذات حساسية عالية في منطقة تعد بمنزلة القلب لأسواق النفط مخزوناً (احتياطيات) وإنتاجاً وهي منطقة الشرق الأوسط كما في عمق أراضي ثالث أكبر منتج للنفط في العالم وهي روسيا الاتحادية. لقد قادت حرب المصافي بين روسيا وأوكرانيا واستهداف أوكرانيا لما يقارب 50 % من المصافي الروسية الرئيسة إلى إعادة اشعال أسعار النفط التي أخمدتها مدة وجيزة وفرة الإنتاج الأمريكي وغزارة فائض النفط الصخري ونشاط حقول غيانا المغمورة في مياهها الإقليمية. وإن كانت روسيا قد استهدفت البنية التحتية الأوكرانية خلال احتدام الصراع الدائر بينهما ورغم ضخامة الخسائر التي تكبدتها المنشآت والبنى التحتية الأوكرانية والتكلفة العالية في إعادتها إلى ما كانت عليه إلا أن أسواق النفط تتأثر بشكل أكبر عندما يكون المستهدف مصدراً رئيساً للإنتاج والتصدير، وهو ما حدث بالفعل مع الاستهداف الأوكراني لمصافي التكرير الروسية. قادت الهجمات الأوكرانية الى تحييد ما بين 10 إلى 12 % من القدرة التكريرية الروسية حتى الآن، مرسلة إشارة إلى الأسواق النفطية عن كمية الضرر وحجم المخاطر التي يتعرض لها ثالث منتج للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة والسعودية. لم تكن أسواق النفط تتلقى إشارات من الشرق الأوروبي وحسب، بل كان الشرق الأوسط يُرسل أيضاً إشارات قوية وواضحة أن توتراً جيوسياسياً قد يؤدي إلى اتساع دائرة الصراع الدائر أصلاً في المنطقة، حيث تم شن غارات اسرائيلية على مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، ما أدى إلى مصرع دبلوماسيين ومسؤولين إيرانيين، وهو ما تعهدت إيران بعده بالرد على هذا الهجوم الذي أضاف عاملاً كبيراً إلى عوامل المخاطر التي تحيط بمنتجين رئيسين للنفط في العالم بما فيها إيران نفسها التي فاق إنتاجها من النفط مستوى 3.75 مليون برميل يومياً أخيرا. كل هذا أتى في وقت تعززت فيه عوامل الطلب وأظهرت الاقتصادات العالمية انتعاشاً ونمواً متوقعاً عزز من ثقة الأسواق بالطلب على النفط في العام الحالي كما القادم في وقت أبدى الاحتياطي الأمريكي تفاؤلاً ومرونة في تهدئة حربه الشرسة على التضخم بعد تقارير تشير إلى انخفاض في مستوى البطالة والتوقعات بتخفيض سعر الفائدة ثلاث مرات خلال العام الحالي. كما أن الإنتاج الأمريكي بدأ يتناقص وإن كان بمعدلات منخفضة، لكن الأنشطة في الحقول الأمريكية أظهرت تباطؤاً في الإنتاج بعد وصوله إلى مستوى قياسي تاريخي بمعدل 13.3 مليون برميل يومياً. وإن تحدثنا عن أكبر منتج للنفط في العالم فلابد من الإشارة إلى أكبر مستورد للنفط في العالم وهو الصين، التي بدأت المصافي الصينية تشهد نمواً في الاستهلاك يشير إلى زيادة في الطلب القادم على النفط من الصين. قد يجيب الاستعراض السابق للمؤثرات على خريطة أسواق النفط في العالم عن السؤال المطروح في العنوان، وهنا أضيف أنني أعتقد أن سيناريو الثلاث خانات أو مستوى المائة لسعر خام برنت لهذا العام ليس بعيد المنال، لكنه السيناريو الأكثر تفاؤلاً أو ينطلق من تفاؤل مفرط مرتبط باستمرار العوامل المؤثرة السابقة بنفس الزخم وبنفس الحدة وبتصاعد حدة التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوروبي والشرق الأوسط متبوعاً بازدياد الطلب وزيادة حجم المخاطر بما فيها ما يحصل في مضيق باب المندب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي