منح "إنتل" 20 مليار دولار يكشف مواطن الضعف الأمريكية

شروط الحصول على الأموال المقدمة بموجب قانون الرقائق ترتبط بصورة كبيرة بتحقيق أهداف أجندة بايدن الانتخابية

من المقرر أن تحصل شركة "إنتل" على منح وقروض قيمتها 20 مليار دولار للمساعدة على تمويل زيادة سعتها الإنتاجية في الولايات المتحدة الأمريكية، لتصبح أكبر مستفيد إلى حد الآن من قانون الرقائق والعلوم الصادر خلال 2022، ما يعد العنصر الرئيس في خطة الرئيس الأمريكي جو بايدن لقلب انخفاض حصة الولايات المتحدة الأمريكية من إنتاج أشباه الموصلات العالمي، وهو اتجاه استمر على مدى عقود طويلة.
يكرر البيت الأبيض بالفعل الحديث عن هذه المنح في جولات الحملة الانتخابية بوصفها دليلا على أن سياساته تعمل لمصلحة أمريكا. لكن الحقيقة أن الشروط المرتبطة بها تبرز فقط العيوب التنافسية للبلاد.
وبينما يتجه الطلب العالمي على الرقائق إلى الصعود بقوة، ويعزى ذلك في الأساس إلى تطورات مجال الذكاء الاصطناعي، فإن الولايات المتحدة لا تملك كفاءة القوى العاملة ولا المنظومة التنظيمية اللازمة لمواكبة ذلك.
أشارت جمعية تصنيع أشباه الموصلات خلال يوليو الماضي، إلى أن شركات صنع الرقائق في طريقها لإضافة نحو 115 ألف وظيفة مع حلول 2030، مستشهدة باستطلاع رأي أجرته. لكن استنادا إلى معدلات إكمال الدراسة الجامعية حاليا، ربما لا تجد 58 % من تلك الوظائف المتوقعة من يشغلها. حتى جينا ريموندو وزيرة التجارة حذرت في ديسمبر الماضي من أن جهود الولايات المتحدة الأمريكية لبناء قطاع أشباه موصلات محلي ربما تتأخر لأعوام بسبب مراجعات معايير الأثر البيئي للمشاريع.

أهداف بايدن

يشترط على المستفيدين للتأهل للحصول على المنح المرتبطة بقانون الرقائق، ليس فقط توسيع السعة الإنتاجية في الولايات المتحدة، لكن فعل ذلك بطريقة تدعم أجندة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأكبر، بداية من زيادة تمثيل العمال المهمشين في قطاع التكنولوجيا، وصولا إلى التنسيق مع العمالة التابعة للنقابات العمالية النظامية في خطط تطوير القوى العاملة.
ربما تستحق مثل هذه الأهداف الاهتمام، لكنها تفاقم تكاليف التصنيع وتجعل عملية توسيع الإنتاج محفوفة بالمخاطر.
في حالة "إنتل"، لن تحصل الشركة التي يقع مقرها في مدينة سانتا كلارا على مبلغ التمويل بالكامل فورا، بحسب "بلومبرغ نيوز". ربما يحتاج صرف الأموال إلى أعوام، وسيتوقف على تحقيق "إنتل" أهداف الإنتاج وغيرها من المعايير. من الواضح أن أسهم "إنتل" لم تتغير كثيرا منذ منتصف فبراير الماضي، عندما كشف عن أن الشركة كانت منخرطة في محادثات حول هذه الأموال حتى مع ارتفاع أسواق الأسهم الأوسع نطاقا.
أوقفت أكبر شركة لتصنيع الرقائق على مستوى العالم، شركة "تايوان سيميكوندوكتور مانوفاكتشورينغ"، بناء منشأة بقيمة 40 مليار دولار في ولاية أريزونا بسبب نزاع مع نقابة عمال تركيب الأنابيب. تفاوضت "تايوان سيميكوندوكتور مانوفاكتشورينغ" مع النقابة لمدة 6 أشهر قبل التوصل إلى تسوية سمحت بمواصلة أعمال البناء.
أخبر المسؤولون التنفيذيون في "تايوان سيميكوندوكتور مانوفاكتشورينغ" المستثمرين بأن بناء المصنع سيتكلف في الولايات المتحدة الأمريكية 4 أضعاف ما سيتكلفه في تايوان، سبب ذلك الأساسي هو ارتفاع تكاليف العمالة والتكاليف التنظيمية. خلال يوليو الماضي، أشار المسؤولون التنفيذيون في الشركة إلى أن نقص العمالة الماهرة كان من بين الصعوبات العديدة التي واجهتها. ذكر مارك ليو رئيس مجلس الإدارة خلال مؤتمر أرباح عبر الهاتف في ذلك التوقيت: "نعمل على تحسين هذه الأمور عن طريق إرسال عمال فنيين ماهريين من تايوان إلى الولايات المتحدة".

عار أمريكا

بات جليا أن احتمال حدوث نزاعات عمالية، وعمليات تأخير إصدار التصاريح، وتكاليف أخرى زائدة للغاية، يجعل من بناء المرافق في الولايات المتحدة الأمريكية اقتراحا أشد خطورة لشركات تصنيع الرقائق.
يعني هذا أن زيادة النفقات المثيرة للإعجاب على بناء مصانع جديدة، التي تضاعفت خلال حقبة بايدن، ربما تتباطأ. تتدهور القدرة التنافسية من حيث التكلفة في أمريكا، إن وجدت، وعندما تنفد الأموال الحكومية، قد تلجأ شركات التصنيع مرة أخرى إلى آسيا أو مناطق أخرى حيث تجد العمالة الرخيصة واللوائح الأقل صرامة لتوسيع الإنتاج. إلى حد الآن، صنعت أغلب رقائق شركة "إنفيديا" المتطورة في تايوان.
يمثل هذا عارا على أمريكا لأن هيمنتها على تطوير الذكاء الاصطناعي تعني أن أشباه الموصلات ستصبح أكثر أهمية لاقتصاد البلاد، وستتفاقم المخاطر المرتبطة بالاعتماد على الرقائق المستوردة بصورة أشد. تشكل الولايات المتحدة الأمريكية 34 % من الطلب العالمي على الرقائق مقابل 12 % فقط من المعروض العالمي. برزت عواقب هذا القصور بصورة جلية خلال 2021 عندما أسفر نقص الرقائق عبر كافة أنحاء العالم إبان تفشي وباء كورونا، عن توقف عمليات تصنيع السيارات الأمريكية.

الريادة الأمريكية

قد تهدد بعض الأحداث التي قد تسفر عن نقص آخر في المستقبل، الريادة الأمريكية في مجال الذكاء الاصطناعي. إذ تقع أكبر شركات الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة الأمريكية ومن بينها "أوبن إيه آي" و"مايكروسوفت" و"غوغل" و"أنثروبيك" (Anthropic)، علاوة على إنفيديا الشركة المهيمنة لتصنيع الرقائق المخصصة لأنظمة الذكاء الاصطناعي.
يعد ذلك أمرا مثيرا للقلق نظرا لتقييم أجرته وزارة الخارجية يشير إلى أن تطوير الذكاء الاصطناعي من قبل خصوم الولايات المتحدة يمثل تهديدا جسيما للأمن القومي.
لذلك، عوضا عن إيجاد فرص العمل، كان يجب أن تقود مسألة الأمن القومي عملية تنفيذ إدارة بايدن والرسائل المرتبطة بقانون الرقائق. لو فعلت ذلك، يمكن للإدارة أن تمنح الأولوية للتوسع المستمر لسعة تصنيع أشباه الموصلات على حساب أهداف السياسات الاقتصادية الأخرى. في ظل الأوضاع الحالية، سيزيد قانون الرقائق على الأرجح لمرة واحدة إنتاج الولايات المتحدة من أشباه الموصلات، لكن لا يوجد تحول مستدام لتراجع حصة أمريكا من الإنتاج العالمي.
خاص بـ "بلومبرغ"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي