Author

ما الأفضل .. الصناديق النشطة أم الساكنة؟

|
مختص بالأسواق المالية والاقتصاد

منذ بروز الصناديق الاستثمارية الساكنة، التي كان أولها صندوق استثماري يحاكي أداء مؤشر داو جونز تأسس في 1972، والجدل قائم حول مدى الجدوى من الاستثمار في الصناديق النشطة، حيث تشير الإحصائيات بشكل قاطع إلى تفوق الصناديق الساكنة في الأداء على نظيراتها النشطة. آخر تلك التأكيدات ظهر الأسبوع الماضي عبر تقرير صدر من الشركة الأم التي تدير مؤشرات إس آند بي، حيث تبين أن أداء الصناديق الاستثمارية الكبيرة في 2023 جاء أقل من أداء مؤشر إس آند بي 500، وهي الظاهرة المعروفة والمتكررة منذ عشرات السنين، فما القصة هنا؟
تزامن تأسيس أول صندوق ساكن مع صدور كتاب "المشي العشوائي في شارع وول ستريت"، الذي كان يجادل بأن حركة الأسهم عشوائية، ولا يمكن لكائن من كان التفوق على أداء السوق ككل، وهو المفهوم الذي برز في الأوساط الأكاديمية قبل ذلك بنحو عشر سنوات من خلال نظرية كفاءة الأسواق. وبغض النظر عن جدلية هذه المفاهيم فالذي حصل أن ظهرت هناك صناديق استثمارية كثيرة تستثمر في المؤشرات، بدلا من محاولة التغلب عليها، وهي الصناديق الساكنة، والتي تسمى ساكنة لانتفاء الحاجة إلى اختيار مكونات الصندوق، والاكتفاء بنسخ مكونات المؤشر المراد تتبع أدائه، ومن ثم لاحقا ظهرت هناك صناديق مؤشرات متداولة تؤدي الغرض ذاته، علما بأنه يوجد في السعودية عدد قليل من الصناديق الساكنة، وهي صناديق المؤشرات المتداولة، وجميع الصناديق الاستثمارية لدينا تعد صناديق نشطة.  
التقرير الأخير بين أن 60 % من الصناديق الكبيرة جاء أداؤها أقل من أداء مؤشر الـ500 شركة في 2023، وحتى إن عدنا إلى الـ20 عاما الماضية فسنجد أن النسبة في الأغلب تكون 60 % وأكثر من ذلك، عدا ثلاثة أعوام كانت نسب الصناديق النشطة التي تفوقت على المؤشر في حدود 55 %. أما في دراسة الأداء على فترات زمنية أطول، لا تزال الصناديق النشطة تعاني في التغلب على أداء المؤشرات، مثلا بمقارنة الأداء لمدة 20 عاما تصل نسبة الصناديق النشطة التي تغلبت على أداء المؤشر فقط 7 %، وليس ذلك حكرا على مؤشر الـ500 شركة، بل الظاهرة نفسها تتكرر مع مؤشرات مرجعية عديدة ومتنوعة، منها أداء الصناديق النشطة التي تستهدف الشركات الصغيرة والمتوسطة والدولية، بل حتى تلك التي تستثمر في السندات أو العقار لا تزال نسب كبيرة منها تنهزم أمام أداء المؤشرات المرجعية الخاصة بها.
إذا كانت 80 % من الصناديق النشطة تخسر أمام المؤشر المرجعي لها، فهذا يعني أن 20 % منها تتفوق على مؤشراتها، وبالتالي ما علينا القيام به هو الاستثمار في الصناديق المتفوقة، وهي 20 % من هذه الصناديق! المشكلة هنا أننا لا نعرف هذه الصناديق إلا بعد أن يتحقق الأداء وليس قبله، ولذا قامت شركة إس آند بي برصد أداء الصناديق المتفوقة من عام لآخر، بمعنى أن ذلك يجيب عن التساؤل عن جدوى الاستثمار في الصناديق المتفوقة في العام السابق لتحقيق عائد أعلى من المؤشر في العام اللاحق!
الإجابة عن هذا التساؤل موجودة في تقارير سابقة، ومن ذلك أن الصناديق النشطة الكبيرة التي تفوقت على مؤشر الـ500 شركة في 2020 فقط 5 % منها استمرت في التفوق للعامين التاليين، وفي حالات أخرى كان أفضل الصناديق أداء في عام هو الأسوأ في العام التالي، أي إنه - بحسب هذه التقارير - لا يمكن الاعتماد على الأداء السابق كدليل على الأداء المستقبلي. هناك عدة نقاط قد نتطرق إليها مستقبلا، لكن أحد أسباب إخفاق الصناديق النشطة أن تكاليفها على المستثمر أعلى بكثير من تكاليف الصناديق الساكنة، بسبب الحاجة إلى الخبرة الإدارية إلى جانب عمولات البيع والشراء وتكاليف التداول، وعلى الرغم من ذلك لا يزال المضاربون لا يأبهون بهذه التقارير، ويعتمدون على أساليب تحليل فنية ومالية واستراتيجيات تداول وتحوط متقدمة، ويزعمون أن أداءهم أفضل من أداء المؤشرات. 

إنشرها