Author

لماذا لا توجد هيئة حكومية للمقاولات؟

|

اقتصادي في السياسات الاقتصادية وإدارة استراتيجيات الأعمال والشراكات الاستراتيجية.

تعد المنافسة في السوق أمرا صحيا لاقتصاد لأي دولة، حيث يستفيد الجميع في الأسواق التي تتسم بالمنافسة، ويحصل المستهلكون على قيمة أفضل مقابل أموالهم، والعملة الوطنية لا يتم إهدار قيمتها، كما يقدم المنتجون والمقاولون مزيدا من الخيارات، ويبتكر الموردون طرقا وأساليب جديدة إذا ما كان هناك تنظيم ومنافسة، وفي الوقت نفسه تتمتع الشراكات بفرص عادلة لدخول الأسواق، وهذا يجعل الأسواق التنافسية نشطة وحيوية لنمو القطاع الخاص وحاسمة للنمو الاقتصادي، وإذا ما تقدمت مستويات المنافسة تخلى الملاك عن إدارة شركاتهم لرؤساء تنفيذيين محترفين من أجل الفوز والبقاء في السوق. في الأسواق التنافسية، تؤدي المنافسة والتنظيم إلى ظهور رؤساء تنفيذيين أكثر ونمو في الشركات بالتزامن مع  السياسات الاقتصادية التي تفرضها الحكومات.

لولا المنافسة التي صنعتها الدولة في قطاعات الاتصالات بين الشركات بعدما أسست هيئة حكومية منظمة للقطاع، لما تطورت الاتصالات لدينا في المملكة وفق أسس المنافسة، وضمن سياسات المنافسة الوطنية من خلال دعم مبادرات تنمية القطاع الخاص وتنفيذ الإصلاحات اللازمة، ولم تكن خالية من التحديات، لكنها كانت أفضل من الاعتماد على ميزانية الدولة، وأفضل للمستثمرين وللعملاء.

قطاع المقاولات والتشييد والبناء يفتقر إلى تلك السياسات الداعمة للمنافسة، والسبب ناجم من عدم وجود هيئة حكومية تنظم القطاع على غرار نموذج الاتصالات في الماضي، والهيئة الموجودة اليوم في قطاع المقاولات تعد هيئة أهلية وليست منظمة. ومن المهم أيضا أن ندرك أن السياسات الجديدة مع رؤية 2030 تدعم أسس المنافسة التي ترتبط بالأسواق. لا يمكننا تحقيق المنافسة في قطاع المقاولات دون وجود منظم في صورة هيئة حكومية مستقلة ومتخصصة في التشييد والبناء وداعمة لقوانين المنافسة.

من المؤسف حقا غياب شركات المقاولات عن سوق الأسهم، ومراجعة قطاع المقاولات تضمن إلغاء كل ما يحد من المنافسة، فقطاع المقاولات عملاق نائم يحتاج إلى من يوقظه من خلال التغييرات في الإجراءات التشريعية والتنظيمية والإدارية والاقتصادية، ولا سيما أنه يأتي ثانيا بعد القطاع العقاري في الوصول إلى التمويل عالميا، ويعد أفضل من القطاع العقاري من حيث سرعة معدل دوران الديون، أي إن الأموال تعود بسرعة إلى الممولين، ومخاطرها أقل ويمكن السيطرة عليها، لأن القروض غالبا قصيرة.

بعد التأمل في أطر العمل الذي انتهجه اقتصادنا السعودي من خلال تأسيس هيئات حكومية مشرفة على القطاعات الاقتصادية أثبت نموذج الهيئات الحكومية المنظمة نجاحا منقطع النظير في التنظيم واستراتيجيا، وقيادة الازدهار المستدام والالتزام المؤسسي والقانوني والتشريعي، بما في ذلك بناء قطاع خاص أكثر قدرة على المنافسة، سواء من خلال الرخص الاحتكارية كما في قطاع الاتصالات، أو السوق المفتوحة.

خلاصة القول، إن قطاع التشييد والبناء "المقاولات" بحاجة إلى تأسيس هيئة حكومية تضمن نمو القطاع وتطور المنافسة فيه وفق القواعد الاقتصادية السليمة، وإذا ما حدث ذلك فسيختفي كثير من تحديات القطاع العقاري، بما فيها الوظائف التي يولدها قطاع المقاولات.           

إنشرها