Author

ثقافة المنظمة وتطور دائرة الاهتمام

|

في السابق كان التقدم المهني يقاس بالعمل في جهة حكومية، ثم تبدلت الحال وانعكس بتميز وظائف القطاع الخاص، ثم تغيرت الأمور من جديد وتداخلت فأصبحت جهات التوظيف العامة والخاصة تتشابه وتختلف بطرق متعددة بخصوص ما تقدمه للموظف من بيئة عمل وثقافة داخلية وأسلوب إداري، إذ أحيانا تتفوق الجهة الحكومية على الخاص، وأحيانا العكس، وأحيانا تكاد تتشابه جدا.

وبناء على تصميم هذه الكيانات الهادفة، سواء كانت حكومية أو خاصة أو غير ذلك، من المهم أن ندرك أن الثقافات المميزة لها تنشأ بسبب الدوافع والأهداف المتعلقة بوجودها، إضافة إلى الظروف المتاخمة لها. تتميز الشركات المدفوعة بتوقعات المساهمين وتعظيم ثرواتهم والهيئات الحكومية المتخصصة في تنفيذ السياسة العامة والمنظمات غير الحكومية الأخرى بأولويات ومهام مختلفة، التي تشكل ثقافاتها وتؤثر في عمليات صنع القرار لديها وفق لما تقتضيه دوافعها وأهدافها. وفي هذه العجالة سنمر على تطور هذه الفروقات.

تركز الشركات المدفوعة بتوقعات المساهمين بشكل أساسي على توقعاتهم، الذين يسعون لتحقيق أقصى قدر من الثروة من خلال الاستثمار. يوجد ذلك ثقافة أداء تتميز بالتركيز على الربحية والنمو والكفاءة. عادة ما تكون عمليات صنع القرار في هذه المؤسسات سريعة الوتيرة، حيث يتعين عليها الاستجابة بسرعة لديناميكيات السوق واستغلال الفرص. يمكن أن يؤدي سعي الشركات المدفوعة بالربح إلى اعتماد منهجيات أكثر تساهلا في طريقة أداء الأعمال، واتخاذ قرارات أسرع، وتوسيع الحدود الأخلاقية.

من ناحية أخرى، تعمل الكيانات الحكومية بواسطة مهماتها الكبرى التشريعية والإشرافية كما تم تصميمها وفق المنظومة التي تنتمي إليها. تعمل هذه المؤسسات ضمن إطار الحوكمة والمصلحة العامة. تتشكل ثقافة الكيانات الحكومية كمنظمات من خلال الحاجة إلى الحفاظ على سيادة القانون، وضمان المساءلة، وخدمة عناصر المجتمع. عادة ما تكون عمليات صنع القرار في الهيئات الحكومية أكثر بيروقراطية، حيث يتطلب الأمر الالتزام بالإجراءات والشفافية والرقابة، ولا تخلو من استثناءات. ولو نظرنا إلى المنظمات غير الهادفة للربح والكيانات الأخرى لوجدنا أن لديها مسؤوليات نوعية مركزة، التي عادة ما تنبثق من القيم الاجتماعية والبيئية. الهدف الأساس للمنظمات غير التجارية هو إيجاد تأثير اجتماعي إيجابي بدلا من تحقيق العوائد المالية فقط. يمكن أن ينتج عن ذلك ثقافة تعطي أهمية كبيرة للقيم والأخلاق والمسؤولية الاجتماعية. تكون دائرة صنع القرار في المنظمات غير الربحية أكثر شمولية، إذ يشارك أصحاب عدد أكبر من أصحاب المصلحة ويتم اعتبار مجموعة أوسع من وجهات النظر.

من الملاحظ اليوم أن الجهات الربحية توسع دائرة أهدافها بالتوقعات الاجتماعية والبيئة، بينما تتحول الجهات العامة إلى التعمق أكثر في المستهدفات الاقتصادية والمالية. وهذا التغير يصنع مزيدا من حالات التشابه والتداخل ويجعل الفصل السابق بين ثقافات هذه الجهات أكثر صعوبة.

فهم هذه الاختلافات والقدرة على التفريق بين تفوق المنظمات في تحقيق التطابق بين أهدافها وثقافتها أمر مهم لفهم الثقافة والبيئة التي تنتج من ذلك. يعد هذا محددا رئيسا لجودة المسار المهني المحتمل في الجهة.

كان البحث في السابق عن أصحاب الخبرات المميزة يقوم أولا على نوع الجهة التي يعمل بها صاحب الخبرة. ولكن اليوم ومع هذه التطورات في ثقافة المنظمة الناتج عن تطور دائرة مستهدفاتها ينبغي أن يكون الفهم على مستوى المنظمة نفسها.

إنشرها