Author

العالم طبقا لـ «دافوس»

|
مستشار اقتصادي

استمعت إلى بعض المحاضرات والنقاشات التي دارت في دافوس وخرجت بأربع نقاط التماس في المساحة التي بين المفاهيم والسياسات المعتادة والمقترحة، فيها كثير من المماحكة والتفاعل مع نقاط الضغط وآفاق الحلول والأخطار. الأولى: الحالة الجيوسياسية في العالم وتأثيرها في التجارة والنمو الاقتصادي. الثانية: العلاقة والتجاذب بين الحالة المالية والاقتصادية. الثالثة: التوجس من العامل الإيكولوجي وعلاقته بالطاقة. الرابعة: الأخطار المتنوعة المترتبة على الحالة ممثلا في الذكاء الاصطناعي والنظام المالي والصراعات المختلفة.
أعلى تعبير عن الحالة الجيوسياسية في الحروب، هي الحرب في أوروبا بين روسيا وأوكرانيا، وحرب في المنطقة العربية بين الفلسطينيين وإسرائيل، وهناك توجس من حرب بين الصين وتايوان، واعتداء من قبل الحوثيين على السفن التجارية في باب المندب. لم يستعد العالم مستوى التجارة قبل أزمة كوفيد حتى بعد أن فاجأ 2023 الاقتصاد العالمي بنمو مقبول خاصة في أمريكا والصين وتحسن في حجم التجارة العالمي. فمثلا ما زالت هناك سياسات حمائية وبرامج دعم تشوه القوى التنافسية بغرض إعادة ترتيب سلاسل الإمداد. بعدما يبدو أنه استهلاك للسياسة النقدية أو عودتها كما يحلو لبعضهم بعد أربعة عقود من نسب فائدة منخفضة هناك اعتقاد بأن نسب الفائدة ستستمر عند مستوى أعلى رغم التوجه الواضح لخفضها في أمريكا بعد الربع الأول وربما أوروبا. كما أن هناك تجاذبا بين السياستين المالية والنقدية في أمريكا يؤثر جوهريا في أسواق المال. الإشكالية أن المطالبة بدور أعلى للسياسات المالية تأتي على خلفيات أوضاع متردية لكثير من الدول بسبب العجز المستمر والديون العالية والحاجة لمزيد من الإنفاق لتسهيل التحولات الاقتصادية. فمن ناحية هناك مطالب تقريبا في كل دول العالم لإصلاحات جذرية أفقيا ورأسيا ولكن الضغوط المالية لا تكفي للتعامل مع أزمة الطاقة في ظل مطالبات بتقليل الانبعاثات والإنفاق على الأمن ، وهناك صناديق تقاعد تعاني بدرجات مختلفة، وحاجة لدعم أكثر دول العالم فقرا، خاصة بعضها توقف عن تسديد الالتزامات المالية عليه.
بعض الإصلاحات الاقتصادية صعبة جدا في ظل الأولويات السياسية وضعف الحوكمة في كثير من دول العالم، بل إن المطالبة بتعديل عديد من السياسات والبرامج أثناء الفترات الانتخابية شبه مستحيل حتى في الدول المتقدمة. للطاقة مركزية خاصة في المنظومة الاقتصادية خاصة في ظل الضغوط البيئية وعدم تجانس توزيع مصادر الطاقة أو المقدرات الاقتصادية القادرة على التكيف أو توزيع الضرر والقدرات على تحمل التكاليف المالية. فمن مؤتمر كوب باريس والعالم يراوح مكانه لأن أرخص طاقة لا تزال الأحفورية، وعدم توافر الطاقة لمئات الملايين في دول نامية كثيرة، وارتفاع تكلفة التعدين والشكوك حول تأثيرها السلبي في البيئة.
أخيرا التكلفة المالية في ظل احتياجات ملحة أمنية واجتماعية. هذا يقود لعديد من الأخطار التي يجمع كثير من المحللين عليها، ربما أهمها الحروب كما ذكرت أعلاه، ولكن هناك تغيرا في السياسات الأمريكية وأيضا قابلية نظامها المالي للأزمات والتذبذب الحاد. هناك أخطار من الصراع على المعادن بسبب أزمة الطاقة وتوزيع المعادن المهمة في دول نامية وسيطرة الصين المؤثرة في معالجة كثير منها. كذلك هناك أخطار تتعلق بالذكاء الاصطناعي خاصة في ظل التنافس بين الصين وأمريكا وغياب الاتفاق على حوكمة فاعلة.

إنشرها